شعار قسم مدونات

لحظة من فضلك.. أمامنا منحدر

blogs - رجل في بوابة
لكل وطن لحظات تاريخية فارقه حينما تمر عليه لا يمكن أبداً أن يعود كما كان قبلها، فقد مر الوقت وقضى أمره، وعلينا أن نتقبل ذلك، هذه هي الحقيقة المرة التي لا يريد بعضُنا أن يعترفوا بها، أو ربما كانت الصدمة شديدة فكان استيعابها صعبا عليهم، ولكن في النهاية هذا هو الواقع.

هذه هي رسالتي للجميع، يا صديقي مؤيدا كنت أو معارضا، إسلاميا كنت أو ليبراليا أو اشتراكيا أو غير مؤدلج، جميعنا أمامنا منحدر واحد، علينا أن نستفيق وإلا سنهبط جميعاً فيه، وسننكوي بناره واحداً تلو الآخر حسب أسبقية الهبوط، المنحدر صنعه عدو مشترك، معلوم للجميع، استغل سوء الخلق العام الذي سيطر علينا ووضعنا في معادلات ثنائية استنزافية استنزفت طاقتنا واغتالت حلمنا وأضلتنا الطريق، فسوء الخلق الثوري من أهم العوامل التي تغذى عليها ذلك المنحدر الملعون حتى اتسع وأصبح يسعنا جميعاً، غنيا وفقيرا، صغيرا وكبيرا، ولن ينجو منه أحد منا، فليس من الخلق الثوري أن نشير بأصابع الخيانة لبعضنا البعض حينما نختلف، وأيضاً ليس من الخلق الثوري أن تدار بيننا المعارك على حزمة من الأفكار لدى كل منا، بينما الخلق الثوري يفرض علينا أن نقوم بعضنا البعض حينما نخطئ، فجميعنا بشر، نخطئ تارة ونصيب الأخرى، ولا يوجد بيننا ملائكة أو أنبياء معصومون من الخطاأ، فنحن من سمعوا نداء الوطن حينما كان الجميع أصم، ونحن أيضاً من تكلم بلسان الوطن حينما كان الجميع أبكم، ودماء جميع الشهداء شاهدة على ذالك، فمن تكون الإيدلوجيات والانتماءات لتصنع من صم بكم لا يسمعون ولا يتكلمون.

إذا لم نتعلم ثقافة الحياة ونبدلها بثقافة الموت التي سيطرت على مجتمعنا وتطبع عليها، ونتعلم معها ثقافة التسامح والاعتذار ونبدلها بثقافة التكبر والتجبر التي أصابتنا والتسامي فوق جروح الماضي ونداويها بأيدينا لن نعيش في وطن عادل.

علينا أن نوقف الصراعات الترابية القائمة، فالمنحدر ليس سياسياً فقط، وإنما هو منفى للجميع، وليس سلطوياً فقط، بل فقدان هوية الوطن، فالأمر لم يعد يحتمل صراعا أكثر من ذلك، فكل منا في جبهته يدفع ثمناً باهظاً، والوطن الذي ضحينا لأجله ذاهب إلى المجهول بقيادة أشخاص يدعون الانتماء له رغماً عنه، ويجرفون عقول البسطاء باَلات نفاقية دجلية تغطي الحق بالباطل، ويخسفون الأرض بكل من يقف أمام تلك الآلات، ويأبى الاتفاق معها، وهذا ليس بجديد، فجميع الأنظمة البوليسية تعادي كل من لديه عقل ويفكر، وكلما زادت نسبة الوعي لدى المحكومين تحت سطوة الأنظمة العسكرية زاد معها عبث وبطش وقمع ترسانات النظام الأمنية.

جميعكم من منصته يقول أنا أرى، والوطن يسأل (متى ستسقط الأنا؟) فإن فات الآوان لن ينفعكم ندم، ولن يبقى لكم وطن، فهل لازلنا نستطيع الحياة جنباً إلى جنب من دون ضغائن وكراهية، لإنقاذ ما تبقى منا من شعب ووطن، وحفاظاً على أجيالنا القادمة وليغفر لنا التاريخ أخطاءنا ويذكرنا بخير أمام أبنائنا، فهذا ليس مستحيلاً إن كان لا يزال بيننا عقولاً ملتزمة بضوابط العقل في إدارة الأمور، وتستطيع تكوين لجنة مصالحة ومصارحة بين أبناء الشعب الواحد تعمل على غرس قيم التعايش وقبول الآخر من جديد بعد أعوام التطاحن النفسي والضغينة ونشر الكراهية، فكل الشعوب التى سبقتنا بتعاطي تلك السموم استفاقت في أسفل المنحدر الذي نذهب إليه اليوم، فلن يستطيع أحدكم إفناء المخالف له مهما بلغت قوته.

حالة السعار والجنون المتبادلة هذه أسقطت الجميع في فخ الشماتة، ومزقت خيوط الوصل والتفاهم، وباعدت المسافة بين مجتمعنا وبين ركب الإنسانية كثيراً حتى تخطت المسافة اتساع المجرة الكونية، فأصبح بيننا من يرى جاره قتيلاً ولم يتحرك له ساكناً لمجرد أنه مختلف معه فكرياً، ويبرر للقتل كاشفاً قبحه دون حياء، وبيننا من قطع رحمه لأنه لا يؤيده الرأي، وجميعكم متغافلين عن تلك الكارثة وكل ما يشغلكم فقط تقديم طرح سياسي جديد يتفق عليه الغالبية، وهذا لن يحدث إلا حينما تتطهر القلوب التي اُصيبت بأمراض الكراهية المستعصية وتلملم بقايا الضمير إن كان لا يزال لديها بقايا، لتتداوى مما أصابها وتتوقف عن شيطنة الآخر تمهيداً لاستحضار روح الأخوة والمحبة، فهذا هو العبور الأعظم من تلك المرحلة السوداء قبل أي طرح سياسي.

إذا لم نتعلم ثقافة الحياة ونبدلها بثقافة الموت التي سيطرت على مجتمعنا وتطبع عليها، ونتعلم معها ثقافة التسامح والاعتذار ونبدلها بثقافة التكبر والتجبر التي أصابتنا والتسامي فوق جروح الماضي ونداويها بأيدينا لن نعيش في وطن عادل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.