شعار قسم مدونات

نكتب لكي يبقى..

blogs - write
لماذا أكتب؟ وما الذي يدفعني للقلم كلما أبتعدت عنه مع أنني لست كاتبا بالمعنى المتعارف عليه؟ كتبت عشرات المقالات والأبحاث وكتبت شيئا من مذكراتي، ولكني لا أعد نفسي كاتبا ولا متخصصا في الكتابة، حيث إنني لا أكتب بشكل دوري، ولا أكتب لثمن الكتابة إن كان هنالك ثمن، فالذي أعرفه أنك تدفع ثمنا باهظا للقلم إن كان حقاً قلم.

إذا لماذا ما زلت أكتب، وعندما كتبت كلماتي الأولى المنشورة في صحيفة حكومية في بلادي دفعت ثمنها بأن أستقيل من عملي كمحام في أكبر شركة محاماة في عالمنا العربي.. ببساطة لأنني رفضت أن يراقب أحد كلماتي من قبل هذه الشركة حيث طلبوا الاطلاع على ما أكتب قبل النشر فرفضت ذلك لأنه تقييد على حرية التعبير.

لماذا أكتب؟ وعندما أستمررت في الكتابة خسرت الكثير ممن أعرفهم والعديد من المصالح الخاصة، وقوبلت حروفي بعصا السجن ومعها كانت جزرة كاتب البلاط أو الكاتب المسقوف فتفتح لك مسارات المال والأعمال والقنوات.. لماذا أكتب وقد حرمت بسبب قلمي من وطني وأرضي فأصبحت في المنفى أبحث عن قلمي في الطرقات وفي وجه الغرباء؟

حتى أني سألت الطير الغريب أين قلمي فلم يجب وسألني من أنت؟!

الحقيقة أنني لا أكتب في معظم الأحيان، بل يكتبني الضمير فأتبع أصواتا خفية في الأزقة القديمة وفي مدن الظلام.

فعندما تسمع أنين المسحوقين ولا تكتب فلماذا تكتب إذا؟ وعندما ترى كثرة كهنة السلاطين بمختلف أنواعهم يلوثون الحياة بأكاذيبهم فلماذا لا تكتب؟ وعندما ترى المظلوم ملقى في زنزانته يرفث في غرف الظلم والظالم يمدح على المنابر وفي الأسواق لماذا لا تكتب؟

أنا أكتب لكي أتنفس، وأكتب لكي أحمي ضميري من أن يغتال، وهو يكتب حتى لو علم أن في كلماتي اغتيال

وعندما ترى أوطاننا تتساقط كتساقط الحجارة لماذا لا تكتب؟ وعندما ترى المناضل الأبي وجهه مغطى بتراب قبر والدته ثم يساق من جديد إلى معتقله، وترى الكثير من المجتمع الذي يدعي الحرص على الفضيلة والحق يقدس الظالم فلماذا لا تكتب؟

عندما تسمع أنين العجوز بحثاً عن ولدها المناضل ثم تموت ولم تره بجواره لماذا لا تكتب؟

عندما تكون المحاكم قاعات للظلم فتصبح المرافعات في الإعلام هي السبيل الوحيد للوعي والحق والعدالة فلماذا لا تكتب؟ والمرافعة الكبرى يوم العرض حيث لا أحد ينفع أو يضر، والعدل المطلق متحقق، وحتى في هذه الدنيا "لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله لك".

لماذا لا تكتب والدول العربية تضج بالظلم و"نخبه" تضج بتقديس الظالمين؟ لماذا لا تكتب وهم يصفقون على جوانب الطرق لنحر العدل؟

أنا أكتب لكي أتنفس، وأكتب لكي أحمي ضميري من أن يغتال، وهو يكتب حتى لو علم أن في كلماتي اغتيال.

نكتب لكي يبقى الأمل في عالمنا العربي وفي الربيع.. الربيع العربي لم يمت بل ماتت ضمائرهم.

لذا يارفاق الحرية والعدالة من جنوب الأرض إلى شمالها، اكتبوا للحق والعدالة وللحرية حتى لو كان ثمن القلم دماء مضجرة لكاتبه.

نكتب لكي يبقى الأمل.

وسننتصر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.