شعار قسم مدونات

يُحكى أنّ الله قريب

blogs دعاء

 (1)

الرابع عشر من أغسطس، يوم فضّ رابعة، الشمس قد مالت للمغيب وبدا أن كلّ دعوة بالنصر أخذت طريقها نحو السماء لم تجد صداها في الأرض، مهزومون بقوة الرصاص والموت، وبينما نحن محاصرون في غرفة ضيّقة لا نعلم أي المصائر بانتظارنا يحاوطنا شهيد وجريح؛ علا صوته المرتجف بالنداء: يا أمان الخائفين، أخذ يرددها مرّة بعد أخرى، يا أمان الخائفين، وكأني أسمعها للمرة الأولى، أو أعقلها للمرة الأولى؛ كيف يكون الله قريباً هكذا في أكثر أوقاتك ظناً بالخذلان! كيف تشعر وكأن السماء فوق رأسك مباشرة، تظلّك وحدك تحميك من كل خوف، يعلو الصوت وتقلّ رجفته، يا أمان الخائفين، دبّ الصمت بيننا وكأننا جميعاً وجدنا بَرَد الدعاء في قلوبنا، وحقيقةً لم نكن أحوج إلى معيّة السماء من وقتها، فأيّا ما كان بانتظارنا يهون طالما أمانك في قلبك.

 

(2)

 تحكينا صديقتي: لم أتعلق في حياتي بأمر مثل هذا، دعوت الله به مرارا وتكرارا، خوفاً وطمعا، تيقّنت من كثرة السؤال حتمية الإجابة، ما كان الله ليضع في قلبي كل هذا الرجاء دون أن يكون قدره الاستجابة فالله أرحم بنا من ذلك، لكنه لم يستجب! بل تعقدت الأمور إلى الحدّ الذي وصل معه استحالة التحقق، وفى تلك اللحظة التي أدركت فيها أن دمعى المهدور في صلواتي لم يشفع لي أو لعله لم يكن كافياً لمصارعة القدر المكتوب تملكني الخوف، نعم، خفت من الجزع ففي لحظات مثل هذه لا تعرف ضعف نفسك وشكّ عقلك ووجع روحك إلى أين يمكنه أن يصل بك!

 

أكمَلت: لفترة ليست بالقصيرة كنت غاضبة، أكثر غضبى من سذاجتي، فرط حسن الظن الذي تعللت به حتى تيقنت الاستجابة وأنا التي لا أفعل عادة وأضع لكل أمر احتمالات متساوية! لكنى على ذلك لم أترك الدعاء بأن أبصر الحكمة، أي حكمة تهدّأ روع خوفي وضعفي، كـنت كـطفل حائر يدرك عجزه ومحدودية بصيرته لكنه لا يكفّ الشبّ عن طوقه.

 

الدعاء عوناً على وَحشة الحياة وسنداً في جميع أقدارها، وأنه في جوهره باب القُرب ومصعد السماء، ملجأ أمين لضعفنا وحزننا ومجمع أسرارنا، وتد آمالنا ومرفأ أوجاعنا ومرتكز السكينة لنفوسنا

لا أعرف تحديداً متى سَكَنت روحي، لكنى وبشكل غير مبرر ولا منطقي أحسست بنور دعائي في قلبي، لم أدرك حكمة المنع ولا زلت لا أرى خيري فيه، لكنّ شعوراً بالتسليم ملأني وفهمت معنى الرضا عن الله، هذا الرضا كان بابي لأرى سوءاتي، لم يكن يقيني في الإجابة حسن ظن بالله بقدر ما كان حسن ظن بنفسي، أدعو وأنا أرى استحقاق الإجابة هو الأليق بي، كان هذا بمثابة درس حسن وكافٍ جداً لي، صفقة جيدة على كل حال.

 

(3)

يُذكر في الأثر أنّ الدعاء دلالة الإيمان، وأن الإيمان دلالة المعرفة، والمعرفة دلالة الحبّ، فأنت تدعو الله مؤمناً به، معترفاً بقدرته، محباً له؛ وأراه – من باب آخر- عوناً على وَحشة الحياة وسنداً في جميع أقدارها، وأنه في جوهره باب القُرب ومصعد السماء، ملجأ أمين لضعفنا وحزننا ومجمع أسرارنا، وتد آمالنا ومرفأ أوجاعنا ومرتكز السكينة لنفوسنا، فلا شقاء طالما كان بإمكانك أن تنادى الله وتجده حاضراً في قلبك، يكفيك منه أن يكون السميع العليم، راضياً منه بقضائه، مطمئناً إلى جواره، متقويّا بمعيته، مسترشداً بهدايته، فلا أشقى ممن فاته قربه سبحانه، وقد قالوا صادقين أنّ "الجفا تعذيبُ مَن يفطُن".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.