شعار قسم مدونات

التقسيم السوري على أرض الواقع

مدونات - سوريا

في نيسان من العام 2013، خرجت من مدينة تل أبيض شمال محافظة الرقة، بجولة في المناطق المحررة، قاصدا مدينة الرقة المحررة حديثا وحلب وإدلب، قطعت ستمائة كيلو متر، دون أن يسألني أحدهم إلى أين أنت ذاهب أو يمنعني أحد من دخول أي شبر من المناطق التي أستطيع الوصول إليها عدا تلك التي يسيطر عليها النظام.
 

اليوم أسكن في محافظة إدلب ولا أستطيع الخروج من حدودها الإدارية ولو شبرا واحداً، أي لا أستطيع الذهاب إلى مناطق سيطرة النظام كوني أحد أبناء هذه الثورة، أو مناطق سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" لأن عملي في مجال الأعلام ومناهضته له، حتى مناطق سيطرة "وحدات حماية الشعب الكردية" لانتقادي سياسة التهجير بحق العرب، والشمولية التي يتعاطون بها، اتحدث هنا عن بلد واحد اسمه سورية توزعت فيه الفصائل العسكرية والتنظيمات العقائدية.
 

مناطق نفوذ
يتحدث الكثير من الناشطين السوريين عن التقسيم، بل هو شغلهم الشاغل، منذ انطلاقة الثورة السورية في آذار 2011، ومطالبتها بالحرية، حيث اتهم النظام السوري معارضيه بسعيهم لتقسيم سوريا، فيما اتهمت المعارضة النظام باتجاهه إلى تقسيم سوريا وإقامة دولة "للعلويين في الساحل"، في حين اتهم معارضين والنظام الكردي وتركيا "الوحدات الكردية" بسعيها لإنشاء إقليم كردي على في شمال شرق سوريا، بينما الطامة الكبرى هو سيطرة تنظيم "الدولة" على الرقة ودير الزور والريف الشرقي لحلب وعدد من المدن العراقية وإعلان "خلافته" لتصبح فعليا سوريا مقسمة إلى مناطق نفوذ.
 

لا يجد السوري نفسه قريب من سوري آخر يختلف عنه بالمذهب أو العرق أو القومية، وهذه المسميات تسيطر اليوم على الفكر السوري، والجغرافية والحرب ككل.

ويتكرر الحديث مجددا اليوم عن التقسيم بعد اتفاق "تخفيف التصعيد"، حيث وقعت كل من تركيا وروسيا وإيران الدول الراعية والضامنة الاتفاق يوم 4 أيار الفائت، وذلك بإنشاء مناطق "تخفيف التصعيد" في محافظة إدلب وبعض أجزاء الجوار (محافظات اللاذقية وحماة وحلب) أجزاء معينة في شمال محافظة حمص والغوطة الشرقية بريف دمشق وبعض مناطق جنوب سورية (درعا- القنيطرة)، حسب نص الاتفاقية. كما اعتبرت عدد من مؤسسات المعارضة منها الهيئة العليا للمفاوضات وناشطين سوريين أن المشروع هدفه تقسيم سوريا.

كما بدأت تظهر في الفترات الأخيرة مصطلحات على مواقع التواصل الاجتماعي "سورية المفيدة"، والمقصود بها المناطق تحت سيطرة النظام "وسورية الضارة" هي المناطق التي يسيطر عليها الفصائل المعارضة وتنظيم "الدولة" و"الوحدات الكردية".
 

من يريد التقسيم؟
المضحك المبكي أن جميع من ذكرتهم سابقا، ينادون بوحدة سوريا وأراضيها، حتى تنظيم "الدولة" يقول إنه يسعى لإقامة "الخلافة" على كامل "أرض الشام"، و"الوحدات الكردية" غيرت اسم "روجا أفا" إلى "فيدرالية شمال سوريا" والفصائل المعارضة تقول إنها تحارب المشاريع الانفصالية، والنظام يسعى لاستعادة سيطرته على كامل سورية، حتى الدول الضالعة بشكل مباشر في الحرب تنادي "بوحدة سوريا" و"سلامة أراضيها" كروسيا والولايات المتحدة على سبيل المثال لا الحصر.
 

