شعار قسم مدونات

مُثقفوبيا

blogs - رجل يقرأ
للخوف أنواع ودرجات مختلفة ذكرها الطب النفسي وعرفها ب"الفوبيا" فقد تجد منها ما هو غريب ومنها ما هو جديد على مجتمعاتنا مثل "النيموفوبيا" وهي الخوف من انقطاع الشبكة عن الهاتف المحمول إلا أن أشد أنواع هذا المخاوف غرابتاً بالنسبة لي والتي اكتشفتها مؤخراً واعتقد بأنني سأسجل براءة اختراع فيها هي المثقفوبيا وهو رُهاب يصيب الفرد عند لقاءه بشخص مثقف فيدفعه إلى مهاجمته وانتقاده.

وبما أننا سنتحدث عن المثقف دعونا نتفق أولا من هو المثقف؟ ودعونا نتفق أيضاً بأن ليس كل متعلم مثقف لقد ذكر الكُتاب والمفكرون على مر العصور تعريفاتهم للشخص المثقف، ولكن اسمحوا لي الآن أن أضع تعريفي الخاص، المثقف هو الشخص القارئ الشغوف للمعرفة الذي تجد في قاموسه كلمة لا أعلم يتبعها كلمة علمني وهو الشخص الذي ينعكس عِلمه على عَمله وأخلاقه وهو الشخص القادر على استخدام عِلمه في خلق أفكار إبداعية وتكوين رأيه ومنظوره الخاص للأشياء وهو الشخص الذي تجد زر تعديل مُفعّل في مخزن أفكاره.

قد نلقي أيضاً بعض اللوم هنا على المثقف نفسه الذي يغالي في إظهار صورته كنرجسي متعال ينتقد كل ما ومن حوله معتقداً بذلك أنه يدفعهم للتغيير إلا أنه لا يدفعهم إلا للنفور.

لم أرى أبداً شعباً كشعبي ومجتمعاً كمجتمعي يحارب الثقافة والمثقفين ويدعي العكس ودعوني أريكم مشهداً بسيطاً يكشف هذا الفُصام فإن رأوا صورةً لشخص عربي معه كتاباً يقولون انظر كيف يدعي الثقافة ويقصد لفت الانتباه بهذه الصورة بينما لو كانت هذه الصورة لشخص غربي لوجدتهم هم نفسهم يبدون إعجابهم بالصورة وبهذا المنظر الحضاري الذي يعكس قمة الوعي لهذا الشعب بل وتراهم يتحسرون على حال أمتنا.

ما يلبث الشخص في مجتمعي على مداومة القراءة أو الكتابة أو حضور فعاليات ثقافية وتشكيل رأيه الخاص عن مواضيع الحياة المختلفة ومحاولة طرحها على الملأ حتى يبدأ باستقبال سهام التشكيك بأنه صاحب ثقافة مزيفة مصطنعة وبأنه يعيش دوراً ليس له فتنهال عليه انتقادات لشخصه حتى وليس لأفكاره التي قام بطرحها.
 

أعتقد أن السبب الرئيسي وراء هذا العداء والانتقاد ما هو إلا الخوف من هذا الشخص ومن علمه ومعرفته وفكره، وإن هذا التشكيك في شخصه ومعلوماته ما هو إلا هروب من مواجهة يتضح فيها أنه يعرف أن هذه المعرفة ليست حكراً عليه أو على غيره هذه المعرفة متاحة للجميع لا يمنعك عنها أحد إلا نفسك أنت الذي يكتفي بالقليل والدارج فهل ذنبه أنه اختار لنفسه أن يعرف!
  

قد نلقي أيضاً بعض اللوم هنا على المثقف نفسه الذي يغالي في إظهار صورته كنرجسي متعال ينتقد كل ما ومن حوله معتقداً بذلك أنه يدفعهم للتغير إلا أنه لا يدفعهم إلا للنفور من هذه الشخصية ورفضها، وقد يقع المثقف نفسه في هذا الرهاب على نوعين مختلفين، إما أن يهاب الاختلاف فيتراجع عما بدأ فيه وإما أن يهاب من هو أعلى ثقافة منه.

السبب الرئيسي وراء هذا العداء والانتقاد، ما هو إلا الخوف من هذا الشخص ومن علمه ومعرفته وفكره، وإن هذا التشكيك في شخصه ومعلوماته ما هو إلا هروب من مواجهة يتضح فيها أنه يعرف.

فتراه يخاف مجالسته خوفاً من أن يذكر اسم كاتب أو كتاب أو حدث تاريخي مهم أو معلومة لم يسمع عنها من قبل فتهتز صورته كمثقف أمام أولئك الذين يفترضون منه معرفة كل شيء عن كل شيء لكن وبرأيي أن هذا النوع من الخوف لدى المثقف الحقيقي هو خوف إيجابي يدفعه إلى معرفة المزيد وتنمية وتطوير مخزونه المعرفي إذا فهو عرف كيف يتحكم بهذا الخوف ويوجهه بالطريق الصحيح على عكس من قرر بأن الطريق الوحيد لعلاج هذا الخوف هو محاربة شخص المثقف نفسه.
 

في النهاية أتمنى أن يختفي هذا النوع من الفوبيا في مجتمعي من قبل حتى أن يسجل كبراءة اختراع أو يعترف به الأطباء النفسيون، وأتمنى أن ندعم ونشجع كل شخص محب للعلم والمعرفة وأن لا نعتبرهم سِرباً خارج القطيع وإنما هم من سيغير صبغة القطيع وهم فيه ويعبرون به إلى بر الأمان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.