شعار قسم مدونات

المنطق القديم في الميزان السوسيولوجي (2)

blogs-Sociology
عرضنا في المقالة السابقة تمهيداً بسيطاً كمدخل تعريفي للمنطق بشكل عام، ثم تعريفاً للقياس المنطقي الذي يتبناه المنطق الأرسطي وانتهينا بالاعتراض السوسيولوجي على المنطق القديم "الأرسطي"، وتلخص ذلك الاعتراض في أن المنطق القديم كان عاملا أساسياً في عزل الفكر عن حياة الناس، وابتعد بسعيه الفلسفي بعيدا عن حياة الناس اليومية وأمورهم الحياتية، الأمر الذي يُحتم علينا السعي نحو تفكيك ذلك المنطق بشيء من الوعي الاجتماعي والمعايشة العملية.
 

وسيأخذنا هذا الترتيب الذي نسعى لبنائه في هذه السلسلة النقدية إلى دراسة القوانين الأساسية التي يستند عليها المنطق الصوري في أقيسته دراسة اجتماعية نقدية تفصيلية نسعى فيها لبيان الخلل الذي يُسببه المنطق الصوري في أذهان أصحابه، والضرر الاجتماعي الذي سيلحق بنا جميعاً إذا استمر القطاع الأساسي"Main Stream"من أصحاب الفكر في تبنيه والدفاع عنه.
 

وقبل أن نبدأ في تفكيك تلك القوانين، يجدر بنا الإشارة إلى شيء هام يخص القياس المنطقي             "Syllogism " و الذي يتبناه المنطق القديم "كما أشرنا في الجزء الأول" أسلوباً قياسياً أساسياً في بناء الحُجة و الحُكم و الاستدلال.
 

ونلاحظ أنه من الغريب أن نجد القياس المنطقي يُمكن أن يكون سلاحاً في يد كُل فريق، بمعنى أنه يُمكن استعماله لتأييد رأي ما و لتأييد عكسه أيضاً في نفس الوقت.
 

المنطق القديم هو منطق العقائد الموروثة، لا منطق المعرفة النامية، و بالتالي و بناءً على كل ذلك فهو منطق يصلح للدفاع و الهجوم في آن واحد.

يقول أستاذ علم الاجتماع، د. علي الوردي:
"ففي هذه البيئات – يقصد البيئات التي تهتم بعلوم المنطق والكلام وغيرها من العلوم التي تحث على استخدام ذلك القياس المنطقي- نجد الجدل محتداً كل حين، و للناس يرقبون المتجادلين ليروّا أيهما أكثر إفهاماً لخصمه و أقوى لساناً و أعلى صوتاً، و هذا يؤدي طبعاً إلى ازدواج الشخصية، فكُل فرد هناك يتأثر بالجو الفكري قليلاً أو كثيراً، و يكون إذاً ميالاً إلى الجدل محباً للفوز فيه على أية صورة، و لذا تجده أمسى سوفسطائياً في حقيقة أمره، أرسطوطاليسياً في منطقهِ، فهو في عقله الباطن قد نسي الحقيقة و وَجه اهتمامه نحو التغلب على خصمهِ، بينما هو عقله الظاهر يدّعي حُب الحقيقة و أنه يُريد الوصول إليها، و هو قد يستعمل أقيسته المنطقية جرياً وراء عواطفه، فإذا كَره شخصاً ثم رآه يضحك مثلا ، هتف قائلاً على طريقته المنطقية المعتادة:
الضحك من غير سبب قلة أدب، وفلان هذا ضحك من غير سبب، إذاً فلان قليل الأدب.
 

وقد لا يكفيه هذا الحكم القاسي، و ربما لجأ إلى اعتداء آخر ثم اصطنع في سبيل ذلك "قياساً منطقياً جديداً" استناداً على قياسه الأول، فيقول:
وقليل الأدب مُضر بالدين، وكل مُضر بالدين تَجب محاربته، وفلان إذاً تجب محاربته.
 

ها هو القياس المنطقي أصبح لعبة "منطقية ومُرتبة" في يد الإنسان، والتي يستطيع بها أن يُبرر كل أفعاله وأحكامه المبنية على رغبات وأهواء باطنة لا علاقة لها بما يدّعيه ظاهراً.
 

يُشير توماس في بحثه " Thomas op. cit " صفحة رقم "91" إلى أن المنطق القديم هو منطق العقائد الموروثة ، لا منطق المعرفة النامية، و بالتالي و بناءً على كل ذلك فهو منطق يصلح للدفاع و الهجوم في آن واحد، و لا يصلح لاكتشاف أي حقيقة جديدة أو حتى التثبت من صحة العقائد القديمة.
 

نكتفي في هذا الجزء بتفكيك القياس المنطقي، و نستكمل تفكيك القوانين الأساسية الثلاثة للمنطق الأرسطي في سطورنا القادمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.