شعار قسم مدونات

حاولوا أن تصوملوا سياساتكم..

Civilians celebrate the election of President Mohamed Abdullahi Mohamed in the streets of Somalia's capital Mogadishu, February 9, 2017. REUTERS/Feisal Omar

بدأت الاحتفالات في مقر الانتخابات عندما قرر الرئيس السابق حسن شيخ محمود التنازل قبل الجولة الثالثة لمصلحة منافسه محمد عبد الله فرماجو، بل لمصلحة الشعب، ضجت مقديشو في تلك الليلة بكل شعور يعبّر عن الحب للوطن، وتعالت أصوات الرصاص، وهدير الأسلحة الثقيلة، لا تخافوا على مقديشو بعد الآن، إنها تعرف متى تبكي على دوي الرصاص، ومتى ترقص على نغمه، إنهم فقط لم يعرفوا لغة الفرح، لقد حولوا الحزن إلى فرح، تماما مثل الفنّان الأمريكي Vincent Castiglia الذي رسم لوحاته بدمه.

الجميل في هذه الاحتفالية أنها جمعت بين جميع الأضاد، كان الماء يراقص النار بشغف، وكانت جميع أطياف الشعب على درجة متكافئة من البهجة والسرور، لا سيّما الشريحة الشابة في المجتمع، الشريحة التي لم تر في حياتها زعيما روحيا للبلاد، الشريحة التي لم تر الصومال إلا على أتعس حالاتها، الشريحة التي لم تر في حياتها سياسيا يتحدث بقلبه المكلوم، أقول لكم لقد كان ذلك حدثا جمع شتات الصوماليين.
 

أتفهم أن آمال الشعب الصومالي تراكمت حتى لا يمكن لرجل مهما أتاه الله من قوة وحكمة وحنكة ومعرفة أن يحققها، فمن سيكون المعين بعد الله لهذا الرجل "فرماجو"؟!

جالكعيو المدينة التي شطرت نفسها نصفين على خلفية قبلية، وأتعبت جميع السياسيين والمسؤولين في إيجاد حل لها، وأفشلت كل الجهود لإطفاء نيران الحرب، كانت هي أكثر المدن توهجا وفرحا، لم تنتظر رئيسها كي يقول لها اتحدي، لقد اتحدت على فرحه وكسرت حاجز لا يعبر عن الوطن، لقد كانت مشكلة داخلية أكثر من كونها مشكلة حدود وحواجز، المشكلة هي ماذا يشعر أصحاب هذه الضفة تجاه إخوانهم في الضفة الأخرى، لقد شعروا بالحب، كيف لك أن تقول غير ذلك، كيف يمكن لهؤلاء الشباب أن يرقصوا معا على صوت واحد، وعلى نغم واحد، وفي مكان واحد، إنه الحب الدفين الذي أثاره فوز فرماجوا، وقبل أن يصدر أي قرار كان قرارهم واضحا..

لم أكن مستاء من الإعلام العربي الذي تناول الصومال مثالا للدمار والانحدار، كان ذلك أمرا واقعا، كنا وبدافع الفضول الإنساني نتطلع إلى الحفر عميقا، ظننا أن شيئا ما في الأعماق بعيدا عن أنظار الجميع، ظننا أن هناك كنز يجب أن نكتشفه، وعندما وصلنا إلى القعر، لم نجد سوى البؤس يا أصدقائنا، وجدنا المكان قاتما موحشا وعرا، وقررنا وبشكل جماعي أن نعيد أدراجنا، وبدافع الحب سنخبر كل من نقابله في عودتنا بأن الطريق إلى القاع مسدودة، سنخبر الجميع بذلك، أظن أن وقوف الرئيس السابق بجانب فرماجو مشبكا يده في يده، مع ابتسامة كادت أن تشق شدقيه كافية لتخبر الأشقاء بأن الحفر عميقا جهد ضائع..
 

لقد قرر البرلمان الصومالي أن يقف حيث وقف شعبه، حيث الثكالى والأرامل، حيث أبنائهم العائمين في بحر الأبيض المتوسط، الضاربين صحراء إفريقيا الكبرى، السالكين دروب أوروبا الممتلئة بالثلج، كيف لنفس صحراوية الطباع أن يكون الثلج رديفها في الحياة؟!
 

سؤال أتمنى أن يكون جواب رئيسنا الجديد كافيا شافيا تجاهه، وأتفهم أن آمال الشعب تراكمت حتى لا يمكن لرجل مهما أتاه الله من قوة وحكمة وحنكة ومعرفة أن يحققها، فمن سيكون المعين بعد الله لهذا الرجل، الوقت ضيق، واللائحة طويلة، والتحديات كثيرة، والموارد شحيحة، لكنه يحظى بشيء لم يحظ به رئيس قبله، لقد حظي فرماجو بقلوب الصوماليين، قلوب كل القبائل، وهذا هو رأس ماله الحقيقي.
 

أرجو أن يقدر الرئيس ذلك، وأرجو أن يساهم الشعب كله في بناء الوطن، وأرجو أن يدرك كل من يكنّ للصومال حبا أنه قد آن الأوان لأن يضع يده في يد الرئيس الصومالي الذي نحسب فيه النخوة الكافية لكي لا يخون شعبه، وأرجو ويرجوا معي شعب أثخنت فيه ليالي امرئ القيس الحالكة، أن ينجلي صباحها عما قريب.. صباح الخير أيها العالم، حاولوا أن تصوملوا سياساتكم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.