شعار قسم مدونات

كلمة السر "سلاح المقاومة"

blogs - القسام

في أحد المرات وقف الغراب في أعلى الشجرة وبفمه قطعة من اللحم، فمر به الثعلب وكان قد أعياه الجوع، إلا أن جوعه لم يحرمه الحيلة والتفكير كيف يحصل على تلك القطعة التي بفم الغراب؟ ظل الثعلبُ يحوم حول الشجرة ذهاباً وإياباً كيف يحصل على قطعة اللحم؟ يرى الثعلبُ أن المهمة شبه مستحيلة، فالغرابُ في المقابلِ طائرٌ ذكيٌ بما يكفي ليكشف أي حيلة يُفكر فيها الثعلب، إلا أنه رأى أن الأمر يستحق المحاولة فلن يخسر شيء، فإن نجحت الحيلة كانت قطعة اللحم من نصيبه.

 

قال الثعلبُ للغراب إنني مشتاقٌ للرقص أيها الغراب، هز الغرابُ رأسه باستغراب! بمعنى وما علاقتي أنا بالموضوع؟ أجاب الثعلب ولكن المعضلة أني لا أجد من يُغني لكي أرقص، هز الغرابُ برأسه أنه لا مشكلة أن يُغني هو والثعلب يرقص، رأى الغرابُ أن الأمر طبيعياً وليس فيه ما يُثير الشك والريبة، فدائماً ما عُرف بين سكان الغابة عن مكر الثعلب، ظن الغرابُ أن الأمر من باب المرح وليس من باب الحيلة وهو الذي عرف الثعلب طيلة عمره ماكراً حتى وإن كان يلعب. أجزم أن القارئ عرف ما هي النتيجة، غنى الغراب فسقطت قطعة اللحم من فمه فلتقطها الثعلب وذهب، ظل الغراب يغني يميل رأسه يمنة ويسرة بينما كان الثعلب قد مضى وبفمه قطعة اللحم.

هكذا رأت الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية في إعادة المحاولة في المصالحة الفلسطينية، طلبت إسرائيل من الاستخبارات المصرية أن تستدعي الأطراف الفلسطينية لتكمل مشوار المصالحة الذي تعثر مراراً أمام جملة من المطالب التي رأت حماس أنها تمس مشروع التحرير ومستقبل الدولة الفلسطينية، ورأت السلطة الفلسطينية أن عدم تحقيقها يلغي مسمى السلطة ويترك الدفاع عن القضية الفلسطينية حصراً على حماس، فالأخيرة هي من تمسكت بحق المقاومة المسلحة، وهي ذاتها قطعة اللحم التي تريد إسرائيل من حماس أن تُسقطها فتُسحق حماس على إثرها وهي المصنفة من أطرافٍ عدةٍ كحركة إرهابية.

قُبيل الدعوة للمصالحة سبق وهيأت إسرائيل ظروفا معينة من شأنها إرغام حماس على القبول بالمصالحة، فأعدت جملة من أوراق الضغط عبر السلطة الفلسطينية ومصر ومجموعة من الدول العربية التي بات يعجبها دفئ العباءة الإسرائيلية، كان من ضمنها تشديد الحصار الجوي والبحري والبري من قبل الكيان الصهيوني، إقفال معبر رفح وتدمير أنفاق المقاومة وغمرها بالماء على الحدود مع سيناء من قبل مصر، سحب حكومة الحمد لله وتوقيف الرواتب وقطع التيار الكهربائي واعتقال كوادر حماس في الضفة من قبل السلطة الفلسطينية، إعلان حركة حماس كمنظمة إرهابية من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر. كل ذلك رأت إسرائيل أنه فرصة سانحة لإجبار حماس على المصالحة، وهي التي لم ترفض المصالحة يوماً قط وإنما إجبارها عن التخلي عن سلاح المقاومة هو من يجعلها ترفض.

حين رأت إسرائيل أن قطعة اللحم لن تسقط من فم حماس وأن المصالحة لو استمرت من دون تنازل حماس عن سلاح المقاومة فمن شأنه تعزيز قوة حماس، أعلمت إسرائيل ترمب رفضها للمصالحة
حين رأت إسرائيل أن قطعة اللحم لن تسقط من فم حماس وأن المصالحة لو استمرت من دون تنازل حماس عن سلاح المقاومة فمن شأنه تعزيز قوة حماس، أعلمت إسرائيل ترمب رفضها للمصالحة
 

وافقت حماس على المصالحة وذهب كلا الطرفين إلى مصر لتوقيع بنود ضمان المصالحة كبادرة حسن نية، عادة حكومة الحمد لله إلى غزة وتسلمت مهامها الإدارية، فُتح معبر رفح ليومين ثم أُغلق، لم يعُد الموظفين الغزاويين الذين فصلتهم السلطة إلى وظائفهم، لم تُسلم الرواتب ولم يحدث أي شيء مما اُتفق عليه في المرحلة الأولى.

تغاضت حماس عن كل ذلك، قال الناطق باسم السلطة يجب أن نُقدم التنازلات حتى تنجح المصالحة، ذهبت حماس مرة أخرى نحو ما تبقى من بنود المصالحة، ومن بين ذلك قطعة اللحم التي تعض عليها حماس بالنواجذ، أمضى ممثلون عن 13 فصيلاً، أكثر من 20 ساعة يومي الثلاثاء والأربعاء يتحاورون في مقر الاستخبارات العامة المصرية بالقاهرة، قبل أن يصدروا بياناً من أربع صفحات، وصفه كثيرون بأنه "باهت" و "غامض". عادت الأطراف خائبة الأمل وخاب أمل مليون مواطن في قطاع غزة.

ما الذي حدث؟

حماس لم تُغني للثعلب، وقطعة اللحم لا يبدو أنها ستسقط، حين رأت إسرائيل أن قطعة اللحم لن تسقط وأن المصالحة لو استمرت من دون تنازل حماس عن سلاح المقاومة فإن ذلك من شأنه تعزيز قوة حماس، أعلمت إسرائيل دونالد ترمب رفضها للمصالحة، بعث ترمب زوج ابنته إيفانكا إلى السعودية، استدعت السعودية محمود عباس بشكل عاجل، عاد الرجل غاضباً إلى الضفة وانتهت المصالحة، وبقية قطعة اللحم بفم الغراب، على أمل أن يجد الثعلب حيلة أخرى ليسقطها من فمه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.