1- لماذا الرفض لحكم العلماء ورجال الدين؟
يقول الرافضون لحكم رجال الدين، إن طبيعة الاهتمام والتكوين المعرفي للعلماء ورجال الدين هو السبب الرئيسي لرفض توليهم السلطة، إذ ينطلق رجال الدين من الروايات التاريخية في حكمهم على الأشياء، وبطبيعة تكوينهم المعرفي فإنهم يدرسون التاريخ ليستعيدوه ويعيشوه، لا لأخذ العبر والدروس منه، كما أنهم في كل أمر مستحدث يبحثون عن موقف من سبقهم من علماء ورجال الدين لتلك الديانة أو الطائفة ليطبقوا ما اجتهدوا به على ما استحدث أمامهم في العصر الحديث، وكما أنهم بطبيعة تكوينهم التعليمي يتعاملون مع طبيعة الأشياء على أنها حق وباطل وصحيح وفاسد وتضمر لديهم نظرية نسبية الحقيقة.
وبالإضافة إلى ذلك فللعلماء ورجال الدين سطوة اجتماعية بما يملكونه من شرعية دينية، لذلك فوصولهم للسلطة يترك الباب والمجال واسعا للفساد والترهل، إذ أن مع الزمن يصبح انتقاد ومعارضة برامجهم وأسلوب إدارتهم كأنه انتقادٌ ومعارضة للإله! إذ لديهم القدرة على أن يغلفوا آراءهم بغلاف ديني ويسبغوا عليه إرادة إلهية. وبطبيعة التكوين السيكولوجي، فإن العلماء ورجال الدين ينمو عندهم الجانب العاطفي والروحي ويضمر عندهم الجانب المادي، والسلطة من حيث الأساس هي تفويض إدارة موارد الدولة وتنميتها، ولأن اهتمام رجال الدين في الجانب الروحي وتزكية النفوس؛ فإن إدارتهم لموارد الدولة وتصريفها سوف ينبني عليه إهمال شديد وترهل في حاجيات الناس وحياتهم.
يرى الرافضون لحكم العسكر أن التركيبة السيكيولجية للجنرالات العسكرية عاجزة عن إدارة الدولة وإدارة مصالح الناس وتنمية الموارد العامة، إذ يتميز العسكر بعقلية فردية تسلطية في التفكير معتمدا على مبدأ الطاعة في تسيير الأمور. |
إذ إن طبقة رجال الدين استطاعت أن تحكم السيطرة على الدولة الإيرانية فحولت مقدرات الدولة إلى حامل للواء الحروب الطائفية ونبش خلافات وضغائن دينية مر عليها حوالي ألف وأربعمائة عام، وحولت الدولة إلى ما يشبه الميليشيا المنبوذة في المنطقة، وهذا تكرر في العراق، إذ استطاعت الطبقة السياسية الدينية ورجال الدين القريبين منها العمل على إفشال العراق وتصنيفها على أنها من الدولة الأكثر فشلا في العالم، وتحويلها إلى بؤرة صراعات طائفية تصدر الإرهاب وتزعزع استقرار الدول المجاورة والعالم، وهذا ما حصل في أفغانستان وحصل في العراق وسوريا بصعود تنظيم الدولة الإسلامية وممارسة الحكم بطريقة مبنية على روايات دينية وتاريخية مشوهة.
2- لماذا الرفض لحكم العسكر؟
يرى الرافضون لحكم العسكر أن التركيبة السيكيولجية للجنرالات العسكرية عاجزة عن إدارة الدولة وإدارة مصالح الناس وتنمية الموارد العامة، إذ يتميز العسكر بعقلية فردية تسلطية في التفكير معتمدا على مبدأ الطاعة في تسيير الأمور، وعدم القبول بالنقد ومراجعة الأفكار والأطروحات، كما يرون أن العقلية العسكرية تقوم على فكرة تقديس القيادة والرتب العليا من الجيش على اعتبار أنهم يعلمون ما لا يعلمه الآخرون من أسرار ومعلومات عسكرية لا يطلع عليها الجميع، فتكون الطاعة والنزعة الفردية عالية التركيز في القرارات المتخذة، كما تتعامل القيادات والنخب العسكرية مع الأمور من منطلق الصداقة والعداوة، فإما أن تكون صديقا أو خصما وعدوا، فالمنافسة محصورة بفكرة أنا أو هم، فلا تحتمل غير ذلك..
كما يرون أن طبيعة الأنظمة العسكرية تلغي علامات التميز الفردي وتجعل الأكثر قدرة على الصعود هو الأكثر قدرة على الانضباط والولاء والسمع والطاعة، لذلك تنشأ نخب قيادية من الطبقات الأكثر ولاء للقيادة على النخب القابلة للتميز الفردي، بالإضافة إلى أن التركيبة الشخصية للعسكر تدفعهم للجوء إلى أقصر الحلول باستخدام القوة والحسم العسكري في حل الخلافات، فالحسم بالقوة هو السبيل الوحيد للتعبير عن الرأي وإثبات صحته، وهو مبدأ يتنافى كليا مع مبدأ التعددية وتداول السلطة وتعدد وجهت النظر ونسبية الحقيقة، الحكم العسكري عادة ما يفرز أنظمة حكم مكونة من طبقة أقلية سرعان ما تتزاوج مع الطبقات المخملية أو الأرستقراطية ويبدأ من ذلك مشوار الفساد.
