شعار قسم مدونات

صراع الجبابرة

مدونات، صراع

تعتبر روسيا والولايات المتحدة الأمريكية من أكبر الدول في القدرات العسكرية التي تمتلكها في الميادين القتالية كافة؛ فالقوة الأمريكية نوع مختلف من القوة المتفوقة عن القوى الأخرى؛ تلك القوة الاقتصادية العلمية السيادية على الارض التّي لا تستطيع أي دولة في العالم أن تقف أمامها أياً كانت. وروسيا قوة عسكرية ذات وزن وشأن تريد أن تضمن لها مقعدا ضمن صفوف الكبار ولدينا هنا دولة أخرى ذات سيادة تستطيع الوقوف في وجه الولايات المتحدة؛ لكن كل من يظن أن الصراع قائم بين أمريكا وروسيا فهو لا يقرأ الأرقام بشكل صحيح ومهما اختلف رأي محللي السياسة فإن ما يحدث جزء لا يتجزأ من كلٍ والكل مضروب في خلاط نظرية المؤامرة.

لم يكن بوتين يخفي نيته باستمرار دعم الأسد وحمايته دبلوماسيا تركيزا منه على دعم حلفائه الرئيسيين لتمديد دائرة نفوذ روسيا خاصة مع تراجع التأثير الغربي في المنطقة.

وما أسخف الذين مازالوا يصورون الصراع في سوريا على أنه بين أمريكا وأتباعها من جهة؛ وروسيا وما يسمى "حلف المقاومة والممانعة" من جهة أخرى؛ صراع بين الشرق والغرب كما لو أننا في ستينات القرن الماضي حيث كانت الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي وأمريكا في أوجها؛ فمنذ مائة عام والعلاقة بينهما في تقلب مستمر، وكل دولة تحاول دائماً أن تسيطر على العالم لكن في السنوات الأخيرة عادت روسيا لتتصدر المشهد من جديد ولتنافس القوة الأولى والوحيدة في العالم أمريكا.

روسيا دفنت رأسها في الرمال وتجاهلت ما تعرضت له سوريا مؤخرا ولم تعترض منظمات الدفاع الصاروخيّة الروسيّة الموجودة في سوريا لصواريخ التوماهوك الأمريكية التي استهدفت قاعدة الشعيرات وبررت ذلك بتعلة أن الرّد على هذه الصواريخ كان من الممكن أن يؤدي إلى نشوب نزاع نووي.في حين أنها سابقا كانت تملئ الدنيا صراخا وعويلا حين أقدمت على نشر قوتها في سوريا بقرار من الرئيس فلاديمير بوتين؛ وكانت مسيرة الخطوة الأولى لمساندة الأسد والحفاظ على بنية النظام خصوصا العسكرية والأمنيّة منها من جهة والتنديد بممارسات الغرب التي أدت دونما شك الى إثارة الثورات وانتشار التوتر في الشرق الأوسط من جهة أخرى؛ وفي حقيقة الأمر لم يكن بوتين يخفي نيته باستمرار دعم الأسد وحمايته دبلوماسيا تركيزا منه على دعم حلفائه الرئيسيين لتمديد دائرة نفوذ روسيا خاصة مع تراجع التأثير الغربي في المنطقة. 

إلا أن الرواية اختلفت هذه المرة وتبين أن التدخل الروسي في سوريا لم يكن قائما على هذا الهدف أساسا بل قام على هدف استخدام الشرق الأوسط كأداة للحصول على مكاسب محتملة ضد الغرب؛و لن يكون ما حدث سبب نزاعات المستقبل بقدر ما هو فيض للتفاهم وهذا يرجع إلى احتشاد القوتين المتصارعتين في ميدان عام مشترك والواقع يؤكد ان هناك صلحا بين الطرفين. فروسيا تمتلك حق التطلع لريادة المنطقة السورية ورغم هوسها باللمعان الخاطف للأبصار وبالنجوميّة التّي قد تشوه المشهد الأمريكي هذه الأيام فهو جزء من اللعبة وهي مهد الشر للتحالف الأمريكي الروسي.

وبما أن إسرائيل هي رجل أمريكا في الشرق الأوسط فربما روسيا لا تريد الاحتكاك حفاظا على هذه الدويلة بل الأمر برمته مرتبط بمصالح إسرائيل في سوريا خصوصاً والمنطقة عموماً، وطبعاً بمصالح أمريكا وروسيا المشتركة؛ كما أنها تضع في اعتبارها رداً قويا من أمريكا وحلفاءها إذا أقدمت على المعركة فمن الصعب التنبؤ بالنتيجة الدقيقة لهذه المرحلة لكن أمريكا سيكون لها اليد العليا في تلك المعركة فبغض النظر عن قوة القوات الروسية فإنها تعول دائما على الرضا الغربي.

