شعار قسم مدونات

تنظيم براميل البارود وعلاقته بحرائق فلسطين

A general view showing flames rising from a fire in Nataf near Jerusalem, Israel, 25 November 2016. A string of wildfires raged on in areas of central and northern Israel on 25 November forcing hundreds more people to evacuate their homes, Israeli police said.
ممّا يُتداول عن ديفيد بن غوريون عبارته: "نجاحنا لا يعتمد على ذكائنا بقدر ما يعتمد على جهل وغباء الطرف الآخر"، وأحياناً قد يأتي الجهل في صورة حماس عاطفي يغلق العقل عن التفكير.

في قصة الحرائق التي اجتاحت الأراضي الفلسطينية المحتلّة لابدّ من الوقوف مع نقطة اشتعال تلك الحرائق وهي حرائش بلدة أبو غوش، هذه البلدة التي كانت على موعد متجدد مع حوادث إحراق متعمّد وتخريب ممتلكات للفلسطينيين في البلدة خلال الخمس سنوات الماضية من قبل مجهولين كما تسمّيهم وحدة "إليمار" الوحدة المركزية الإسرائيلية لشعبة مكافحة الجرائم القومية، بالرغم من أعمال الإحراق والتخريب المتكررة التي اُستهدفت بها بلدة أبو غوش والتي كانت دائماً تحمل توقيعاً بالطلاء الأسود في مسرح الجريمة بعبارات بالعبرية تطالب الفلسطينيين بالرحيل عن فلسطين، وهذه البصمة لصيقة بإحدى العصابات الإسرائيلية الإرهابية لكنّ "إليمار" تفضّل تسميتهم بالمجهولين.

تنظيم تدفيع الثمن "تاغ محير" بهيكلته السريّة يعتقد بكفر دولة إسرائيل الحالية، ولا ينصاع إلى قوانينها وفقاً للعقيدة التي يحملها ولا يستجيب إلى حاخاماتها.

بلدة أبوغوش وفقاً لتصريحات العديد من المسؤولين الإسرائيلين وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو تشكّل نموذجاً للتعايش الحضاري بين الديانات الثلاث الإسلام والمسيحية واليهودية، وفي عام 2014 افتتحت بلدة أبوغوش أكبر مسجد للمسلمين داخل ما يُعرف بإسرائيل وهو أكبر مسجد في القدس بعد المسجد الأقصى المبارك، ومن هنا ارتفعت وتيرة الممارسات الإجرامية في بلدة أبوغوش من قبل تنظيم "تدفيع الثمن" المجهولين كما تدّعي السلطات الإسرائيلية، وهذا التنظيم الذي أحرق رضيع عائلة الدوابشة في عام 2015 يؤمن بقدسية عقاب الحريق لمن يقف في وجه إقامة دولة اليهود التوراتية.

تنظيم تدفيع الثمن "تاغ محير" بهيكلته السريّة يعتقد بكفر دولة إسرائيل الحالية، ولا ينصاع إلى قوانينها وفقاً للعقيدة التي يحملها ولا يستجيب إلى حاخاماتها، بل يعتقد هذا التنظيم بأنّ دولة إسرائيل دولة (علمانية) تستوجب الثورة عليها بأمر الربّ الذي أوحى إلى قادة التنظيم بالتمرّد على دولة إسرائيل، الغالبية العظمى من المنتمين إلى هذا التنظيم ينحدرون من المستوطنات والمدارس الدينية في فلسطين المحتلّة وتتراوح أعمارهم ما بين 13-25 عاماً، يُقدّر عدد المنتمين إلى هذا التنظيم الذي انطلق في عام 2008 بما يزيد عن ستة ألاف بحلول عام 2015، يتخذ التنظيم من كتاب "نظرية الملك المقدّس لديهم قاعدة لمخططاتهم ويُعدّ مرجعيتهم الآلهية، حيث يحثّ الكتاب على ضرورة إحراق المساجد والكنائس والمنازل والأراضي بمن فيها باعتبارها الطريقة الأسرع لهدم الدولة الإسرائيلية العلمانية.

الحرائق التي أهلكت الأرض والزرع في فلسطين المحتلّة في الأيام الماضية الأخيرة وأتت على المنازل ليست بعيدة أبداً عن بصمات تنظيم تدفيع الثمن الإرهابي، بل على العكس هي تحاكي تماماً ما جاء في استراتيجية (إحراق براميل البارود) أبرز استراتيجيات تعجيل هدم الدولة الإسرائيلية العلمانية التي يتبعها هذا التنظيم، وتقوم هذه الاستراتيجية على ضرورة دفع المواطنين اليهود إلى الثورة ضد الدولة بإثبات فشل سياساتها وزعزعة الأمن فيها من خلال استهداف براميل البارود الساكنة في فلسطين المحتلّة وتفجيرها لتشتعل الدولة ويعود اليهود إلى أصولهم الدينية فيطردوا غير اليهود من بلادهم على حدّ زعمهم.

