شعار قسم مدونات

القضية الجنوبية.. سفينة تغرق بخروق قباطنتها

مدونات - جنوب اليمن

ربما أن مسألة إغراق الذات، لم يتناولها علماء النفس وخبراء الاجتماع إلا عند فلسفة دوافع الانتقام من النفس، التي تخضع لجملة ضغوط أوصلتها لحد الإحباط من أي تغير إيجابي في مسار تحركاتها في مستقبل لم يعد متدرعا لديها إلا باليأس، لذلك ولد قناعة لدى من وصل إلى هذه الحالة بأنه لم يعد ثمة حل لمعضلاته سوى الارتماء بين أحضان الفناء والفناء فقط، وهذا ما يسميه العلماء في الفقه الجنائي (بالانتحار).

على العكس من تلك (القضية الجنوبية)، تعيش واقعاً مزرياً، يبحر بسفينتها المتعدد من الربابين المتهورين، والقباطنة المتاجرين، لا يقرأون مسارات الريح، ولا يتأملون في غزل العواصف، الخالقة لتعاضم أمواج، ربما تتيه في تلاطمها الأشرعة، التي أمنتهم في قياسات المخاطر المحدقة بها بمحيطات السياسية، وتحديد منافذ التخلص من حوادث الغرق، ومسارات السلامة من الهلاك.

يا ربابنة القضية الجنوبية، على رسلكم رويداً رويداً، سفينة الجنوب قطعت شوطاً لا بأس به في لجج السياسة وأمواج الحرب، وتجاوزت كل ذلك بسلاسة وسلامة، يشهد لحنكتها الجميع.

مشكلة القضية الجنوبية، أن لها ربابنة مختلفون، لا يراهنون على سفينتها في مسألة الوصول إلى شواطئ النصر، والتي من اللازم أن تتسع للجميع، لذلك اصطحبوا في إبحارهم بها، قوارب لذواتهم المتجلببة بالاستغلالية والانتهاز، أسداها لهم متربص يحاول أن يأخذها غصباً، ولن يكون ذلك إلا بتغييبهم عن واقع الإبحار بلوامع الإبهار، فأعد لهم تلك القوارب، كوسيلة تنجي أنفسهم من الغرق، الذي يسوق توقع حدوثه إليهم لسفينة القضية الجنوبية عدوٌ يظهر بجبة الصديق، فدفع كل منهم إلى تقديم نفسه الربان الماهر الوحيد، واتجه لممارسة الإبحار بها بكفاءة القوة ومهارة الانتهاز فقط، فخاضوا لجج المواجهة، بأنفس مقتنعة في كوامنها بالركة في مهارتها بالإبحار على أمواج السياسة، وعقول مهتزة بالدقة القيادية لديها في إدارة عواصف الصراع ونواسف الحرب.

القضية الجنوبية كانت سليمة من أي خروق معرقلة لها من الإبحار الصحيح، وكل من تعمق بالنظر إلى تقاسيم شكلها في بداية الأمر، تمنى أن يكون قبطان إبحارها الماهر، فتعدد المتنافسون على قيادة سيرها نحو مرافئ السكون المتغلب، وشواطئ الاستقرار المنتصر، وحينما تعدد قباطينها، اختلفوا في الوجهة التي يجب أن تسير إليها سفينة القضية، ولم يتفقوا على الشكل الذي يتناغم مع الرياح السياسية، والتي أصبح من الواضح جداً أن العالم يشترك في التحكم برسم خرائطها، وكما أنهم لم يجتمعوا على الصورة المتعاطية بنمط إيجابي مع تأثيرات العواصف العسكرية المدركة لكل ذي لب حكيم، والتي أصبح من المعلوم ضرورة تدخل الإقليم المباشر في تأجيج براكينها، والتحكم بشرارات بداياتها وإيقاد الفتيل.

فأصبح لكل قبطان خط إبحار خاص به، يوحيه إليه النجم الإقليمي الذي يُسَيّرُ مغامراته على طوارقه أشرعته، أو الوجهة التي توجه إليها المجرة الدولية التي يهتدي بتوجهاتها في تحريك شراع طيشه، فتاهت وجهة القضية الجنوبية، بالجنون الذي يعيشه ربابنتها، وتخطفتها مخالب صراع القباطنة وأنياب الربانين، الذين يتحدون في الصراخ، لكنهم يتشتتون في جهد الساعد وجهاد المساعد.
 

