شعار قسم مدونات

لماذا لا يفوز الإنكليز؟

blogs - كرة القدم - الكرة - الرياضة - كورة

هي معركة الأفكار في الجوهر، غوارديولا في أوقات كثيرة يمثل طريقة جديدة للتفكير، إذا نجح فعلا في الدوري قبل رحيله، فإنه لن يمثل فقط انتصار فلسفته، ولكن أيضا فشل الكثير من المبادئ التي هي بمثابة محور هوية الكرة الإنكليزية. هذا هو المكان الذي يأتي منه الصدام التاريخي، وهذا هو السبب في أن الخلاف أصبح شخصي إلى حد كبير، إنها ليست حول غوارديولا، بل تخصنا نحن فقط، أولا وثانيا وأخيرا.

 

لا تزال هذه الكلمات ترن في أذني كلما سألني أحدهم، لماذا لا يفوز الإنكليز بالبطولات؟ سؤال صعب ومعقد ويحتاج لأخذ ورد، لكن كلمات الصحافي الإنكليزي الشهير روري سميث لخصت الكثير، حيث أنه وصف حال بني وطنه بصراحة يحسد عليها. إنهم متعصبون لأفكارهم فقط، يعتقدون بأن الحقيقة لديهم وليس لها أي فروع أخرى، لذلك فشل القائمون على الكرة هناك في الإتيان بالجديد، رغم أنهم من قاموا باختراع المستديرة منذ أكثر من قرن.

 

تطور الإنكليز مؤخرا على مستوى الاهتمام بقطاعات الناشئين، وفاز منتخبهم بكأس العالم للشباب على حساب فنزويلا، مع تقدم واضح على مستوى المنافسات السنية في أوروبا، بالإضافة إلى استخدام أفضل المدربين في البريمرليغ. ربما تتحسن الأمور بعض الشيء خلال المستقبل، لكن تجارب الماضي بها الخلاصة حول أسباب الفشل المتكرر لمنتخب الأسود الثلاثة، سواء في بطولات اليورو أو كأس العالم،عن "الأنا" وسرها الباتع!

 

يجب أن تنظر لخصمك، ليس بالضرورة لكي تقلده بل لترصد تحركاته ومدى قوى أدواته، حتى تستطيع التحسن والفوز في النهاية. هذه القاعدة الثابتة عنصر أساسي في التكتيك، فالكرة لعبة بين فريقين وليس فريق واحد، يضم الملعب 22 لاعب وليس 11، أنت لست وحدك ولن تنعم أبدا بهذه الرفاهية، وهذا ما يفقده الإنكليز على طول الخط. لا يتعلمون أبدا من هفواتهم، يعتقدون دائما بأنهم الوكيل الحصري للخطط والتكتيكات في اللعبة.

 

نقطة أخرى أيضا خاصة بالمبالغات، فاللاعب الإنكليزي يتم بيعه بأسعار فلكية، ولنا في ستيرلينغ وستونز خير مثال، رغم أن هذه النوعية أقل بمراحل من أقرانها على مستوى المهارة والشخصية. بالتالي كلما زادت التوقعات فوق مستوى الواقع، فإن النتائج تأتي كارثية على أكمل وجه، هكذا هو الحال مع منتخب بلادهم في كل بطولة كبيرة، يذهبون وكأنهم الأبطال ويعودون بخفي حنين دون جديد.

 

في كتابة الأشهر عن التكتيك "قلب الهرم"، يؤكد المحلل ويسلون أن نرجسية الإنكليز جزء رئيسي من أسباب التراجع، فالبقية يتغيرون ويفكرون بطرق جديدة أملا في التفوق، بينما مخترعو الكرة مصممون على التعامل مع القواعد القديمة الجامدة. المرة الوحيدة التي قام المنتخب بالتغيير الفعلي كانت في كأس العالم 66 مع المدرب ألف رامسي، وقتها فقط فاز المنظم بالبطولة على حساب الألمان، وبعيدا عن النهائي المثير للجدل بأحداثه، فإن رامسي استخدم خطط جديدة وانفتح على الآخرين خصوصا البرازيل حامل لقب نسخة 62.

