شعار قسم مدونات

دائرة الضياع

blog الطائفية

هل أنا وطني.. سوري، عراقي …الخ؟ هل أنا قومي..عربي، كردي، أمازيغي..؟ أم أنا ديني (مسلم، مسيحي، …..إلخ)؟ ولماذا يُراد لي أخيراً أن أكون طائفياً (سنيا، شيعيا، ….إلخ)؟

في الحقيقة، نحن حيارى- في الغالب- بين جيمع الأسئلة السابقة، وكلنا ربما ترواده بين الفينة والأخرى، وربما يقف أحياناً موقف العاجز عن إجابتها أو تحديد طبيعة الهوية المنتمي إليها، أو المصنف على أساسها. وإن ادعى البعض بأنه قد حسم أمره، واختار واحداً من بين الأبواب أو الطرق الأربعة ليسير فيها، فواقع الأيام الحالية يطالعنا بعكس ذلك.

فالصراع بين زوايا هذا المربع على أشدها اليوم، والمطلوب مرحلياً هو استكمال الضلع الرابع عن طريق كسر وتر المثلث المشكل سابقاً (الدين، القومية، الوطن)، وإحداث نقطة جديدة هي الطائفة، من أجل وصل طرفي الوتر المكسور بها، ومن ثم خلق المربع المنشود (الدين، الطائفة، القومية، الوطن) حتى أن ترتيب هذه النقاط أو الأضلاع هو في حد ذاته إشكالية.

الدين، القومية، الوطن مثلث أجج الصراعات بين مكونات المنطقة أكثر فأكثر، وما شهده القرن الماضي خير دليل على ذلك

لنعدّ إلى الوراء، وتحديداً إلى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، والذي حمل في طياته موجة القومية على المستوى الدولي، ففي تلك الأيام كانت شعوب المنطقة كلها تقريباً منصهرة ضمن بوتقة واحدة، أي هناك خط مستقيم يجمعها على اختلاف مشاربها، ولم يكن الكثير يعير اهتماماً كبيراً لمسألة القومية، فالكل تحت مظلة دولة إسلامية في الغالب، مع احتفاظ باقي العناصر الأخرى بخصوصيتها الدينية والقومية والطائقية، ولم تكن الأوطان بحدودها الحالية قد ولدت بعد.

إلا أن التأثر بالنزعة القومية في تلك المرحلة أوجد بعداً آخر، أو أقام عموداً فوق المستقيم السابق، فتفرق الناس بين الدين والقومية، ولم تقف الأمور عند هذا الحد، فهناك من كان يجهز لوصل المستقيم بالعمود المقام حديثاً من أجل قيام المثلث المنشود، فجاءت اتفاقية (سايكس-بيكو) لتحقق الهدف المنشود في عام 1916.

وهو نفس العام الذي يطلق عليه العرب عام الثورة العربية الكبرى، التي كان الهدف منها الخروج من الحكم العثماني والاستقلال القومي، ولكن للأسف وقعوا في الفخ وتم كسر العمود القومي ووصله بطرف المستقيم الأصلي، وولدت الأوطان الجديدة ورسمت الحدود، وأصبح لكل إنسان مسمى جديد باسم الوطن الذي وضع ضمن حدوده، فصار أسير مثلث (الدين، القومية، الوطن).

لم تقف الأمور عند هذا الحد، فالمثلث الجديد أجج الصراعات بين مكونات المنطقة أكثر فأكثر، وما شهده القرن الماضي خير دليل على ذلك، فالتقسيم الجديد للمنطقة خلّف مظلومية وطنية عند بعض القوميات التي رأت نفسها خارج حسابات الأوطان المكونة حديثاً، وأنها باتت بلا وطن أصبح الحامل الأساسي للهوية، خصوصاً بعد أن انشغل أبناء الأوطان الجديدة طيلة النصف الأول من القرن العشرين فيما عرف بحروب الاستقلال.

الكثير من شعوب العالم تركت  التصنيفات القومية والدينية والطائفية وراءها، وأوجدت صيغ جديدة ضمنت لها التعايش بين جميع مكوناتها

كل هذا حدث ولم يدرك الكثير بأن المستقيم الذي نصب عليه ضلع القومية ثم وصله بوتر الوطنية، كان الهدف منه خلق مثلث يسجنون فيه، أو يضيعون بين زواياه. اليوم وبعد مرور قرن من الزمن على إنشاء مثلث (الدين، القومية، الوطن)، يتم العمل بشكل حثيث على كسر المستقيم الأساسي مرة أخرى من أجل خلق نقطة جديدة هي الطائفة، فتكتمل بذلك أضلاع المربع الهدف لهذا القرن، وبذلك تصبح ساحة الضياع والصراع أكثر اتساعاً، ويزداد عدد الزوايا زاوية جديدة يتم التمركز عندها.

قد يقول البعض إن ما سبق أعلاه ليس جديداً، فالقومية والطائفة موجودتان منذ زمن بعيد. والإجابة نعم، ولكن في كل مرة يعاد استثمارهما من أجل كسر المستقيم الأساسي، وإبقاء إنسان هذه المنطقة تائهاً في مربع (الدين، القومية، الطائفة، الوطن)، على الرغم من أن الكثير من شعوب العالم قد تركت هذه الصيغ التصنيفية وراءها، وأوجدت صيغ جديدة ضمنت لها التعايش بين جميع مكوناتها كالمواطنة وغيرها.

ومن يدري ربما تحمل السنوات القادمة خلق نقاط جديدة لتوسيع نطاق هذا المربع وبالتالي الوصول إلى دائرة الفراغ، لكي لا يعرف إنسان المنطقة أي هوية ينتمي إليها، أو أي مرتكز يرتكز عليه، فالدوران في الدائرة هو إلى اللانهائية والانطلاق من الصفر سيعيدنا مرة أخرى إليه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.