شعار قسم مدونات

فتحة الشرّاق والسياسة الخارجية

blogs-السجن

الشَرَّاق، كلمة قد تكون غريبة عند الكثيرين من العرب، لكنها مألوفة جداً لكل من عانى مثلي ظلام سجون الطغاة، والظَلَمة في سورية. الشرّاق أيها الكريم فتحة في باب السجن صغيرة، لا تتجاوز أن تُظهُر نصف وجه السجّان، يفتحها ليرمي لك الطعام، أو ليمارس هوايته اليومية في توبيخك واتهامك بخيانة الوطن والقائد، قبل أن يقتادك للتحقيق.

تعيش معها في منفردتك، ثم في سجنك الجماعي، الذي يشكل مجتمعك لعدد من السنين حتى تموت خلف هذا الشرّاق فيفتح السجان الباب ليقول أخرجوا الجثة، أو ينادي باسمك "فلان.. إخلاء سبيل" لتكون قد ولدت من جديد، فتحة قد تكون مصدر الضوء الوحيد لفترة طويلة من جلوسك في المنفردة. فتحة كرهتها وكرهت الاقتراب منها حتى في ما فيه نوع من الفائدة لي، حتى لا أرى تلك الجبهة الوضيعة.
 

وكحال كل السجون، كان المهجع الذي ضمني ورفاقي لعدد من السنين صورة مصغرة للمجتمع، لكن نسبة النخبة المعارضة للطاغية فيه مركزة أكثر مما هي في الخارج، وكما هو الحال في الخارج كنّا جماعات وطوائف وأفرادا، فمنّا من يحاول أن يفتح هذا الشرّاق ليخطب ودَّ السجّان طمعاً في رغيف خبز زيادة أو استثناء من عقاب قد يقع على السجناء، قد يتطور هذا الأمر للخروج وشرب كأس من الشاي مع السجّان، وإخباره بما يدور داخل المهجع وقد يتم تعيين هذا شاويشاً (رئيسا) للمهجع إن ثبت وفاؤه.
 

يجب أن نحرص على أن نقطع يد الخائن من الاقتراب من الشراق، وأن نعمل بما هو متوفر بين أيدنا قدر الإمكان، وأن لا نفتح هذه الفتحة إلا لما فيه ضرورة ملحة حتى لا تضيع كرامتنا

والغريب أنهم – أي السجّانون – يحتقرون هذا النوع رغم كل الخدمات التي يقدمها لهم، وهذا إن صار رئيساً للمهجع تجد منه ظلماً وجبروتاً أكثر مما تجد من السجّان نفسه، ومنّا من يظن أن يجب مداراة السجّان، بغية اكتفاء شرَّه وحتّى يُميِّز المهجع ببعض الامتيازات، كزيادة كمية الصابون، أو إدخال بعض الدواء، وكان أحيانا يكلِّم السجان بندّية، ويطالبه بحقوقه كسجين، ومنّا من كان يرى أنه يجب أن يفتح هذا الباب كل لحظة والصراخ في وجه السجّان، وأنه يجب إتعابه بكثرة الطلبات، وأحياناً سبِّه، وشتمه، بل وتهديده بالقتل، والانتقام.
 

النوع الأول والثالث كان في الغالب يسبب لنا العقوبات الجماعية، التي بمجرد أن تنتهي نبدأ بصب جام غضبنا على بعضنا، ثم نتبادل التّهم إما بالعمالة، أو الغباء والتّهور، وأحيانا تكون العقوبة بالحرمان من بعض الحقوق مما يجعل الكثير يسترضيه ليعيد الحقوق التي حرمنا منها، والغريب أن السجّان يحرص أن يكون في كل مهجع كل هذه النماذج، وإن رأى أن أفكار بعضهم تتلاشى وتغيب عن المهجع كان يحضر من المهاجع الأخرى من يحافظ عليها وكأنه لم يهدف من ذلك سوى أن يبقينا مختلفين متقاتلين، وهنا اتحدث فقط عن الخلاف الذي سببه الشرّاق، وليس الخلاف العقائدي والفكري فهذا موضوع آخر.
 

أما أنا فكنت أرى نفسي سجيناً مسلوب الحق الأعظم "الحرية" الذي هو عندي أعظم من حق الحياة، وكانت نظرتي أن هذا الشرّاق يجب أن لا يفتح إلا للضرورة الملحة جداً لأنه فتحه إما ذل ومهانة، أو بلاء، وفي كلتا الحالتين تضيع كرامتنا وهم إنا كانوا سلبوا حريتي فلا أريد أن أفقد كرامتي وكان يحدث أن يُنقِص عليَّ السجّان بعض حقّي من الطعام، فيخبرني رفاقي أن أذكره فأرفض ذلك وأقول: أكتفي بما عندي، ولست بحاجة لما منعني عنه.
 

واليوم حالنا مع المجتمع الدولي كحالنا مع ذلك السجّان، ويجب أن نحرص على أن نقطع يد الخائن من الاقتراب من هذه الفتحة، وأن نمنع الأحمق من استثارته ضدنا، وأن نعمل بما هو متوفر بين أيدنا قدر الإمكان، وأن لا نفتح الشرّاق إلا لما فيه ضرورة ملحة حتى لا تضيع كرامتنا. أما الحرية فهذا أمر عظيم يحتاج أن نكون يداً واحدة ونتفق على أن هدفنا كسر باب السجن كله والخروج، عندها فقط نكون أحراراً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.