 

لعبت البرازيل بخطة 4-2-4 وحصلت إنكلترا على المصل لكن بعودة لاعب من الهجوم إلى الوسط، لتصبح الخطة أقرب إلى 4-1-3-2 التي تحولت فيما بعد لـ 4-4-2 الإنكليزية. الغريب أن كل من جاءوا بعد ألف رامسي لم يحاولوا إضافة جديد، ليصل المنتخب إلى الألفية الجديدة بنفس الخطة والأدوات والتحركات والتقليدية، مع الصعود الصاروخي للمنافسين سواء على مستوى الأداء كهولندا والمجر في حقبات سابقة أو البطولات كالبرازيل وألمانيا وإسبانيا فيما بعد، لكن الأمر الأكثر غرابة وإثارة للدهشة أن كل هؤلاء استفادوا وتعلموا من أفكار رجل إنكليزي، لفظته بلاده واحتضنه الآخرون.

 

إذا سألت أي مؤرخ عن المباراة الأشهر في القرن العشرين بعيدا عن النهائيات، سيقول لك دون تردد، إنكلترا والمجر في ويمبلي عام 1953، حينما فاز الضيوف بنتيجة 6-3 وسط صدمة الحضور بالأداء الاستثنائي قبل النتيجة العريضة.

المنتخب الإنكليزي تلقى أول هزيمة في تاريخه عام 1929 من الإسبان وفق أرشيف صحيفة الغارديان، وقتها كانت الحجج جاهزة بأن الطقس في إسبانيا مختلف، الجنود يقفون خارج الملعب، والأرضية غير مستوية، لذلك الهزيمة لا تعبر عن الواقع. طريقة اللعب ظلت كما هي، "الدبليو إم" على خطي هيربارت تشابمان، 3-2-2-3 لذلك عانى الفريق أمام أي مهاجم متحرك غير ثابت. ظلت هذه الآراء مجرد كلام من ضرب الجنون، حتى جاءت اللحظة الحاسمة بمواجهة المنتخب الذي تأثر بأفكار الرجل الإنكليزي الرحالة شبه المطرود من بلده.

 

أثناء رحلة صيفية لفريق بولتون الإنكليزي الي يلعب له -جيمي- في هولندا، عاش هوجان فترة رائعة داخل البلد الأوروبي الصغير، كان يُنهي التدريبات وينطلق في شوارع المدينة ويتحدث مع الناس، يذهب إلى مراكز التدريب ويشاهد الفرق كيف تلعب، شعر منذ الوهلة الأولى أن هولندا دولة تريد التعلم.

 

عاد اللاعب إلى ناديه ليعلن اعتزاله، ويقرر السفر تجاه هولندا مرة أخري وهذه المرة لكي يدرب ويلعب مع فريق دوردريشت، نادي صغير سحقه بولتون أثناء الجولة الصيفية بنتيجة 10-0. بيئة جديدة ووسط مختلف، كرة القدم في بداية دورتها بهولندا، لاعبون صغار ومدربون شبان، باختصار بيئة جديدة في مرحلة ولادة، وقابلة لأي فكرة غريبة.

 

لخّص جيمي أفكاره في برامج تدريبية انتقلت إلى معظم بلدان أوروبا مع الوقت، كيف تمرر الكرة، وأين تقف، ومتي تتحرك، وطرق نقل الهجمة من الخلف إلى الأمام، ومراكز اللاعبين داخل الملعب. كان يؤمن دائما بأن السفر هو الحل للتعلم والتعليم، ليؤثر بالإيجاب في كرة هولندا، والنمسا، والمجر، وألمانيا، وحتى بلدان أميركا الجنوبية. كرة القدم التي يحبها هوجان فكرة، والفكرة أبدا لا تموت، لذلك انتقلت بطريقة أو بأخرى إلى غيره، لتستمر الرحلة دون توقف حتى حانت لحظة مباراة القرن.

 

إذا سألت أي مؤرخ عن المباراة الأشهر في القرن العشرين بعيدا عن النهائيات، سيقول لك دون تردد، إنكلترا والمجر في ويمبلي عام 1953، حينما فاز الضيوف بنتيجة 6-3 وسط صدمة الحضور بالأداء الاستثنائي قبل النتيجة العريضة. "نحن لعبنا كرة القدم بنفس الطريقة التي تعلمناها من جيمي هوجان، لم نضيف شيء على الإطلاق، بل نقلنا أفكاره بحذافيرها. إذا قدر لنا وتم ذكر إسمنا في سجلات اللعبة، يجب أن يُشكر هذا الرجل على كل ما قدمه".

 

هذه كانت تصريحات سيبيس مدرب المجر بعد المباراة، لينظر كل صحفي إلى زميله مع سؤال استنكاري لا بديل عنه، هوجان إبن إنكلترا هو السبب في كل ذلك؟ كيف ومتى وأين حدث ذلك!؟ دعونا نعرف ذلك في القادم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.