شعار قسم مدونات

الحركة الإسلامية.. ضرورة المراجعة بعد التراجع

blogs - ikhwan

إن الحركة الإسلامية وهي تتحرك وتتفاعل وتحتك مع الواقع اليومي بمشروعها الحضاري والدعوي والسياسي، قد ترتكب بعض الأخطاء بل حتى الخطايا، وقد تكون لها بعض الخيارات أو المواقف أو الممارسات البعيدة عن التقدير الصائب والسليم، أو تكون خياراتها ومواقفها وممارساتها مفضولة عوض أن تكون فاضلة، أو تفشل في موقف، أو تنهزم في جولة، أو لا تستطيع أن تحافظ على مكسب، أو تضيع فرصة متاحة ولا تحسن التعاطي معها.

هذا الأمر المفروض يعطيها الفرصة بين الحين والآخر، بل يحتم ويوجب عليها في أحايين كثيرة، أن تستعرض برامجها ومواقفها وخياراتها، وتراجع فهرس أعمالها وتستوثق من طريقها، وتعاود تحديد وتجديد وتطوير الغاية والوسيلة والموقف والخيار والخطة والبرنامج والرجال كذلك بعمق ووضوح، وتستدرك بثقة وصدق وموضوعية مظاهر الخلل في مسيرتها، وحالات النقص والضعف والقصور في تمثل مشروعها، والتمكين له في دنيا الناس، دون تبرير ولا تنصل ولا إنكار ولا تعليق على مشجب الآخرين.

العاقل هو الذي يستمع إلى ما يقوله خصومه، فإن كان باطلا تركه ورده، وإن كان غير ذلك عمل على الاستفادة منه.

وذلك من أجل اتضاح الأفكار المبهمة وتصحيح النظرات الخاطئة وإتمام الحلقات المفقودة، فيعرف الناس الحركة وأفكارها وتصوراتها ومشاريعها وأهدافها من غير لبس ولا ضبابية ولا غموض.
فالقياس السليم والتمحيص الدقيق، والمراجعة الجادة المثمرة، والاستدراك الواعي الحكيم، يعصم من المكابرة والتورط والاستعجال، ويحمي من الإنزلاقات العفوية والارتجالية غير المحسوبة العواقب، التي تؤدي حتما إلى الانكسار أو الإنحدار أو الانتحار أو الاندحار أو الاندثار، ومن ثم الأفول وذهاب الريح والفشل الذريع.

فقد تتعرض الحركة إلى حملات من نقد الناقدين وسهام المغرضين، وشبهات الطاعنين وشكوك المشككين، وأكاذيب الحاقدين وإدعاءات المتربصين، وتخوفات المراقبين، وأمنيات المحبين والمعجبين، واستفهامات المتابعين. وقد يبالغ بعضهم فيجعل من الحبة قبة فيهوّل الهيّن، ويضخم البسيط وقد يقلب الحقائق، وينكر الإيجابي ويشهر السلبي، وقد يصطنع المثالب ويستحدث المعايب.

لكن المفروض أن رغبة القائمين على أمر الحركة وقادتها وصناع الرأي والقرار فيها في التحسين والتطوير والإصلاح، وحرصهم على ضمان سلامة مسيرتهم، وطموحهم في الوصول إلى الأصوب والأصلح والأفضل والأسلم، يفرض عليهم أن لا يجرمنهم شنآن قوم على أن لا يدركوا ما قد يكون في نقد كل الأصناف سالفة الذكر وملاحظاتهم سواء على مشروع الحركة وأفكارها وتصوراتها ورؤيتها للقضايا، وإن على ممارساتها ومواقفها وخياراتها، ومؤسساتها ووسائلها ورجالها.

المفروض عليهم أن يدركوا ما في كل ذلك من إيجابية ومنفعة وفائدة للحركة، في استدراك نقصها وتجاوز عثارها وتسديد مسيرتها، وتنقية أفكارها وتصويب مواقفها، وتصحيح خياراتها وإصلاح وسائلها، وتصفية أجوائها وسد ثغراتها وتقويم رجالها.

وعلى الحركة أن تعتبر حتى المعارك والشبهات التي يثيرها الأعداء والخصوم والمنافسون، ويعملون على تصعيدها وتضخيمها، فرصة سانحة للمراجعة والاستدراك، وبذلك تستفيد من كل ما يثار بحق وبغير حق ضدها لإضفاء الجدية والصراحة على مراقبتها ومكاشفتها لسائر نواحي عملها.

فالانتقاد الذي يوجه للحركة، قد يكون فيه الكثير من الصحة والصواب، مما يجعلها تنتفع به وتستفيد منه، وخير للحركة أن تنتفع بما أجراه الله على ألسنتهم من تصويب، والعاقل الذي يستمع إلى ما يقوله خصومه، فإن كان باطلا تركه ورده، وإن كان غير ذلك عمل على الاستفادة منه، واستثمار الحق الذي فيه، فإن الخصوم والأعداء يفتشون بدقة في مسالكك، وقد يقفون على ما تغفل عنه أنت.

