شعار قسم مدونات

بَيْنَ الْوَثِيقَةِ والْحُدَيْبِية.. أَوْجُه شَبَه

blogs حماس

لا أَحَدَ يُنْكِر.. أنّ الثبات على المواقف والمبادئ، هو أهم ما يميز حركات التحرر في شتى بقاع الأرض، وفي المقابل لا أحد يشكك في أن الرجوع نصف خطوة للوراء أحيانًا، هو أمر تتبعه خطوات وأميال للأمام غالبًا، فهذه قاعدة شرعية وعلميّة مرنة مارسها الإسلاميّون من زمن رسول الله، محمد صلى الله عليه وسلم وحتى واقعنا هذا.. في إعادة التخطيط والتصحيح دون الإخلال بالأصل والنبع.

اللافت.. منذ الوقت، الذي أعلنت فيه، حركة حماس، عن وثيقتها الجديدة، شاب كثير من اللغط عند كثيرين صفاء ونقاء البنود التي حملتها وثيقة "المبادئ والسياسات العامة"، كما أسمتها الحركة خلال مؤتمر الإعلان الذي عقده رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل في الدوحة، لإعلان الوثيقة.

تمامًا.. كما اللغط الذي شاب وأصاب صدور كثير من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في صلح الحديبية حتى وصل الأمر لأن يأمرهم صلى الله عليه وسلم بأن ينحروا الهدي ويحلقوا رؤوسهم، فلم يقم منهم أحد بذلك، فكرر الأمر ثلاث مرات دون استجابة، فدخل على أم سلمة رضي الله عنها وحكى لها ما حدث من المسلمين، فأشارت إليه بأن يبدأ هو بما يريد، ففعل، فقاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضًا حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمًا..

لكنّ هنا.. يوجد ولا يوجد وجه شبه، بمعنى أن المتذمرين من بنود صلح الحديبية صحابة كبار كعمر رضي الله عنهم وغيره من المسلمين، ولا شك أن هذا التصرف والتذمر منهم ما هو إلا اجتهاد ورغبة في إذلال المشركين.

إنّ الناظر بعين الموضوعية، لوثيقة حماس، سيجدها أنها لا تختلف جوهريًا عن ميثاقها الأول.. ولكن ثمة كلمات أضيفت أو كلمات تمت إعادة صياغتها تكيّفًا مع الواقع الذي تعيشه الحركة بما يسمح لها أن تناور سياسيًا بين الدول من أجل البقاء على عهدها في مسيرة التحرير

بخلاف أنّ المتذمرين من بنود وثيقة حماس الجديدة، فريقٌ أوّل تذمّر جحودًا وشماتةً.. والثاني تذمّر رغبةً في الثبات على الحق، وعدم فتح المجال للجاحدين بأن ينال بعضهم بلسانه من هذه الحركة العملاقة غيرةً وحبًا وشغفًا في انتمائه لها. للفريق الثاني.. رسالة مفادها فكما أن قريشًا لم تتوقف برهة في التحرش بالمسلمين واستفزازهم خلال مفاوضات كتابة صلح الحديبية وبعد كتابته، وقد تصرف الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة بانضباط شديد إزاء هذه الأفعال، واليوم نقولها للغيورين.. اطمئنوا لن ينال الشامتون منا وكذا المغرضون.

فإنّ الناظر بعين الموضوعية، لوثيقة حماس، سيجدها أنها لا تختلف جوهريًا عن ميثاقها الأول.. ولكن ثمة كلمات أضيفت أو كلمات تمت إعادة صياغتها تكيّفًا مع الواقع الذي تعيشه الحركة بما يسمح لها أن تناور سياسيًا بين الدول من أجل البقاء على عهدها في مسيرة التحرير. فقضية اللاّجئين وحقّ العودة، لا زالت حاضرة في وثيقتها ترفض كلّ المشروعات والمحاولات الهادفة إلى تصفيتها كقضية، بما في ذلك محاولات توطينهم خارج فلسطين، ومشروعات الوطن البديل.