دعونا نوّصف الأمر بلغة الناس البسطاء؛ روسيا في مقاييس القوى الدولية لكنها ليست أقوى من أمريكا، هي مجرد دولة إقليمية وليست عظمى وصحيح أن لديها قوة عسكرية وترسانة هائلة، لكن مستقبل السلوك الرّوسي في الشرق الأوسط مرتبط بشكل كبير بالغرب

وقد قامت إيران وروسيا وحزب الله بتقديم سوريا على طبق من ذهب من أجل مخطط جديد في الشرق الأوسط فلا يمكن لروسيا مثلاً أن تدخل الساحة المصرية بهذه القوة لولا المباركة الإسرائيلية وبالتالي الأمريكية، فمصر مازالت في الجيب الأمريكي سياسياً وعسكرياً ولاحظوا أيضاً كيف أن الأردن بات ينسق مع روسيا أكثر مما ينسق مع أمريكا وهذا لم يكن ليحدث لولا الضوء الأخضر الإسرائيلي والأمريكي بحيث تتجه مساعي روسيا لاستعادة حضورها في المنطقة وهي تعي جيداً أنه لن تحل مشكلة في العالم اليوم دون تدخل أمريكا في ذلك وقد تعززت الرؤية باعتبار إسرائيل كالجسر للانتقال بين الدولتين لتكون علاقتهما الثنائية أفضل وأكبر.

افتعال الحروب جزء من هذه الرؤية التّي تتمثل في تدمير الدول العربية لإعادة بناءها فيما بعد بأيد غربيّة وهذا المخطط يتم تنفيذه بالفعل من خلال افتعال الأزمات وإزاحة حكام العرب وإبدالهم بأخرين يسهل السيطرة عليهم ليكونوا الذراع الخفيّة لتجديد مصالحها واهتمامها بالشرق الأوسط وتشكيل الهويّة الأمريكيّة على الاراضي العربيّة.

فبات التفاهم روسي إيراني أمريكي بحتاً على إنهاك الأمم المتورطة فيها وإضعافها وإيقاعها في بحار من دمار ودموع الضحايا لإنشاء احتكارات عالمية ضخمة تدعم ثروتهم وتصوير الأحداث بشكل سيئ والمسارعة لبث رسائل تفيد بضرورة تغيير من على رأس النظام السوري وأن بشار الأسد انتهى وهو الأن خارج الصورة ولربما يلقى نفس مصير القذافي الذي التقطه الثّوار وهو في أحد الجحور فسحلوه سحلا حتى انتهى. 

صحيح أن الرئيس الروسي يحاول استعادة أمجاد الاتحاد السوفياتي البائدة بعقلية وأيديولوجية ومعطيات جديدة، لكنه ليس أبداً في وارد التصادم مع أمريكا في الشرق الأوسط؛ ولا نصدق أيضاً أن الروس يملؤون الفراغ الذي بدأت تتركه أمريكا في المنطقة، كما لو أن الأمريكيين انهزموا أمام الزحف الروسي فهم لا يفكرون بوضع أيّة عمليّة للسلام لاعتقادهم الجازم انه يمكن ان ينتزع حق الملكية منهم؛ والولايات المتحدة الأمريكية قلقة على احتياجاتها الامنية أكثر من بوتين ولكن ثمن ذلك هو إبقاء الروس والايرانيين بعيدين عنهم.

دعونا نوّصف الأمر بلغة الناس البسطاء؛ روسيا في مقاييس القوى الدولية لكنها ليست أقوى من أمريكا، هي مجرد دولة إقليمية وليست عظمى وصحيح أن لديها قوة عسكرية وترسانة هائلة، لكن مستقبل السلوك الرّوسي في الشرق الأوسط مرتبط بشكل كبير بالغرب وان لم يدعمها ستحبط؛ وبالتالي فإن ما تفعله روسيا في سوريا وغيرها لا بد أن يكون برضى أمريكا؛ وعندما لا يرضى الكبير عن الصغير يستطيع أن يوقفه بفركه أذ. ولو لم تكن أفعال روسيا في سوريا تروق للكبير الأمريكي، لما تجرأت أمريكا على افتعال الهجمة الأخيرة. ولو أننا لو أدركنا الحقيقة سنكون أحراراً عقلاءً وسوف نقرأ الأحداث القادمة ونعرف انها مؤامرة تديرها قوى خفية عنا وتحاول ان تقنعنا بان كل شيء يتم بشكل طبيعي فأقرأوا التاريخ لتعرفوا تجليات ما يحدث.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.