الأمثلة العملية على عدم قدرة الأنظمة العسكرية على إدارة موارد الدولة في العالم العربي كثيرة، فلا تكاد تجد إلا عددا قليلا من الدول العربية التي لم تحكم بالأنظمة العسكرية، المثال الصارخ على الحكم العسكري ما جرى في مصر إذ استمر الحكم العسكري ولا يزال مستمرا من 70 عاما، والبلاد تتراجع في كل الميادين سياسية واقتصادية واجتماعية، كذلك الأمر في السودان إذ وصل الأمر إلى تقسيم الدولة إلى شمالية وجنوبية، وكذلك الأمر في اليمن إذ أسس العسكر لتقسيم اليمن إلى اليمن الشمالي واليمن الجنوبي حتى من كان حذرا جدا من حكم العسكر وكان يبعدهم عن السلطة كالراحل الحبيب أبو رقيبة وقع في شراك العسكر وقربهم من السلطة وأشركهم بها قبل أن ينقلبوا عليه بانقلاب عسكري أبيض.
صحيح أن الديمقراطية تعني أن تسمح للجميع أن يمارسوا العمل السياسي، وأن الجميع له ذات الفرصة على قدم المساواة، إلا أنه حق يجب أن يبقى مقيدا بأن يمارس العالم ورجل الدين السياسة بصفته الشخصية لا بصفته الدينية. |
3- لماذا الرفض لحكم رجال الأعمال؟
كما أن دخول رجال الأعمال إلى السلطة يشبه حالة الإصابة بالإيدز الاقتصادي لجسم الدولة، إذ يغزو الفساد الدولة من الداخل ويمنع قدرتها على الدفاع عن نفسها ويوظف قدراتها في نشر الفساد لا مكافحته ومواجهته، كما أن دخول رجال الأعمال إلى السلطة يسهل عملية التصرف بنواتج الفساد المالية من تهريب للأموال أو غسيل لها وإعادة ضخها مرة أخرى بثوب مشروع.
التجارب العملية لدخول رجال الأعمال إلى السلطة مريرة، فمثلا الأردن كان حريصا على إبعاد رجال الدين والعسكر ورجال الأعمال عن السلطة، استمر في الأولى والثانية، لكن في العشر سنوات الأخيرة استطاعت طبقة رجال الأعمال من اختراق السلطة والوصول إلى القرار، فبيعت مؤسسات الدولة كما تباع السلع التجارية، وظهرت الطبقية الاقتصادية الفاحشة وانعدمت الطبقة الوسطى، وطغى مد الطبقة الفقيرة وانفجار المديونية العامة لتقفز إلى أكثر من 14 مليار دولار أميركي في آخر أربع سنوات، فنتج تضخم اقتصادي عمل على تآكل الدخول، وعاش الناس في ضنك وضيق اقتصادي، ذات الأمر تكرر في مصر قبل الثورة، إذ دخلت طبقة رجال الأعمال إلى السلطة فنشأت طبقة أقلية سياسية اقتصادية فحكمت مصر فعليا وتكدست بيدها ثروات الدولة المصرية، فسرعت سقوط النظام هي ذات الطبقة التي دعمت الثورات المضادة وحرضت عليها، وقدمت لها كل ما تحتاجه حتى تنجح، وتم إلغاء المسار الديمقراطي، وتم إعادة الحكم العسكري.نعم صحيح أن الديمقراطية تعني أن تسمح للجميع أن يمارسوا العمل السياسي، وأن الجميع له ذات الفرصة على قدم المساواة، إلا أنه حق يجب أن يبقى مقيدا بأن يمارس العالم ورجل الدين السياسة بصفته الشخصية لا بصفته الدينية، ومن حق العسكري أن يمارس السياسة لكن بصفته مواطنا بعد تركه للخدمة العسكرية وأن لا يسخر القوة العسكرية ومقدراتها لحسم صراعاته السياسية، إذ يجب أن تبقى الجيوش موجودة لهدف واحد، وهي حماية أمن الدولة الداخلي والخارجي، ومن حق رجل الأعمال أن يمارس السياسة لكن بعد أن تكف يده عن ممارسة العمل التجاري، ويمنع من هذا الحق بعد تخليه عن السلطة لعدة سنوات تضمن عدم استثماره لمناصبه التي شغلها.
تلك الفئات الاجتماعية عليها أن تكون مقتنعة من تلقاء ذاتها أنه من الخطأ عليها ممارسة العمل السياسي وهي تحمل ازدواج الصفة، وأن يصل المجتمع إلى قناعة مهمة أنه إذا ما أرادت تلك الفئات ممارسة العمل السياسي فعليها أن تتخلى عن صفتها الأخرى، وإن تجاوزت فإنه سيكون هناك وعي اجتماعي كفيل بعزلها عن العمل السياسي والسلطة من الناحية العملية، والأهم من ذلك هو وجود التشريعات التي تحمي الحياة السياسية من تلك الفئات وهي تحمل ازدواجية الصفة.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.