شعار قسم مدونات

من تطبيع الأنظمة إلى تطبيع الشعوب

blogs قبة الصخرة

على غرار الاتفاقية التي تؤكد الوصاية الأردنية على الأماكن المقدسة في مدينة القدس منذ عام 1924 والتي تسمى "ببيعة الشريف"، والتي انعقدت بموجبها الوصاية على الأماكن المقدسة للملك الشريف الحسين بن علي، أعقب ذلك اتفاقية أخرى في العام 2013م بين الملك عبدالله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس، الاتفاقية التي تنص على اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية الذي بدوره يمنح الملك عبدالله الثاني لقب "صاحب الوصاية وخادم الأماكن المقدسة في القدس.

منذ ذلك اليوم اقتصر دور "صاحب الوصاية وخادم الأماكن المقدسة" على الإدانة والتنديد، الدور الذي لا يتناسب مع حجم الفعل الإسرائيلي الخطير تجاه الأحداث التي يتعرض لها المسجد الاقصى، من تهويد الأحياء القديمة والاقتحام المتكرر من قبل المستوطنين اليهود، وأغلاقه بين الفينة والأخرى.

رويداً رويدا خفت الصوت الأردني الرسمي، بل يمكننا القول أنه أختفى تماماً إزاء ما يحدث للأماكن المقدسة في الضفة، ففي اللحظات العصيبة التي يعيشها اليوم المسجد الأقصى والتي تعتبر سابقة لم تحدث من 48 عام من أغلاق للمسجد الأقصى ومنع الأذان والصلاة وإقامة البوابات الإلكترونية التي تنتهك قدسية المكان، لم نسمع ولو من باب التنديد من قبل الجانب الرسمي الأردني حامي حمى الأراضي المقدسة في فلسطين كما يسمي نفسه.

لم يقتصر الدور على الأردن فقط، فمن بين قرابة 50 دولة إسلامية وعربية حضر رؤسائها وملوكها وأمرائها في حضرة أيفانكا، ضاعت مشاهد التنديد والإدانة عما يحصل للمسجد الأقصى، يستثنى من ذلك طبعاً الموقف القطري والتركي الذي أدان تلك الأفعال، ففي اتصال هاتفي شدّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في مكالمة هاتفية مع نظيره الإسرائيلي روفين ريفلين، الخميس، على ضرورة السماح بدخول المسلمين للمسجد الأقصى دون قيود، في إطار حرية الدين والعبادة.

في غضون سويعات تحولت تلك الدولة العربية مع شعبها إلى دولة إرهابية تدعم الإرهاب وتهدد أمن المنطقة وسلمه المجتمعي، بينما يتسنى لدولة الاحتلال أن تفعل ما تريد!

على غرار النصر الذي حققه الاحتلال الصهيوني في حربه مع الشعوب العربية من تحالفه مع الدكتاتوريات العربية التي سعت نحو التطبيع معه ومد العلاقات الاقتصادية والسياسية، يبدو أن الاحتلال في طريقه إلى تحقق نصره الثاني والذي يعتبر النصر الأهم والأخطر، وهو التطبيع مع الشعوب العربية، ففي اتصالاً هاتفيا أمس أجرته قناة الحوار مع أحد السعوديين أسمه "خالد" في برنامج حواري حول الأقصى، قال الضيف خالد "لن ننصر الأقصى ولسنا معنين بذلك في ظل تواجد حماس الإرهابية والدعم الذي تقدمه لها قطر." وفي اتصال أخر لأحد المواطنين السعودين أيضاً على إحدى قنوات شبكة الجزيرة قال في مداخلته أن جمعة الغضب من أجل الأقصى هي مسرحية هزلية من قبل حماس ودولة قطر.

في المقابل شهدت اليوم كثير من المدن الإسلامية تضامنا مع ما يحدث في المسجد الأقصى، ونددت بذلك وعبرت عنه في خُطب المساجد والمسيرات المناصرة، بينما اقتصر الدور في منابر خُطب المملكة العربية السعودية عن طاعة الزوجة لزوجها وحقه في العقاب حالما أخطأت في حقه.

في المقابل تُحكم الخناق 4 دولة عربية على دولة شقيقة وعربية، أمراً دبر بليل، لفقوا لها التّهم ومن ثم قاطعوها ثم حاصروها، في مشهد درامي يكاد يكون من نسج الخيال، في غضون سويعات تحولت تلك الدولة العربية مع شعبها إلى دولة إرهابية تدعم الإرهاب وتهدد أمن المنطقة وسلمه المجتمعي، بينما يتسنى لدولة الاحتلال أن تفعل ما تريد.

من المؤلم اليوم أن ترى شريحة واسعة من الشعوب العربية تنجر خلف حُكامها المطبعين للاحتلال، واضعة القضية الفلسطينية في محل رهان، إن رضي حكامُنا عنها رضينا وإن سخطوا عنها سخطنا، ليس ذلك فحسب ففي تقرير سخيف لمراسل قناة العربية من القدس يقول "أن الجنود الإسرائيليين حاولوا إقناع الشباب الفلسطينيين بالدخول إلى المسجد الأقصى ولكن الشباب رفضوا ذلك، كل ذلك من شأنه تمهيد الطريق بشكل أكبر نحو التطبيع مع الشعوب وهو الدور الذي انطلق الاحتلال بموجبه بعد حصوله على الضوء الأخضر من عدة أنظمة عربية، من بينها دول الحصار.

لم يكن للاحتلال المُضي قدماً في إجراءاته، إلا حين قدمت له دول عربية ضمانات أن تلزم الصمت، الأمر الذي بات جلياً لا يمكن إخفاؤه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.