اليوم ونتيجة لكل ذلك، أصبحت سفينة القضية، تعاني من حيرة هائلة، أحدثتها خروق تتعدد كل يوم، وتتسع في جسدها كل ساعة، لقد أنتجها فيها قباطنة غير أسوياء، يمزقون سفينة الجميع، لاحتياجات القوارب الخاصة بهم، والتي أهداها لهم، خصوم قدموا إليهم بأقنعة الصداقة والإخاء، ويمزقون فُلْكَ الكل، ليصلحوا أوضاع زوارقهم، المفصلة بشخوصهم فقط، التي يستلونها من قفافيز صداقة تتبطنها أكف العداء لهم، فأصبحوا يقايضون بالسفينة العامة وضعاً خاصاً لقوارب استغلاليتهم، وزوارق ما يتقنونه من فنيات المتاجرة والانتهاز.

لكل قضية حل، كما أنه لكل حق عودة إلى أهله، وسيكون الكل معكم كخيار شعب، كما أنه سيصبح الجميع بوجه نزق خيار ينتجه تهور النخب. وستندمون قطعاً حينما تحول بعض النخب قضيتكم إلى ضربة حظ، قد تجنون من ورائه الخسارة قبل الفوز.

فيا ربابنة القضية الجنوبية، على رسلكم رويداً رويداً، سفينة الجنوب قطعت شوطاً لا بأس به في لجج السياسة وأمواج الحرب، وتجاوزت كل ذلك بسلاسة وسلامة، يشهد لحنكتها الجميع، ولم تصب بين هذا وذاك إلا بخدوش بسيطة، بإمكانكم ترميمها بصمت مع مواصلة السير، ولم يعد يؤرقها اللحظة الحالية، سوى الخروق التي تحدثونها أنتم في كل ساعة ولحظة ويوم.

يا قباطنة القضية، أيخرق كل منكم السفينة، ليستجلب شرعية القيادة إليه ؟!،بأثقال من خارجها لا تحمل بين تخلخلاتها لسفينتكم إلا الغرق، ولذواتكم غير الهلاك .إن تلك الأثقال التي تدخل فيها من الخروق التي تحدثونها، لن ترجح كفة شراع الإبحار لأي أحد، وإنما تزيد من أسباب الغرق والغرق فقط، والذي إن حدث لن تجدوا بعده سفينة، ولن تتحصلوا بغيرها نجاة وإن حرصتم .وما يجب أن تفهموه الآن، بأن قوارب ذواتكم، التي أهداها لكم متزلف ماكر، وأن زوارق شخوصكم التي أسداها إليكم متملق لتهوركم ولانتهازيتكم شاكر، لن تنجيكم من هلاك وقع عليكم بغرق السفينة التي لم تستوردونها من عدو أو تستجلبونها من صديق، وإنما ورثتموها عن آبائكم كابر عن كابر، وما لم تتمكنوا من الحفاظ عليه من السفينة، لن تكونوا قادرين على التمسك به في تزلقات زورق صغير أو قارب لا يراهن على النجاة به بين هذه الأمواج إلا غير آبه بالنهاية والمصير.

فيا أبناء سقطرة وعدن، والضالع والمهرة وأبين، وشبوة ولحج والمحافظة التي تستبطن وادي دوعن، دعوا التهور وكفو عن سفينتكم المتهورين، وسَيّرو سفينة أقاليمكم بتأمل الحكيم، وما ينتجه لكم تدبر القائد الحريص العليم، والتأني غالبا ما يكون مبعد للمرأ من المآزق، والاستعجال دائماً ما يوصل أربابه إلى المهالك والمحارق، ولكل قضية حل، كما أنه لكل حق عودة إلى أهله، وسيكون الكل معكم كخيار شعب، كما أنه سيصبح الجميع بوجه نزق خيار ينتجه تهور النخب. وستندمون قطعاً حينما تحول بعض النخب قضيتكم إلى ضربة حظ، قد تجنون من ورائه الخسارة قبل الفوز، وهذا هو الظاهر الآن مع الأسف .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.