شعار قسم مدونات

لنتعلم كي لا نتألم

blogs-ااقرأ

إنّ من لا يتعلم من تجارب التاريخ محكوم عليه بتكرارها وتجرع مرارتها، فإن نسينا لا ننسى أن أول أمر إلهي لأمة محمد عليه الصلاة والسلام كان "اقرأ" فإن لم نطبق أول أمر من الله فهل لاسترداد الحضارة الإسلامية من سبيل؟!

عند النظر في تجارب الأمم والحضارات السابقة والقائمة تجد أنها قامت وسادت من خلال تضحيات كبيرة وضخمة، بل وصل بعضهم على جسور من الدماء من الحروب الأهلية والاستعمار وهذا ينطبق على أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، فدرسوا مكامن قوتهم ونقاط ضعفهم، وجلسوا مع الماضي جلسات ووقفات حتى استخلصوا دروسه وعبره وانطلقوا ليغيروا حاضرهم ويبنوا مستقبلهم.
 

إن الدين من غير قوة مجرد فلسفة والذي يرنوا لحضارة ودولة وثقافة فالقوة المبصرة أول ما يؤسسه، فهي ترهب كل متربص من مجرد التفكير بالتعرض لك، والقوة تزيد الأتباع والإبداع

إننا وليس من سبيل تعظيم الأنا، نملك أكبر مخزون من التجارب والتاريخ والتراث الإسلامي الحضاري الراقي، فحضارة الإسلام أقل من سادت ونهضت بثمن الدماء، بل أول ما بدأت به هي ثورة الأخلاق وتحصين المجتمع وعدد من دخل في هذا الدين بخلق الإسلام أضعاف من دخل بالحروب الإسلامية التي قامت على العدل والحق.
 

لكننا أمسينا أمة تطلب العزة من غير واهبها، وتتنازعنا الآمال على أريكة من الكسل والفتور وضعف الهمة، بل صرنا أداة عدونا لشعوبنا فأصبح استعمارٌ بالوكالة ورضي البعض بالاستخذاء والانحناء سواء لمستعمر أو لطاغية أو لتلك النفس الخاملة التي تحويها صدورنا ورضيت بالضيم.
 

وحتى نتعلم ولا نتألم ونستدرك ما لم ندركه، لابد من استدعاء مكامن القوة التي نملكها لنسد ثغرات ضعفنا التي تغطينا، وأول ما نملكه ولا ندري أننا نملكه هو ذاك الدستور الذي يملك روح حية صالحُ لكل زمان ومكان الذي أخبرنا عنه النبي عليه الصلاة والسلام أننا ومن خلاله وتمسكنا بفهمه وتطبيقه لن نضل بل سنقوى ونسود ونبنى حضارة لا تهدم. ومن خلال سبر أغوار القرآن الكريم نستدعي ثلاث أوامر ربانية نحن أحوج ما نكون لفهمها وتحقيقها ونغير معادلة واقع أمة الاسلام:

1- الكافة والحشد: يقول الله عزوجل "وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أنّ الله مع المتقين"
فلو نظرنا كيف يقاتلنا أعداؤنا ستجد هذه المكونات (حلفاء أو شركات أو منظمات أو أمم، أو جيوش.. وغيرهم) هي عناوين أي حرب علينا سواء عسكرية أو اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، أو علمية، لذا فوصف الأمر القرآني هنا واضح (كافة) وتعني الشمول والعموم والحشد لكل الطاقات والفئات، فمع الحشد واستدعاء الكل تحضر المعية الإلهية، فهذا يتطلب منّا يقظة لعقولنا وكيّها، والبدء بتغيير كل قواعد العمل الجماعي والمؤسساتي في دولنا وإعادة بنائه على أسس من التكامل والتعاضد.
 

2- القوة: يقول الله عزوجل " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم"
نُعد القوة وننتجها بأيدينا ونصنعها بسواعدنا ونبتكرها بعقولنا لا أن نستوردها أو نستجلبها، وكل أصناف القوة، العسكرية، الاقتصادية، العلمية، التكنولوجية.. وغيرها، حتى نتكامل مع الأمر الإلهي أعلاه، وهذه القوة ليست لمستعمر أو محتل خارجي فحسب بل أيضاً لمن يقطنون بيننا ويأكلون أكلنا ليدمروا علينا حاضرنا ومستقبلنا.
 

يقول محمد إقبال: "إن الدين من غير قوة مجرد فلسفة" والذي يرنوا لحضارة ودولة وثقافة فالقوة المبصرة أول ما يؤسسه، فهي ترهب كل متربص من مجرد التفكير بالتعرض لك، والقوة تزيد الأتباع والإبداع وتردع الأعداء وتنصف المظلومين وتحق الحق.

حتى لا نتألم مرة أخرى وأخرى لابد من ثورة وعي وفكر وإعداد وحشد وتكامل وبناء جيل جديد يعرف ربه ودربه ومبتدأه وخبره

3- العلم: يقول الله عزوجل "اقرأ"
إن مع استجماع الكل وحشد القوة لابد من العلم والتفقه لسياسة الدين والدنيا وقيادة الدنا، فأول أمر في الإسلام هو اقرأ، لنفهم لنتعلم لنقوى لنحقق عمارة الأرض وخلافتها، ومن أهم ما أعنيه هنا هو دراسة التجارب السابقة.

يقول الله عزوجل "فاقصص القصص لعلهم يتفكرون" فحديث القرآن عن الأمم السابقة وقصصها والعبرة منها لم يكن مجرد خبر أو تسلية للمؤمنين فحسب، بل هو خلاصة أهم تجارب الكون كله من لدن آدم عليه السلام وحتى رسالة الإسلام، لنستحضرها ونقوم باستخراج عبرها ودروسها ومن ثم اتقان الاستفادة منها في حاضرنا واستراتيجتنا وتحقيق عمارة الأرض وخلافتها فقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه تفقهوا قبل أن تسودوا.
 

إن الأوامر الإلهية كثيرة وما تم ذكره هو حصر لأهم ما رأيت أننا بحاجة إلى استدعائه واستحضاره وفهمه، والأمر من بعد ذلك متروك لهممنا وسواعدنا لنعيد مجد قد أضاعوه، وحان آوان استرجاعه.. يقول د. إسماعيل الفاروقي رحمه الله: "إحراز الإسلام الظفر غدا أمر يملك المسلمون اليوم البت فيه، وفيما إذا كان المسلمون سيصبحون صناعاً للتاريخ أو مجرد موضوعات يكتب عنها التاريخ".

فحتى لا نتألم مرة أخرى وأخرى لابد من ثورة وعي وفكر وإعداد وحشد وتكامل وبناء جيل جديد يعرف ربه ودربه ومبتدأه وخبره.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.