شعار قسم مدونات

العقلية العربية بين الشيطنة والتقديس

blogs - أردوغان
لطالما يتبادر إلى ذهني هذا السؤال "لماذا نحن العرب نميل إلى تقديس زعمائنا ومن نظن أنهم حماة الحمى ورجال الوطن، ونميل إلى شيطنة الآخر الذي لا يوافقنا في آرائنا حولهم". أود في هذا المقال أن أستشهد ببعض الزعماء العرب الذين يعتبر المساس بهم جرما قد يتهمك فيه أتباعهم بالخيانة العظمى، وقد تجد نفسك عدوا للوطن، فقط لأنك ذكرت أحد الحقائق التاريخية التي تعتبر نقطة سوداء في تاريخ هذا الزعيم أو ذاك.

من بين هؤلاء الحكام الذين أود الحديث عنهم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين "أسد العرب" كما يسميه محبوه، على الرغم أن صدام كان له العديد من الجوانب المشرقة طيلة فترة حكمه للعراق مثل وقوفه ضد الكيان الصهيوني ونصرته للقضية الفلسطينية وكذا إيقافه للمد الإيراني في المنطقة، إلا أنه ارتكب عدة أخطاء جسيمة ترقى إلى اعتبارها جرائم إنسانية، مثل تسببه في إبادة عشرات الآلاف من الأكراد منهم 5500 مدني في هجوم واحد فقط على مدينة حلبجة الكردية، وكان أغلب الضحايا من الأطفال والنساء. بالإضافة إلى حالات تعذيب لطالما عرف بارتكابها هو وأتباعه ضد كل من يحاول أن يخالفه الرأي، وكل ذلك موثق بالصور والفيديو لمن أراد أن يتثبت من ذلك.

كما أن غزو دولة عربية شقيقة وهي الكويت كان خطأ جسيما، حيث تعدى الجيش العراقي بأوامر مباشرة من صدام حسين على سيادة دولة عربية. ولكن من حسن الحظ أن وقوف بعض الدول العربية والخليجية خاصة بالإضافة إلى المجتمع الدولي إلى جانب الكويت حال دون وقوع الكارثة وتحول منطقة الخليج العربي إلى منطقة صراع دموي كان سيودي بالمنطقة إلى الهاوية.

الديكتاتورية التي يمارسها علينا الحكام لم تأتي سوى لأن ذلك الحاكم يعلم أنه يوجد فينا من يذعن ويقدس له، فعاث في البلاد والعباد فسادا.

حال صدام حسين لا يختلف كثيرا عن حال الزعيم المصري السابق عبد الناصر، والذي كان لا يتوانى أبدا عن تقييد حريه من يعارضه، ووصل الأمر إلى أنه قد تم إعدام العديد من المعارضين له ومن بينهم المفكر الإسلامي الكبير سيد قطب والذي تم إعدامه شنقا في فترة حكم عبد الناصر.

زعيم تاريخي آخر أردت الحديث عنه وهو ابن بلدي الجزائر، والحديث هنا عن الزعيم الراحل هواري بومدين، الذي يضرب الجزائريون به المثل في حب الوطن والدفاع عنه، ولا أحد ينكر ذلك كما أنه لا يمكن إنكار أنه وصل إلى الحكم عن طريق الدبابات وليس الانتخابات، وهذا سنة 1965، فقط بعد ثلاثة سنوات من جلاء قوات الاحتلال الفرنسي من الجزائر. كما عرف عنه الحكم الدكتاتوري للبلاد وقمعه للحريات العامة، وكان أكثر من تضرر جراء هذه السياسات الأمازيغ وهم السكان الأصليون لشمال أفريقيا حيث تم في عهد بومدين طمس جائر للثقافة واللغة الأمازيغية، بالإضافة إلى الخطأ الاقتصادي الكبير الذي قام به عن طريق فرض النظام الاشتراكي الذي أثبتت الأيام بعدها أنه كان فاشلا بكل المقاييس.

آخر مثال أود طرحه هو لشخص أثار الجدل في الوقت الحالي، وهو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي حسبما يبدو أن أغلب العرب يعتبرونه خليفة المسلمين الجديد، بالرغم من أنه لا يتوانى للحظة عن توقيع اتفاقيات تعاون مع الكيان الصهيوني فيما يخدم مصالح بلده. ولما رأيناه يزور روسيا في الأشهر القليلة السابقة استبشرنا خيرا وقلنا أن الجيش الروسي قد أوقف غاراته ضد الشعب السوري الأعزل، لأن أردوغان لطالما كان في خلاف مع الروس بسبب دعمهم المتواصل لبشار الأسد، لكن للأسف لم يكن الأمر كذلك فقد اعتذر الرئيس التركي لروسيا عن إسقاط الطائرة التي كانت تقصف المدنيين في سوريا وأعرب عن استعداده لبناء علاقات جديدة وقوية مع الروس. صحيح أن أردوغان يفعل هذا لمصلحة الشعب التركي لكن لم يكن علينا إعطاءه كل ذلك الزخم الإعلامي الكبير، حتى وصل البعض إلى تشبيهه بالخليفة العثماني محمد الفاتح. 

هذا التعصب الذي نمارسه في حياتنا اليومية والتي نرى فيها فقط الأبيض والأسود، ولا نقبل أن ننتقد فيها من أعجبتنا حسناتهم فنتغاضى عن سيئاتهم بل وننكرها فقط كي لا تسقط تلك الهالة التي رسمناها عمن نعتبرهم حماة الحمى والوطن.
لذلك وجب أن يكون هناك طرح موضوعي يعطي لكل ذي حق حقه وذكر الحقائق التاريخية عن هؤلاء الزعماء، ليحقق الإنسان العربي تصالحه مع ذاته، فالديكتاتورية التي يمارسها علينا الحكام لم تأت سوى لأن ذلك الحاكم يعلم أنه يوجد فينا من يذعن ويقدس له، فعاث في البلاد والعباد فسادا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.