شعار قسم مدونات

كيف نواجه اختبارات الحياة؟

مدونات، الحياة
 
تقدّم لنا الحياة دروسا مجانية كل يوم، ينبغي فقط أن نكون تلامذة نجباء، نستوعب الدروس جيدا ونستحضرها في سياقات مختلفة وفي اللحظات المناسبة، لكنها بالمقابل تضعنا أمام اختبارات قاسية في الكثير من المرّات، إنّ الحياة متقلبة، لا تستقر على حال، كما هي أحوال الإنسان أيضا، فلا الفرح يدوم ولا الحزن دائم كذلك، إنها سنن الكون المبثوثة في المخلوقات والموجودات، وطبائع الأشياء المتسمة بالتغير بتغير الدهر وتقلبات الزمن، ولذلك فالإنسان الذكي والمتوازن هو الذي يستوعب هذه الحكمة وهذا القانون ويتصرف وفقه ويعيش حياته على هذا الأساس، فالكثير من مآسينا ومشاكلنا نابعة من تصوراتنا الخاطئة حول الحياة وحول ذواتنا، وجهل الإنسان بسّر وجوده في هذا العالم والغاية التي يعيش لأجلها ربما هو السبب الرئيسي لتعاسته وشقاءه.
 

يعتقد الإنسان أنّ الحياة بالضرورة ينبغي أن تكون خالية من الألم ومن المشاكل والمتاعب، ولذلك ينهار عند أوّل مشكل بسيط يعترضه، وعند أوّل فشل صغير يمرّ منه، وربما أثرّ هذا الحدث البسيط والعادي على شخصية الإنسان وعلى حياته المستقبلية، فيصبح الفشل في تجربة بسيطة وجزئية هو فشل كلي ونفسي مدمر يسكن كيان الفرد ويطبع شخصيته بالفشل، والحالُ أنّ الألم، المشاكل، الضائقة المالية، الفشل في الدراسة، المرض، الفشل في اختيار الشريك والحبيب، هي أمور عادية ومن صميم الحياة الإنسانية، ينبغي أن نتقبلها ونتفاعل معها بعقلانية وإيجابية، وربما بسخرية وتفاؤل تراجيدي، ونعرف كيف نتجاوزها في لحظتها، ونفهم الأمور في بعدها النسبي أيضا، فالنجاح كما الفشل، والفعل الأخلاقي من غيره، والصواب من الخطأ، كلها أمور نسبية؛ نسبية المبادئ والمعايير التي اكتسبها المرء من مجتمعه، ويتوقف الحكم عليها على الكثير من الحيثيات والكثير من التفاصيل المركبة والمعقدة.
 

من أجل حياة أكثر توازنا، يجب أن ننظر إليها نظرة واقعية أولا، إذ ينبغي علينا أن نؤمن ونتعلّم منذ البداية أنّ الآفات والمشاكل جزء أساسي من الحياة، وبهذه الطريقة تصبح صدماتنا أقل حدة عندما تواجهنا المشاكل ونسقط في شباكها.

في الكثير من الحالات يعيش الإنسان أزمات ومشاكل متوالية، في العمل، أو في البيت-وهي كما قلنا طبيعية وجزء من الحياة- فيعتقد أنّ القدر يتآمر عليه، أو أنّ لعنة ما سلطت عليه، ويبدأ بتفسير أحواله تفسيرا غير عقلانيا، كالإيمان بالسحر، العين، والشعوذة وغيرها، عوض التفكير في هذه المشاكل بطريقة علمية وعقلانية، فتكون نتائج الإيمان والاعتقاد بهذه الأمور مدمرة نفسيا، جسديا وأسريا أيضا، وتؤثر على شبكة العلاقات الاجتماعية للفرد داخل المجتمع، وكثير من الأسر والعائلات دمرتها ومزقتها الاعتقادات الخرافية حول مشاكلها وانتكاساتها، التي كانت في البداية مجرد أحداث عرضية وعادية ولكنّ الممارسات المترتبة عن تلك الاعتقادات الخرافية جعلت من حياة الكثير من الأسر جحيما يوميا لا يطاق.
 

ولذلك فمن أجل حياة أكثر توازنا، يجب أن ننظر إليها نظرة واقعية أولا، إذ ينبغي علينا أن نؤمن ونتعلّم منذ البداية أنّ الآفات والمشاكل جزء أساسي من الحياة، وبهذه الطريقة تصبح صدماتنا أقل حدة عندما تواجهنا المشاكل ونسقط في شباكها، لأننا محصنون ضدها بمناعة نفسية مسبقا، وهو الأمر الذي يتعلمه الإنسان مع الزمن، فالحياة تصقل الإنسان حتى يصبح أكثر صلابة، وأقوى من أن تحركه تقلبات الدهر وتهزه حوادثه العابرة، وربما نلاحظ الفرق واضحا بين أشخاص يقعون في نفس المشكل أو تواجههم نفس الآفات، ولكن طريقة تعاملهم معها تختلف، فهناك من يتجاوزها بسهولة وإيجابية ويتعلّم الدرس، فيما البعض الآخر تؤثر عليه فتمتد المشاكل إلى جوانب أخرى من حياته، يتعلق الأمر بكيفية التعامل مع الحياة وكيفية استقبال حوادث الدهر وتقلباته، فقد تأتي على الإنسان لحظات من الألم ما لا يطيقه ويتحمله أحد.
 

ولكن العاقل هو من يتجاوز ذلك بسرعة وبحكمة، وبعد ذلك ينسى ويمحو آثار الماضي، فنسيان الأحداث الأليمة التي وقعت في الماضي شرط ضروري لحياة متوازنة، لأن الكثير من الأزمات والمشاكل النفسية هي نتيجة لهواجس واستيهامات غير حقيقية مرتبطة أساسا بتفكير سلبي وبرمجة ثقافية خاطئة، لذلك على الإنسان أن يتخلص من أوهامه ومن أحلامه الطوباوية أيضا ويعيش وفق رؤية واقعية تنزع عن الحياة تلك التفسيرات الوهمية والمتعالية عن حقيقة الأشياء، ومهما سحقتنا طاحونة الحياة علينا أن نواجهها بالأمل، إنّه الشيء الوحيد الذي لا يستطيع أن يسلبه منك أحد، هو الشيء الوحيد الذي يخصنا وفي ملكيتنا كلمّا حرصنا عليه، ولذلك علينا أن نحافظ عليه ونربيه حتى في أحلك الظروف وأمرّها، فلا حياة بدون أمل، ولذلك فقد كان المفكر المغربي الكبير "المهدي المنجرة" يعتبر "أغنية الأمل لأم كلثوم" أغنيته الشخصية، إيمانا منه، بأنّ الأمل ينبغي أن يظل قائما، رغم الألم الذي نعيشه يوميا، وقديما كان العرب "ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.