فمن أهدى إليك عيوبك قبلت هديته في الحال، وإن كان يريد من خلالها شيئا آخر، ثم تسارع إلى تقويم ما اعوج، ورتق ما انفتق، حتى لا يبقى مجال لشانئ، أو فرصة لناهز، أو ثغرة لمتحفز، أو خلل لمتربص.

كما أنه قد يصاب بعض أبناء الحركة أنفسهم بنزوات هوى أو شغف بالمخالفة، أو تناغم مع خصم متربص، أو تجاوب مع حملات التشكيك، فيأخذ معاول الهدم ويشحذ الألسنة الحداد ليسلق بها حركته وقيادتها ومؤسساتها ومواقفها وممارساتها، ويثير حولها الغبار تحت غطاء "إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ".

يغريه إعلام المتربصين والحانقين، ويفتح له الأبواب على مصراعيها، ليطلق العنان لقلمه ولسانه ليكتب ويقول بعض الحق، ويتقول ويخط الكثير من الباطل، أو يضخم وينفخ في بعض الأخطاء، ويبقى يدندن حولها وهو مزهوا بالمساحة والفرصة التي وفرت له، ويستمر منساقا مع مخطط التوظيف والاستدراج بحجة وشهد شاهد من أهلها، وأهل مكة أدرى بشعابها وأسرارها وتجاوزاتها.

إن انتهت المهمة وتحقق به المأمول، أولم يستطع أن يؤثر بالشكل المطلوب لسبب أو لآخر تم تجاوزه ولفظه والبحث عن غيره ليواصل نفس المهمة لنفس الهدف، هذا الأمر كذلك المفروض ألا يؤثر كثيرا ولا يكون له صدى سلبي كبير عليها، بما تتمتع به من حصانة فكرية وتربوية، ومناعة شورية ومؤسسية.

ولا ينبغي  لذلك أن يمنع الحركة من السماع الجاد لملاحظات أبنائها الوجيهة، ونقدهم المخلص المشفق البناء، ولا يحول بينها وبين ما تحتويه اقتراحاتهم من خير، كما لا يجوز لها أن تحجر على آرائهم مهما كانت مخالفتها، بشرط أن تتوفر فيها عناصر الأدب والتهذيب والموضوعية والحرص على مصلحة الحركة وتطويرها نحو الأفضل، وأن لا يقع الخلط والتداخل بين الأمرين والصنفين، فبقدر ما يشدد على الأول يفسح المجال للثاني، وتقدر غيرته، ويحترم رأيه، تأكيدا لمبدأ أن تنوع الآراء مؤشر صحة ودليل حيوية يخصب التجربة، ويوفر تعدّد الحلول على أن يسيّج كل ذلك بسياج المؤسساتية واحترام رأي الأغلبية بعد الشورى.

التراجع الذي لا تصاحبه مراجعة وتحمّل مسؤولية وحتى محاسبة يأكل  من رصيد الحركة الإسلامية ويؤثر سلبا على ومكانتها ومشروعها.

وعندما تتبنى الحركة الإسلامية هذا المنهج وتشجعه لدى أبنائها بالضوابط التي ذكرناها، فإنها لا تأتي بجديد بقدر ما أنها تقتدي برسول الهدى صلى الله عليه وسلم الذي استمع إلى رأي الخباب بن المنذر رضي الله عنه، وتنازل عن رأيه لرأي الخباب، لما وجده صلى الله عليه وسلم أنسب وأصلح في الموطن الذي يعسكر فيه الجيش الإسلامي في غزوة بدر.

فالمراجعة الجادة والدقيقة والدائمة، تحمي مشروع الحركة وفكرها من آفات الرفض، وتقيها من السقوط في مزالق الاستبداد الداخلي والغموض والانحراف، وكذا النجاة من حالات التأزم والانقسام والانفجار والارتهان في دوائر وخطط تحكم الآخرين.

كما أن تقوية الفكر المؤسسي لديها ينقلها من العشوائية إلى التخطيط العلمي المدروس، الذي يأخذ في اعتباره القدرات المتوفرة، والظروف المحيطة والشروط المطلوبة، والأهداف المقصودة والوسائل المستحدثة، وتقويم التجارب والممارسات السابقة والخبرة في تسخير السنن والأحداث تسخيرا إيجابيا، وجني ثمارها.

وبكل ماسبق تحفظ الحركة  الإسلامية ديمومة سيرها وتحركها، وتحافظ على كيانها وصفها، وتخفف من ثمن التراجع أو الصدمة أو الفشل، وترسخ الصورة الحسنة لدى الآخر وتحسن تسويق النموذج الذي يغري الآخرين، وتعطي لأبنائها نفسا جديدا وثقة متينة وزادا عميقا للسير بهمة وقناعة وثبات معا نحو الهدف، وإلا فإن التراجع الذي لا تصاحبه مراجعة وتحمّل مسؤولية وحتى محاسبة ومكاشفة، سينحت حتما من رصيد الحركة ويؤثر سلبا على موقعها ومكانتها ومشروعها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.