ونظرتها للمشروع الصهيوني، لم تتغير في أنه مشروع عنصري، عدواني، إحلالي، توسعي، قائم على اغتصاب حقوق الآخرين، وهو مشروع معادٍ للشعب الفلسطيني وتطلّعاته في الحرية والتحرير والعودة وتقرير المصير؛ وإنَّ الكيان الإسرائيلي هو أداة المشروع الصهيوني العدواني. وكذا رفضت الاعتراف بإسرائيل، وبيّنت موقفها من الاحتلال والتسوية السياسية، بدءً من وعد بلفور، وصكّ الانتداب البريطاني على فلسطين، وقرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين، وكلّ ما ترتّب عليها أو ماثلها من قرارات وإجراءات.

فهي لا زالت تقول أنه لا اعترافَ بشرعية الكيان الصهيوني؛ وإنَّ كلّ ما طرأ على أرض فلسطين من احتلال أو استيطان أو تهويد أو تغيير للمعالم أو تزوير للحقائق باطلٌ؛ فالحقوق لا تسقط بالتقادم، ولا تنازلَ عن أيّ جزء من أرض فلسطين، مهما كانت الأسباب والظروف والضغوط، مهما طال الاحتلال.

إلى كل من اعتبر الوثيقة، أنها مجرد تكرار تجربة لمنظمة التحرير في الاعتراف بإسرائيل، وبالتالي اعتبر أن في الوثيقة تخليًا عن فلسطين التاريخية، أنت لست موضوعيًا ولست منصفًا فحماس هي حماس لم تتغير. والحقّ ما شهد به الأعداء.. فكما قال أحدهم أن الفرق الجوهري بين الوثيقة الجديدة والميثاق أن حماس كتبت بدل تحرير فلسطين من النهر الى البحر أصبحت تحرير فلسطين من البحر الى النهر.. فحماس هي حماس لم تتغير.

امحها يا عليّ.. خطوة تكتيكية للوراء.. لأجل قفزة استراتيجية مبهرة للأمام.. فتح بها النبيّ صلى الله عليه وسلّم، مكّة.. كما أنكم بوثيقتكم ستحررون فلسطين كاملة بإذن الله

ختامية الحديث.. أن حماس هي حماس لم تتغير، فعقيدتها هي عقيدة عليّ رضي الله عنه، وهو يكتب الصلح: والله لا أمحوك أبدًا يا رسول الله، في صلح الحديبية، عندما قال له صلى الله عليه وسلم: اكتب هذا ما اتفق عليه محمد رسول الله وسهيل بن عمرو، فاعترض سهيل وقال: والله لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولكن اكتب محمد بن عبد الله، فقال صلى الله عليه وسلم: امحها يا علي، واكتب محمد بن عبد الله.. أقسم عليّ قائلًا: والله لا أمحوها أبداً يا رسول الله.. فما كان منه صلى الله عليه وسلم، إلا أن قال هاتها يا عليّ فمحاها بيده عليه الصلاة والسلام، لأنه يعلم تمامًا أن عليًا لن يمحو كلمة رسول الله.. وهذا هو حال كثير من أبناء حركة حماس، من أصحاب الفريق الثاني، ممن قتلهم تجاهل الحركة في وثيقة المبادئ الأساسية، ذكر جماعة الإخوان المسلمين، على عكس ما جاء في المادة الثانية من ميثاق الحركة، في بيانها الأول، والذي أكدت فيه تبعيتها لـجماعة الإخوان، وما عَلِموا وأن محوها هذا لا يعني محو المنهاج.. فمنهاجها حاضر في تربية المجاهدين الذين سيحررون الأرض والعرض في يوم من الأيام. 

امحها يا عليّ.. هي استراتيجية نبوية للحفاظ على مؤسسة الإسلام، والتي لم يستطع لحظتها كبار الصحابة رضوان الله عليهم استيعابهم ما يحدث، وهي استراتيجية تعني أنه لا بد من تحول بالمسار من الجدل الهادر للأوقات الثمينة للانشغال بما ينبني عليه من الأعمال القويمة، وهي خسارة لحظية لأجل مغانم استراتيجية. امحها يا عليّ.. خطوة تكتيكية للوراء.. لأجل قفزة استراتيجية مبهرة للأمام.. فتح بها النبيّ صلى الله عليه وسلّم، مكّة.. كما أنكم بوثيقتكم ستحررون فلسطين كاملة بإذن الله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.