ويُقصد ببراميل البارود: قلب الحكم في إسرائيل وانتهاك المسجد الأقصى المبارك، واستهداف الكنائس والرموز المسيحية، وكذلك استهداف الوجود الأجنبي في إسرائيل المتمثل بالسفارات الأجنبية، ودفع الفلسطينيين والطائفة الدرزية في المناطق الإسرائيلية للغضب والاشتباك مع القوات الإسرائيلية من خلال استهدافهم واستفزازاهم.

اللافت للأمر هو ما جاء على لسان الجنرال الإسرائيلي "يوحنا دانينو" في عام 2013 عندما صرّح في مؤتمر صحفي، بأنّ أعمال تنظيم تدفيع الثمن لن تقف عند حدّ استهداف الفلسطينيين فحسب بل إنّهم بصدد "أعمال قد تؤدي إلى إحراق إسرائيل وحتى إلى ما هو أبعد من ذلك".

وفي مقال للحاخام "يوسف إلتسور" بعنوان "كفالة متبادلة" وهو أحد الزعماء الروحيين لتنظيم تدفيع الثمن يقول إلتسور: "لابدّ من القيام بأعمال صامتة وعميقة تخلق الفوضى في الميدان" كما حرّض المقال على الشرطة الإسرائيلية وجيشها، وعندما صرّح بنيامين نتنياهو مؤخراً بأنّ التحقيقات في الحرائق أفضت إلى أنّها مفتعلة فربما هذا صحيح في ظلّ وجود تنظيم يهودي يؤمن عقائدياً بأنّ إحراق إسرائيل هو طريق الخلاص لمرضاة الرب وإقامة شريعة التوراة، وهذا التنظيم هو المشتبه به الرئيسي الأول الذي يجب إطلاق استنفار أمني إسرائيلي لإلقاء القبض على جميع المنتمين له والتحقيق معهم.

استطاعت وتستطيع إسرائيل أن تقلب المحن لصالحها كما تفعل الآن باتهام الفلسطينيين بإشعال الحرائق وشنّ حملات اعتقال مدروسة تستهدف الشباب الفلسطيني.

أمّا عن سرّ التوقيت ولماذا الآن؟ ففي يوم الاثنين الموافق 14/11/2016 أصدرت المحكمة الإسرائيلية العليا قراراها بعدم تأجيل إخلاء مستوطنة عمونة وضرورة تنفيذ الإخلاء في موعد أقصاه 25/12/2016، وهذه المستوطنة الصهيونية القابعة فوق الأراضي الفلسطينية لها خصوصية عقائدية لدى اليهود ففي عام 1995 أعلنت إسرائيل بأنّ هذه البقعة هي المذكورة في سفر "يهشوع" في "التناخ" الكتاب اليهودي المقدّس، حيث وُهبت أرض عمونة إلى "بنيامين" أحد أسباط إسرائيل وبالتالي فإنّ هذه الأرض المقدسة تعتبر أثرية في الدين اليهودي.

لذا فقد شكّل قرار المحكمة الإسرائيلية العليا الأخير من هذا الشهر بضرورة الإخلاء لهذه المستوطنة مواجهة مباشرة مع تنظيم تدفيع الثمن ممّا أثار حفيظة الحاخامات الذين طالبوا جميع الصادقين المؤمنين من اليهود بالدفاع عن عمونة وعدم إخلائها بأي ثمن، ومن الهام أن نذكر في هذا الإطار بأن سبب إنشاء تنظيم تدفيع الثمن في عام 2008 كان رداً على قرارات الحكومة الإسرائيلية بإزالة البؤر الاستيطانية غير القانونية وفقاً للقانون الإسرائيلي.

يؤسفني أن أعكّر صفو نظريات المؤمنين بزمن المعجزات بعد انتهاء النبوّة ، فلتحرير البلاد المحتلّة سُنن أرضية ومعقبات إلهية، جُند السماء قد تتنزّل إنْ كان هناك جُند الأرض في المقام الأول، استطاعت وتستطيع إسرائيل أن تقلب المحن لصالحها كما تفعل الآن باتهام الفلسطينيين بإشعال هذه الحرائق وشنّ حملات اعتقال مدروسة تستهدف الشباب الفلسطيني، وإنّ عدداً من الكتّاب الإسرائيليين يعتقدون بأنّ تنظيم تدفيع الثمن هو الذراع القذرة للحكومة الإسرائيلية فلطالما صمتت وسمحت له بالتمادي في عمليات سوداء لا يمكن للحكومة الإسرائيلية تنفيذها علناً، لكنّ اليوم يبدو بأنّ هذه الذراع قد طالت لتمتدّ إليها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.