شعار قسم مدونات

الأزمة القطرية وانهيار البيت الخليجي.. من المستفيد؟

A man walks past Qatar Airways office in Riyadh, Saudi Arabia, June 5, 2017. REUTERS/Faisal Al Nasser

لسنوات عديدة ظل مجلس التعاون الخليجي رمزا من رموز التلاحم العربي وأملا أخير لنمو بذرة الوحدة العربية سيما بعد تفكك وفشل منظمة الجامعة العربية، فمنذ تأسيسه في العام 1981 مثل هذا الكيان نقطة تحول محورية في مسار العلاقات العربية العربية من جهة والعلاقات العربية الدولية من جهة أخرى، كما مثل أنموذجا ناجحا إلى حد بعيد في بناء إطار وحدوي عربي على مستوى الخليج العربي.

لم يأت تأسيس هذا الكيان مصادفة بل جاء على أسس وعوامل جغرافية وجيوسياسية واجتماعية مشتركة حيث تتشابه جميع دول الخليج العربي إلى حد بعيد في هياكلها وأنظمتها السياسية والاقتصادية إضافة إلى المحيط الجغرافي الذي يجمع هذه الدول الست ناهيك عن التمازج الاجتماعي بين شعوب هذه الدول، ويبرز هذا التشابه في اعتماد بعضها إن لكن جميعها على المصدر التقليدي في تثبيت دعائم شرعيتها.

الولايات المتحدة الأمريكية من جهتها تنظر إلى دول الخليج العربي كخزان ثروات بيد من لا يستحقونه وبالتالي يجب الاستفادة منه بشتى الوسائل والسبل وما تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب المتكررة إلا خير دليل على ذلك.

منذ مرحلة التأسيس دأبت كل دولة من دول المجلس في البناء والتنمية والتطور على كل المستويات فكان لزاما على كل دولة أن تعمل جاهدة على بناء اقتصاد قوي يجعل منها رقما معتبرا في المجلس وفي الإقليم أيضا. ما ساعدها على تحقيق ذلك هو حجم الثروات النفطية الهائلة التي تزخر بها دول المنطقة والتي جعلت منها محط أنظار العالم وهدف للدول العظمي لتحقيق مطامعها الاقتصادية. الثورة الإعلامية التي أحدثتها شبكة الجزيرة من جهة أخرى مثلت عاملا آخر إلى جانب العامل الاقتصادي في تقدم ونهضة هذه الدول وخصوصا دولة قطر والتي استطاعت بقوتها الاقتصادية والإعلامية أن تصل إلى مصاف الدول الكبيرة رغم صغر حجمها.

لقد مثلت هاتين القوتين الاقتصادية والإعلامية لعموم دول الخليج خطرا يهدد كيانات في المنطقة منها إسرائيل والتي تسعى دوما لإجهاض أي مشروع عربي تنموي وحدوي فمن أولويات مصالحها تمزيق الكينونات العلائقية للدول العربية إجمالا فإسرائيل تدرك أن استقرار دول الخليج العربي يعني (حسب آراء كثير من المحللين) زيادة الوفرة المالية والنفطية في المنطقة على حساب أمنها واستقرارها. كما مثل بقاء هذا الكيان متماسكا حائط صد أعاق الطموحات التوسعية لبعض دول المنطقة والتي من مصلحتها أيضا تفتت هذا الكيان وانهياره ليتسنى لها بسط نفوذها السياسي والأيديولوجي في المنطقة خصوصا وأن بعض دول المجلس مفخخة بأتباعها.

الولايات المتحدة الأمريكية من جهتها تنظر إلى دول الخليج العربي كخزان ثروات بيد من لا يستحقونه وبالتالي يجب الاستفادة منه بشتى الوسائل والسبل وما تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب المتكررة إلا خير دليل على ذلك. كما أنها حريصة على تفكيك منظومة مجلس التعاون الخليجي ليتم التعامل معها على شكل منفرد وفق نسب المصالح الأمريكية في كل دولة منها. فلتحقيق ذلك لا بد من إيجاد بؤرة صراع تلتقي فيها جميع دول المجلس ينتج عنه تمزق كيانات وقطع علاقات وتشتت رؤى ومواقف كما حدث مؤخرا من قطع علاقات بعض دول المجلس مع دولة قطر.

إثارة صراع كهذا في ظل ظروف استثنائية تعيشها دول المنطقة سيولد الحاجة لدى كل دولة من دول المجلس إلى الولايات المتحدة الأمريكية لشراء أسلحتها من ناحية ولكسب ودها ومواقفها ولاستضافة المزيد من قواعدها العسكرية من ناحية أخرى سيما وأن كثيرا منها لا تملك المقومات الكافية للدفاع عن أراضيها وكينونتها.

المستفيد الأول من انهيار البيت الخليجي هو الكيان الصهيوني ومن ورائه الولايات المتحدة الأمريكية (صانع الأزمات في الشرق الأوسط) إضافة إلى إيران والتي تسعى دوما إلى إيجاد مناخ متزعزع في المنطقة.

مجمل القول أن ما حدث من قطع علاقات بعض دول المجلس إضافة إلى بعض دول وحكومات لا زال مصيرها في غياهب التشرد والغموض يمثل "زلزالا" في العالم العربي من شأنه رسم خارطة سياسية جديدة تتهدم فيها علاقات قديمة وتتشكل بسببه تحالفات جديدة قد يمثل بعضها مفاجئة للكثير وعلى رأسها السعودية والإمارات. إن توقيت هذا الصراع لا يخدم أي طرف من أطرافه على الإطلاق فليس من مصلحة السعودية أن تخسر دولة جارة بحجم قطر خصوصا في ظل هذا الوضع الاستثنائي الذي تمر به كما أن الإمارات ستدرك يوما أنها بسبب سياساتها اللامسؤولة دفعت بالمنطقة برمتها إلى فوهة بركان مستعر حممه لا تستثني أحدا.

وفي الأخير نقول أن المستفيد الأول من انهيار البيت الخليجي هو الكيان الصهيوني ومن ورائه الولايات المتحدة الأمريكية (صانع الأزمات في الشرق الأوسط) إضافة إلى إيران والتي تسعى دوما إلى إيجاد مناخ متزعزع في المنطقة كي يتسنى لها بسط نفوذها على دول المنطقة، وهو الحلم الذي باتت تمارس من أجله كل أنواع الممارسات الاستفزازية من خلال دعم أذرعها المتغلغلة في جسد المجتمع العربي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.