شعار قسم مدونات

لماذا يهاجمون ابن باديس؟

blogs- بن باديس
سؤال لا يثير في نفسي الاستفهام أو الاستغراب بقدر ما يدعوني إلى التحليل والبحث عن إجابة منطقية، تمكننا من فهم ما يحدث. تعرضت شخصية الإمام المصلح، عبد الحميد ابن باديس الصنهاجي في الجزائر إلى الهجوم أو اللمز، الذي يدعو إلى التشكيك في حركته الإصلاحية أو جهاده العلمي، بعد أن كان ذلك غير ممكن في السنوات السابقة.

فالشيخ ابن باديس شخصية قد حظيت سيرتها بالاحترام في العالم الإسلامي كله نظرا للمسيرة الملحمية التي قاد بها شعبا بأكمله نحو النهضة العلمية والأخلاقية والسياسية، فقد أعاد الشيخ الشعب الجزائري إلى مقومات شخصيته وأركان هويته العروبية الإسلامية أعلنها في قصيدته الشهيرة: شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب/من قال حاد عن أصله أو قال مات فقد كذب.

هو ابن باديس الذي رفع شعار جمعية العلماء المسلمين الجزائريين؛ "الإسلام ديننا، العربية لغتنا، الجزائر وطننا"، هذا الشعار الذي لخص تاريخ أمة في ثلاث كلمات، وأعادها إلى محضنها الطبيعي جغرافيا وتاريخيا، لم يكن الرجل معلما تقليديا يسعى لكسب لقمة العيش من عمله؛ فقد كان من أسرة ذات شرف ويسار بقسنطينة، ولم يكن داعية دينيا أيضا تنحصر دعوته على استمالة القلوب إلى طريق التوبة.

إنه رجل واع بالتاريخ، مدرك لحقيقة اللحظة التاريخية، ويفهم جيدا متى عليه أن يتحرك، وماذا يجب أن يقول، ولمن عليه أن يوجه خطابه.

ولا كان سياسيا محترفا يسعى فقط إلى المنافسة على المقاعد البرلمانية، والصراعات الحزبية، ولا كاتبا يقيم المعارك الفكرية على أعمدة الجرائد، لقد كان الشيخ مزيجا غريبا تحرى أحسن ما في كل هذا… لقد كان قائدا اجتماعيا استطاع أن ينظم مسيرة أمة ويضعها على الطريق الصحيح.

إنه رجل واع بالتاريخ، مدرك لحقيقة اللحظة التاريخية، ويفهم جيدا متى عليه أن يتحرك، وماذا يجب أن يقول، ولمن عليه أن يوجه خطابه، والأسلوب الأمثل الذي ينبغي أن ينتهجه لتحقيق أهداف مرسومة مسبقا وفق خطة واضحة المعالم، يجددها كل مرة بما تقتضيه الظروف المحيطة به.

ليس هذا انطباعا وصلني ولا أثرا حدث نتيجة هالة إعلامية اكتنفته كما يقوله من يهاجمه اليوم ، لكنه نتج عن قراءات استمرت لمدة تزيد عن الثلاثين عاما… وفي كل مرة نقرأ عنه نكتشف فيه جانبا جديدا… وإذا عدت إلى "النقد" الذي يتلبس بالاتهام الموجه لابن باديس فإني لا أجد شيئا يخص استقامته الأخلاقية التي تطعن فيه كعالم بالشريعة أو داعية للإصلاح، ولا أجد حدثا بارزا يطعن في وطنيته بحيث يتهم بالخيانة أو الإذعان لفرنسا الاستعمارية.

كل ما يوجه له من "نقد" لا يعدو أن يكون تلويحا بقضايا باهته لا تنسب لشخصه بل تحوم حوله، فهي تارة تستهدف عائلته وأخرى تستهدف أحد أعضاء الجمعية التي أسسها وترأسها إلى أن مات، وتارة تتوجه لبعض مواقفه دون اعتبار للمقتضيات التي دعت إليها والظروف التي أحاطت بها، فهم دائما لا يقدمون الصورة كاملة، ولكنهم يركزون على قطعة منها فقط…(يتبع)….. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.