شعار قسم مدونات

بركاتك يا أمن!

blogs - رجال الأمن
تجتر البهائم الشعير فترة من الزمن لكنها في النهاية لا بدّ لها من ابتلاعه وأكل شعير جديد، بينما نجد الأنظمة العربية تجتر شعار الأمن القومي منذ ستين عاماً ولا تزال، حتى بات لدينا قناعة أن بقاء فلسطين محتلة من ضرورات الأمن القومي! هذا الأمن "المبارك" لم يستطع حماية العراق وشعبه وحضارته وثرواته من براثن المدّ الإيراني ولم يمنع الحوثيين من العربدة في اليمن وتجويع أهله وتشريدهم، ووقف عاجزاً أمام مجازر نظام الأسد ومرتزقة الشيعة في سوريا، وسمح لحزب الله السيطرة على لبنان، والأنكى من ذلك كله إعانة وزير الدفاع المصري على اختطاف رئيسه الشرعي وزجّه في السجن وتنصيب نفسه رئيساً بانتخابات هزلية وتبرئة الرئيس الذي ثار عليه الشعب.

بركاتك يا أمن؛ يا من بظلك قُتل ثلاثة ملايين، وهجّر عشرين مليون عراقي وسوري، ونهبت ثروات البلدين ودخل المحتل الإيراني والروسي والأميركي وتغلغلت الميليشيات الشيعية، وكنا نبكي فلسطين قبل إطلالتك البهية فصرنا نلطم على أربع بلدان عربية!

يا أمننا العزيز: لماذا يا ترى تكاثرت المنظمات الإرهابية والجماعات التكفيرية وتجار الدم والحروب وشذّاذ الآفاق وأعلنت خلافة "إسلامية"هلامية بعد اندلاع الثورات العربية؟! أتراهُ الربيع العربي "الوهم" كما يقولون؟ أيعقل أن تكون الثورات العربية مؤامرة كونية يراد منها تفتيت الوطن العربي وتشريد أهله ونهب ثرواته؟ أليس هناك احتمال -ولو بسيط- أن الشعوب سئمت وقرفت واشمأزت الخنوع والذل والتخلف والفقر والظلم والاضطهاد؛ وأرادت تذوّق الكرامة والحرية والتقدّم والرفاهية فثارت على الطغاة؟

أمننا القومي العجيب: أيحقّ لنا أن نسأل من أنت! أم هذا السؤال ماركة مسجلة باسم أصحاب السعادة والسيادة والفخامة والسمو؟

أي أمنٍ هذا الذي يستثمر بلايين الدولارات في أميركا وأوروبا؛ بينما الوطن العربي ما زال يستورد ألبسته الداخلية وقمحه وأقلامه من الخارج؟! أي أمنٍ هذا الذي يجبر العقول العربية على الهجرة من أوطانها إلى مشارق الأرض ومغاربها بحثاً عن أرض خصبة يزرعون فيها بذور إبداعاتهم وأفكارهم؟!

وددنا لو أن دولة عربية واحدة فقط تقف بتباهي وفخر بين الدول المتقدمة وتقول هذا ما يصنعه شعبي العظيم، نحلم بوجود اختراع عربي يقتنيه المواطن الغربي، ألا يحق لنا أن نرى جهازا إلكترونيا واحدا كتب عليه "صنع في بلاد العرب"؟!

نحلم بدولة عربية يخطب ودّها القريب والبعيد وتخشى غضبها الأمم، إذا قالت كان قولها الفصل والحكم وإذا حضرت مجلس الأمن كانت الحيّ وغيرها رمم، أما والله يا عرب قرفنا القمم.. ولدنا وعشنا وسنموت بين فكيّ الأمن القومي وتحرير فلسطين، فكّانِ طحنا إنسانيتنا وحاضرنا ومستقبلنا، فما رأت منهم فلسطين إلا الشجب والتنديد ولا سلِمَ الشعب من أذى أمنهم القومي!

أمننا القومي العجيب: أيحقّ لنا أن نسأل من أنت! أم هذا السؤال ماركة مسجلة باسم أصحاب السعادة والسيادة والفخامة والسمو؟ قد رأينا ما فعلته بنا على مرّ السنين لكن لا نعلم تماماً ما الذي تخبّؤه لنا في قادم الأيام!

حقيقة نحن لا نتوقع منك إلا المزيد من الكوارث والمصائب والنوائب والخسائر؛ فلم تعهد البشرية أن ورما سرطانيا خبيثا في الرأس يجعل صاحبه يتفاءل بعمر مديد وجسد يخلو من الألم ما لم يكن معتوهاً لا يدري ما به وما ينتظره، وما القتل والتدمير والتهجير الذي نراه كل يوم وساعة ودقيقة – وأنت متقوقع على نفسك – إلا دليل دامغ على أنك البلاء القومي الأعظم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.