مهما بدت هذه الاختلافات بسيطة وسطحية وعابرة، ورغم ما يظهر لنا أحيانا من اندماج وتأقلم الجيل القديم مع التطور التكنولوجي والصناعي الكبير الحاصل، واستسلام معظمهم للنمط الاستهلاكي الذي فرضته الرأسمالية العالمية، إلا أن مبادئهم وأفكارهم الأكثر عمقا لم ولن تتغير. تلك الأفكار المرتبطة بالرقم واحد، بالحقيقة الواحدة المطلقة، والرأي الواحد الصحيح، والنظرة السوية الوحيدة، والحل الوحيد المتفرد للمشاكل، فمن الصعب إقناعهم اليوم بأننا يمكن أن نختلف كثيرا ونكون كلنا على حق، وأن نتفق كلنا ونكون كلنا على خطأ، أننا قد نكون محقين ومخطئين في نفس الوقت، محقين جزئيا ومخطئين في الجزء الآخر، وأن هذا الاختلاف ناتج عن تغير الزمان والمكان وتعدد وجهات النظر.
من الصعب أن تقنع آباك بوجود طريقة أخرى مناسبة لتحقيق شيء ما، غير الطريقة التي رسمها هو في عقله، من الصعب أن تقنعه أن بعض الأفكار لم تعد صالحة، وأن مقاومة التغيير والتطور الحاصل ستحكم علينا بالفناء، كيف أقنعه أن الكثير من الأشياء التي يراها هو من الكماليات، هي بالنسبة لي ولجيلنا عصب الحياة، وأكسجينها الذي لا يمكنني العيش من دونه، كيف؟ كيف أقنعه أن سبب الفجوة التي تكبر بين أفراد المجتمع الواحد والبيت الواحد ليس لها سبب غير اعتقاد الجميع بأنه هو وحده على حق، وأن كل فكرة غير ذلك هي فكرة باطلة فاسدة لا تصلح وأنها سبب للشر والفساد.
كيف لي أن أقنع كل من حولي أن الشيء الوحيد المطلق في العالم، في كل زمان ومكان، وكل حالة وظرف، هو الله سبحانه وتعالى، وقدرته ورحمته وكرمه وعدله سبحانه، وأنه علينا ألا ننافس الله في صفاته ولو سهوا، فهو وحده الأول والآخر والظاهر والباطن، و الحي القيوم الذي لا يموت. و كل ما دون ذلك آراء وأفكار بشرية نأخذ منها ونرد عدا كلام المصطفى عليه الصلاة والسلام، وأنه يمكننا -أقسم بالله يمكننا- أن نختلف دون أن نتخالف، وأن نتعايش ونتوسط في كل أمورنا لتبدأ عجلتنا بالدوران، عجلتنا التي أوقفها تعصبنا لمدة طويلة، تعصبنا الذي أوصلنا لما نحن عليه من ضعف ووهن وفرقة، تعصبنا الذي أعادنا لعصر ما قبل النسبية، بل إلى حقبة الأرض المربعة والمسطحة.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.