لم تتكون لدي قناعة بأن هناك جهود حثيثة لاستعادة سورية أراضيها، بسبب الواقع الذي نعيشه وحالة الانفصال بين مكونات الشعب السوري، قبل الانفصال الجغرافي وتشكيل الكيانات المتناحرةـ وتحول الدولة السورية إلى هيكل يقوده ديكتاتور مجرم يقتل أطفالنا كل يوم وميليشيات طائفية عابرة للحدود جاءت للانتقام من قتلة الحسين في سورية، وتنظيمات متطرفة تهتم بشكل المسلم قبل جوهره، وتقتل المسلم السوري قبل أن تدافع عنه، وكل كيان له مناصريه ومدافعين شرسين عنه بدءا من نظام الأسد وحتى أخر تنظيم.
 

في ظل هذه المعطيات لا يجد السوري نفسه قريب من سوري آخر يختلف عنه بالمذهب أو العرق أو القومية، وهذه المسميات تسيطر اليوم على الفكر السوري، والجغرافية والحرب ككل، وتستقوي على بعضها بالفصيل المسلح الذي حمل راية الدفاع عن معتقده أو قوميته، في حين تناسى الكثير من السوريين الخطر المحدق بهم ككل في حال استطاع النظام فرض سيطرته على كامل الجغرافية السورية، حيث كان سيفا مسلطا على جميع الرقاب دون أن يميز بين مذهب أو دين أو قومية، وربما هذا مفهومه "للوحدة الوطنية".
 

بالنسبة لي كمواطن لن أستطيع الذهاب إلى أي منطقة بسوريا والتنقل بحرية كما في السابق، في حين لو كنت مواطن من دولة ثانية ربما سأطلب فيزا لزيارة حلب أو الرقة، وحتى الساحل.

الواقع السوري
يتعامى الكثير من السياسيين المعارضين وأيضا الموالين عن ماذا يحدث على أرض الواقع بالفعل، يتناسون أننا اليوم مقسمون بشكل فعلي وأن انتقال أي سوري من منطقة نفوذ إلى أخرى قد تكلفه حياته، أو اعتقاله. يحدثني من يذهب إلى مناطق سيطرة "الوحدات الكردية" في منطقة عفرين قادما من إدلب أن عليه أن يدفع مبلغ قدره 2000 ليرة سورية تحت مسمى "عبورية" ولا يستطيع المرور بعفرين أو دخولها إلا بوجود كفيل "كردي" بالإضافة لفرض رسوم جمركية على السلع التجارية القادمة إلى إدلب كالمحروقات وغيرها، وباستطاعتي القياس على باقي مناطق سيطرة "الوحدات".
 

كما لا يستطيع أن يذهب كل شخص إلى مناطق سيطرة تنظيم "الدولة" إلا أن يكون متأكدا من سجله نظيف ولم يزل لسانه أمام أي شخص أنه انتقد التنظيم أو عبر عن انزعاجه من سياسته، وفي الجهة الأخرى من يذهب إلى مناطق سيطرة "الوحدات" أو الجيش الحر والكتائب الإسلامية يعتبر "كافرا". أما مناطق الشمال السوري حلب وإدلب لا يدخلها الكردي لأنه سيعتقل بتهمة انتمائه لحزب "PKK"، في حين مناطق النظام تمنع لكل المعارضين، والمطلوبين للنظام لأنهم سيعتقلون عند أول حاجز لقوات النظام.
 

في ظل هذا الواقع أرى ويرى الكثير أن التقسيم ليس فقط في خرائط المجتمع الدولي، أو على طاولة المفاوضات، في سوريا رسمت الحدود بالدم، ولن يتنازل عنها أي فصيل دون مقابل، كما لن تكون الحدود كما هي في العام 2011 بعد تدخل قوات أجنبية على الأرض السورية وبناء قواعد عسكرية لها، روسيا في الساحل السوري، الولايات المتحدة في الشمال الشرقي، وتركيا في الشمال السوري.

أفكر أحيانا بأن الحل ربما هو تقسيم هذا الوطن الذي يقتل جيشه الشعب بشتى أنواع الأسلحة وحتى الكيماوية كهجوم الغوطة 2013 وهجوم خان شيخون في 4 نيسان 2017، لأن بالنسبة لي كمواطن لن أستطيع الذهاب إلى أي منطقة بسوريا والتنقل بحرية كما في السابق، في حين لو كنت مواطن من دولة ثانية ربما سأطلب فيزا لزيارة حلب أو الرقة، وحتى الساحل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.