شعار قسم مدونات

صدورٌ تُعري العقول.. "إعلان كوتيلار نموذجا"

Actress Marion Cotillard arrives at the premiere of the film "Allied" in London November 21, 2016. REUTERS/Dylan Martinez
لم يكن ظهور الممثلة الفرنسية وعارضة الأزياء، ماريون كوتيلار، الحائزة على جوائز عديدة، أبرزها "الأوسكار" على أعمالها السينمائية ظهورًا عابرا في مشهد إعلاني خلّف جدلا واسعا منذ ظهوره العام 2010 في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وما يزال يحدث ضجة إلى الآن في منطقتنا العربية بعد أن تداولت فيديو الإعلان عدد من الصفحات في مواقع التواصل الاجتماعي.
 

إطلالة الممثلة الفرنسية، لم تكن إطلالة عادية في مشهد دعائي لمنتج تجاري، بل استهلته بمقدمة وجيزة عن التحديات التي واجهتها المرأة الفرنسية لعقود طويلة في المجتمع للحصول على نظرة احترام من قبل الرجال، وربطت ذلك بتواجدها في الولايات المتحدة التي وصفتها بـ "أرض تحقيق الأحلام" في مجال العمل، وعليه وباعتبار بيئة العمل تستوجب احتكاكا بين الرجال والنساء، وفي ظل عجز الرجال عن "غضّ البصر" دون ملامح المرأة وتفاصيل جسدها.
 

جاء منتج شركة "جيناي" عن أثداء صناعية تلصقها المرأة على جبينها، وهكذا تصدّ النساء العاملات، النظرات الذكورية، من خلال شد الأنظار نحو جبين المرأة الذي يحوي صدرا صناعيا. في رسالة واضحة ضد التحرّش الجنسي الذي تتعرض له النساء في بيئة العمل، حيث تخترق جسدها نظرات زملائها الرجال!
 

كيف يصبح الأمر حين تواجه امرأة تشجع التحرّش وتربطه بقطعة قماش تستر ملامح ربما هي مغطاة أصلا، ومع ذلك اخترقتها نظرات الرجال!

لحدّ الآن، يبدو الأمر عاديا جدا، خاصة وأنه خلال السنوات الأخيرة شهدت الأسواق العالمية تدفقا كبيرا للكثير من المنتوجات المشابهة، بهدف الحد من التحرّش الجنسي وحماية النساء، وربما أبرز هذه المنتجات الصدرية الكهربائية في الصين، وجوارب الشعر الزائد في الهند، أو الساعة الذكية التي تتصل بأقرب مركز شرطة وأهل الضحية في الهند أيضا!
 

ويبقى الهدف حميدا وجيّدا لمثل هذه المنتجات، للحد من ظاهرة سلبية تغزو مختلف المجتمعات، وتهدد كل النساء المحجبات منهنّ وغير المحجبات؛ فمعدلات "التحرّش" ليست بالقليلة في الدول المسلمة عن غيرها من الدول. الأمر أصبح غير عادي، حين قررتُ مشاركة فيديو الإعلان على صفحتي الخاصة في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، حينها تفاجأت بردود أفعال النساء قبل الرجال من مضمون الإعلان ومبدأ "التحرّش"، والذي قالت معظمهنّ إنه يجدر "التستر" للحد منه، ومنع الرجال للنظر لتفاصيل جسد المرأة!

الغريب في الأمر أنه يصعب عليك أن تشرح حجم الاستياء الكبير والتقزز الذي تشعر به المرأة عند تعرضها لشتى أنواع التحرّش، لكن كيف يصبح الأمر حين تواجه امرأة تشجع التحرّش وتربطه بقطعة قماش تستر ملامح ربما هي مغطاة أصلا، ومع ذلك اخترقتها نظرات الرجال! ردود الفعل التي لاقاها الفيديو الذي نشرته لفترة مؤقتة على صفحتي لرصد الآراء، كانت لافتة للانتباه عن نظرتنا كعرب ومسلمين لظاهرة "التحرّش"، والتي يتم إنكار وجودها في مجتمعات عربية تسود فيها "الفضيلة"! حيث رأت بعض الأخوات أن هذا الاعلان موّجه للمجتمعات الغربية التي تنتشر فيها "الرذيلة" و"العلاقات غير الشرعية"، في "مجتمعات فاسدة"!
 

وهنا تبدو النزعة المتجذرة لدى العرب فيما يتعلق بـ "نحن" و"الآخر" و"الغرب" و"الكفار"، كلما طرح أي موضوع للنقاش يفرغ من محتواه الإنساني، الاجتماعي والأخلاقي، ويسقط في جدل من أفضل من من؟، ومن هو المُتديّن؟ ومن هو المنحلّ؟ في مقارنة بمقاييس فاشلة بين الغرب والعرب! وختام زوبعة ردود الأفعال التي تلقيتها كان ردا لأحد زملائي في العمل، والذي وجه لي أسئلة تتعلق بالتزامي بلباس شرعي، والضوابط الشرعية المتعلقة بالاختلاط في بيئة العمل لتفادي التحرّش الذي انتقدته!

 

وهكذا فبين نساء مؤيدات للتحرّش الذي في نظرهنّ مرتبط بمظهر المرأة الخارجي ولباسها المكشوف -متناسيات معدلات التحرّش في بلداننا العربية التي تتعرض لها المحجبات وحتى المنقبات-، وبين آراء رجال يبررون "التحرّش" في بيئة العمل "المختلطة".. كان إعلان "ماريون كوتيلار" الذي كشف المستور تحت عقولنا العربية!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.