شعار قسم مدونات

هل ندمت "إسرائيل" على اغتيال الطيار التونسي والقائد القسامي؟

blogs- الزواري

"من محمد ضيف زعيم كتائب الشهيد عز الدين القسام، إلى محمد الزواري ابن (ميلود بن نومة) شهيد تونس بأرض السلام سلام الله من الجد إلى الحفيد ..ومن غرف القيادة إلى أبراج الرصد والسيادة: لقد وصلت إشارتكم أيها العربيُّ الأصيل، فلتُقلعْ بأمان، تحفُّك نوارسُ الشهداء، وتزفُّك حواري القدس إلى السماء..".
 

لم يكن يعلم العشرات الحُزاني من المشيِّعين التونسيين أنهم يحملون على أكتافهم قائداً قسامياً من طرازٍ غيرِ مألوف، بأن يكون هذا الجسد الممددَ أحد المشرفين الأوائل على صناعة طائرات الأبابيل القسامية، تلك الطائرات التي جعلت الفلسطينيين – لأول مرة منذ 70 سنة – يشعرون بالفخر لامتلاكهم طائرة قتالية مصنَّعة بأموالٍ وعقول عربية إسلامية خالصة.. ليكون الزواري بذلك أحدَ أهم مهندسي الطيران على مرِّ تاريخ القضية.
 

إن إسرائيل بتلك الحماقة " اغتيال الزواري" أعادت للقضية الفلسطينية عمقها العربي، وقدّمت لها دورَها على المسرح العربي والإسلامي بعد غيابٍ فعلي دام أكثر من عقدين.

لم تزل أيدي الموساد المرتعشة تغتال الخيّرين من أبناء الأمة ضاربةً بعرض الحائط كل المعاهدات الدولية، والأخلاقيات السماوية، في محاولة منها لعزل نشاطات المقاومة الفلسطينية دوليا وشعبيا، لإخراج دولتهم -بعد كل ضربة- أكثر شرعية وطهارة، فيما نظهر نحن ملطخين بمسميات الإرهاب والتطرف.
 

هذه الحادثة لم تكن أول البداية، فقبل ثلاثة عقود اغتالت عناصر الموساد رؤوس الثورة الفلسطينية، بدءً بالقائد الثوري سعد صايل، في جنوب لبنان ثم باغتيال المفكر الأمني والعسكري للثورة أبو إياد خلف بقرطاج تونس، وصولاً إلى مالطا باغتيال د.فتحي الشقاقي زعيم حركة الجهاد الإسلامي، ثم انتهاءً باغتيال المبحوح والنايف بدبي وأوكرانيا، واختطاف المهندس ضرار السيسي.
 

أن تندم "إسرائيل" على أفعال ورّطت نفسها بها؛ فهذا أمر متكرر بشكل ممل، وكثيرا ما توقع نفسها في شَرَك التهوُّر، ذلك الشرَك الذي نصبه أجدادهم الأوائل مخالَفةً لأمر ربهم، بغيةَ اصطياد الحيتان يوم سَبتهم! ولكن.. هل ندمت إسرائيل فعلا باغتيال طيار فلسطين؟
 

– إن الظروف الأمنية والجيوسياسية بمرور الزمن أضافت للعقلية الفلسطينية المقاومة ميزة نوعية بتوارثها السريع للمعلومة والمهارة العسكرية، وإن محمد الزواري الذي ظلَّ يخدم في كتائب القسام مدةَ عشر سنواتٍ يكونُ في مقتضى هذه المدَّة قد أوصلَ ما يكفي من الخبرات والفنِّيات العسكرية في مجال الطيران على صعيده الشخصي -بأقل تقدير- ما يجعلنا أن نقضي بتأخر العدو الصهيوني في اغتياله، كما وأن خدمته لمدة عقدٍ كامل في صفوف كتائب القسام دون كشف نشاطه، يعدُّ فشلاً واضحاً في فعالية جهاز الموساد وأذرعه العاملة!
 

– وإن إسرائيل بتلك الحماقة أعادت للقضية الفلسطينية عمقها العربي، وقدّمت لها دورَها على المسرح العربي والإسلامي بعد غيابٍ فعلي دام أكثر من عقدين، ما سيثخنها لاحقا بالتبعات الدبلوماسية وانحسار حاضنتها الشعبية "لو أتقنت المؤسسات والتجمعات الشعبية والدوائر السياسية الداعمة للقضية الفلسطينية استثمار هذه الحادثة في حشد العقول، وتغليب الرواية الفلسطينية على الرواية الصهيونية المزيَّفة على المستوى الإقليمي والدولي".
 

– إن دماء طيار- فلسطين فتحت الباب على مصراعيه لمن ينوي البذل للقضية الفلسطينية من أصحاب العقول والأموال والكفاءات التي تحمل همَّاً قومياً ودينياً تجاه القضية.

رحم الله طيار فلسطين، فلقد كان ذكيا حيث لم تصرفْه التجاذبات السياسية المغلفة بالحقد الطائفي، ولا الرايات المنمَّقة عن البوصلة الحقيقية للأمة العربية والإسلامية.

– وإن هذا الاغتيال، قد فتح على الصهاينة باباً جديداً من المواجهة قد يعود بهم إلى ذاكرة (أيلول الأسود) عام 1990م حينما نقلَ رجالُ الثورة الفلسطينية محاور القتال إلى الساحات الخارجية، وكان من ضمن عملياتهم أنْ طاردوا الصهاينة في مطارات ميونخ وأمستردام واختطفوا ثلاث طائرات اسرائيلية، وأجبروها على الهبوط في مناطق نائية شرق الأردن وأطراف القاهرة!

– إن هذا البابَ الجديدَ من المواجهة مع العدو الصهيوني، قد يكون أقل ضجيجاً؛ لكنه أكثر إيلاما، ولعلَّ صمت المقاومة الفلسطينية على تصفية قاداتها في الخارج لن يدوم طويلا..
 

إننا وبعد استشهاد هذا البطل، نستطيع أن نلمح شكلاً جديداً في المواجهات المحتملة، فبوادر تفعيل الساحات الخارجية بات إلى حد كبيرٍ ممكناً، وفتيل انتفاضة القدس ما زال متوهجاً قد ينشب عند أقرب احتكاك. وبذلك ستكون المعركة القادمة ذات جبهات متعددة "لأول مرة": تخوم غزة، مناطق C بالضفة الغربية، أراضي 48، والساحات الخارجية؛ مما يضيِّق الخناق على عدونا الصهيوني الذي لم يعتد مقارعة الجبهات في آن واحد.
 

رحم الله طيار فلسطين، فلقد كان ذكيا حيث لم تصرفْه التجاذبات السياسية المغلفة بالحقد الطائفي، ولا الرايات المنمَّقة عن البوصلة الحقيقية للأمة العربية والإسلامية. في وداع محمد لتعلُ المآذن، وتُقرع الأجراس وتُسدل أثواب الحداد على مدينة السلام..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.