شعار قسم مدونات

ما عدنا أنفسنا

blogs وجوه ضائعة
في زمننا هذا، أصبح التقليد شعارنا. أضحى جزءا لا يتجزأ من روتيننا اليومي، همنا الوحيد اتباع غيرنا من البشر وتتبع نفس الخطى. حتى لو تطلب الأمر أن نتخلى عن رغباتنا وما تميل إليه أنفسنا، قدسنا رأي الآخرين وفرطنا في معتقداتنا وقناعاتنا الشخصية، خوفا أو هربا من نظرة الشفقة أو الاستهزاء. نلبس أشياء لا تلائمنا ولا تعجبنا بالأساس.

فقط من أجل الموضة أو لإرضاء ذوق الآخرين. نشتري أشياء لا حاجة لنا بها ولن نستعملها، فقط لأن غيرنا اقتناه. نقترض من البنك لنشتري آخر ما في السوق من سيارات، رغم أن حبال الديون ستشنقنا إلا أننا نضحي في سبيل المظاهر، لنظهر للناس أننا نحيا حياة الرفاهية، تستعير الفتاة من صديقتها فستانا، ينسيها فقرها المدقع بضع سويعات. تلبسه بفرحة عارمة لتتباهى به أمام قريناتها في حفل باذخ.

ما عاد الكبير يرحم الصغير، ونادرا ما أصبحت عائلاتنا تجتمع إلا في الأعراس وفي الجنائز. جمعتنا المصالح وقطعنا حبال الحب والمودة.

بعض شبابنا صاروا يقلدون تسريحات الشعر العجيبة والغريبة، متشبهين فناني الروك "تارة و التجاز تارة أخرى، في المقابل هناك فريق من فتياتنا صرن متشابهات، يحملن نفس الملامح، ذات العيون والشفاه… أصبحنا نحمل أنفسنا ما لا طاقة لها به، ولم نعد نرضى بالنعم التي حبانا الله بها.

بعضنا اختار نفس المسار المهني وحتى الدراسي إكراها، لأجل رغبة عائلته وليس رغبته. ولن نسلم  أولياء أمورنا من هاته العبارات أنظر لابن فلان، كن كابن فلان، أريدك أن تصبح مثل ابن الجيران. كأننا خلقنا لنكون غيرنا ما لنكون أنفسنا، نسافر إلى نفس الأماكن نتناول نفس الوجبات.

والجنون أن يتعدى بنا الأمر تقليد طريقة الكلام والمشية وحتى الحركات حتى يصبح مرضا نعاني منه. نفعل هذا كله لأن أبناء فصيلتنا قد فعلوه، أصبحنا كقطيع نتزاحم ونحتشد ونتبع بعضنا البعض حتى في أشياء تافهة.

مجتمعاتنا غرست في عقولنا ومنذ نعومة أظافرنا، فكرة التقليد الأعمى وحتى دولنا تتبنى سياسات غربية لا تلائمنا البتة، فإذا بشعوبنا نسيت الإبداع وصارت خاملة. فأصبح صغيرنا وكبيرنا مهووسا بالتقليد، وإذا فكرنا في اتباع أسلوبنا الخاص، والسير قدما نحو الإبداع والإبتكار الذاتي، لا نجد من يمد لنا حبال النجاة و لا من يشد بأيدينا الضعيفة، ورغم أننا نقلد ونقلد وصرنا طبق الأصل عن غيرنا، إلا أنك إذا سألت أحدهم عن أقصى مناه سيجيبك دون تفكير مسبق أريد أن أكون نفسي القديمة.

يستهوينا التقليد، إلا أنه لا تروقنا فكرة أن الآخرين يكملوننا. طوقتنا الأنانية من كل صوب ولم نعد نستطيع ان نتبجح بذلك فادعينا الكمال، ونسينا أن الكمال صفة من صفات الله تعالى. بدأت أرواحنا تسكن أجسادا غير أجسادنا، وما عادت حياتنا كما هي. طفلنا ما عاد طفلا وشيخنا صار مراهقا، أما شبابنا صاروا كهولا.

الجنون أن يتعدى بنا الأمر تقليد طريقة الكلام والمشية وحتى الحركات حتى يصبح مرضا نعاني منه. نفعل هذا كله لأن أبناء فصيلتنا قد فعلوه، أصبحنا كقطيع نتزاحم ونحتشد.

وبعض من نسائنا ما عدن يشبهن حواء، لم نعد نلقي حتى تحية السلام ولا نحترم الكبار. ما عاد الكبير يرحم الصغير، ونادرا ما أصبحت عائلاتنا تجتمع إلا في الأعراس وفي الجنائز. جمعتنا المصالح وقطعنا حبال الحب والمودة، نترقب بعضنا البعض كالظلال ونسينا أن نعيش دقائق حياتنا المعدودة بقناعة وسلام. ترى ما الذي حل حتى قلب كل شيء رأسا على عقب؟

لكن ماذا لو عاد كل منا إلى ذاته وشخصه، واعتمد كل فرد على إبداعه الخاص، لبس بطريقته وفكر بعقله وأحب بقلبه؟ ما الذي سيحصل لو رضينا بما قسمه الله لنا من قدر، وأحببنا حياتنا البسيطة بكل شغف؟

كم نرتاح وينتابنا الفرح حينما نرى منظر السهول مطرزة بزهور مختلفة الألوان، تبدو في أروع حلة. فهكذا مجتماعتنا أيضا، سيأتي يوم تتفتح فيه براعم، براعم الإبداع المتنوعة، تتحرر دودة ابتكار شبابنا من شرنقتها لتطير كفراشة زاهية ألوانها في سماء الحياة، ذات يوم ربيعي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.