جلال العمارة المغولية من تاج محل إلى الحصن الأحمر

لطالما سحرت العمارة الإسلامية كثيرين لما فيها من فرادة التصميم وروحانية الأسلوب. وليس الجمال فقط ما جعل عديدا من المباني الإسلامية تحفا معمارية رائعة، بل إن أصالة العمارة الإسلامية وفلسفتها الخاصة هي التي حققت لها تلك المكانة، حتى صارت رافدًا ارتوت منه ثقافات معمارية أخرى لبلاد ومدن عدة منذ زمن الفتوحات الإسلامية حتى اليوم.

وعلى عكس عديد من أشكال العمارة الأخرى، فإن العمارة الإسلامية لها عنصر روحاني عميق وماورائي يتجاوز الغرض العملي الدنيوي لأي طراز معماري آخر، فهي قائمة بالأساس على التعبير عن المعتقدات والقيم الإسلامية في المقام الأول، مرورًا باستخدام الأنماط الهندسية النباتية والحيوانية ومواد البناء، وصولا لتحقيق غرضها العملي في الاستخدامات اليومية.

هذا الجمع بين الديني والدنيوي هو ما جعل العمارة الإسلامية ذات غلبة (في معظم البلاد والأمصار التي وصلها الإسلام) على الأنماط والأساليب المحلية في البناء، التي إما حلّت محلها أو اندمجت وانصهرت معها في بوتقة واحدة، والعمارة المغولية ليست ببعيد.

فالنمط المعماري المغولي، الذي تم تطويره خلال حكم الإمبراطورية المغولية بالهند في القرنين السادس عشر والسابع عشر، كان خليطًا بين الأساليب والفلسفة المعمارية الإسلامية والفارسية والهندية، وهو ما أدى لظهور أسلوب فريد ومميز لا يزال مرئيًا في الهند حتى يومنا هذا، ويتجلى واضحًا في الأضرحة والمساجد والقصور والحدائق وأشهرها قصر تاج محل الذي يعتبر من عجائب العمارة الإسلامية المغولية.

ميدان جمالي فريد

اعتمدت العمارة المغولية على استخدام الحجر الرملي الأحمر والرخام الأبيض وقد أدى مزج هذه المواد، الأحمر والأبيض، إلى تباين مذهل أعطى الهياكل مظهرًا فريدًا ومتانة وصلابة صمدت أمام التغيرات البيئية. كما هي الحال في تاج محل، الذي بدأ بناؤه عام 1632 ليكون ضريحا، بأمر من إمبراطور الهند شاه جيهان، بعدما ماتت زوجته الثالثة ممتاز محل.

shutterstock_372976492 The Jama Masjid Mosque is the largest in India and 25,000 people pray in the square at noon every Friday. Created by the Mughal empire in 1658.
مسجد الجامع هو الأكبر في الهند ويصلي 25 ألف شخص في ساحته كل يوم جمعة (شترستوك)

بالإضافة إلى الرخام والرمل الأحمر، استخدم المغول زخرفة متقنة مستلهمة من العمارة الإسلامية، فقد استحدثوا الخط العربي والفارسي، والأنماط الهندسية والرسومات الزخرفية، وغير ذلك من أنماط تجميل المباني.

وقد أدى دمج العمارة المغولية بين النمطين الإسلامي والفارسي وحتى الهندي في البناء إلى ظهور القباب في الهند، كما تم إدخال الأقواس والمآذن، واعتماد الأفنية والحدائق بسبب الأهمية التي يوليها الفن الإسلامي للطبيعة.

يظهر ذلك في المسجد الجامع في دلهي (بالفارسي: مسجد جيهان نما)، فقد أمر الإمبراطور المغولي شاه جيهان أيضًا ببنائه، وقد استُخدم فيه الرخام الأبيض هو الآخر مما أعطاه جودة أثيرية تجعله شبيهًا بالحلم محققًا البعد الروحاني الذي امتازت به العمارة الإسلامية في كل الأمصار التي دخلها الإسلام.

تم بناء المسجد على منصة حجرية مرتفعة وواسعة يمكن الوصول إليها من خلال مجموعة من السلالم من 3 جهات، إلا أن الجهة الشرقية هي الأكبر، وهي بمثابة المدخل الملكي والرئيسي لحرم المسجد.

يستقبل المسجد القبلة أيضًا حيث تم بناؤه ناحية الغرب باتجاه مكة المكرمة. كما استلهم فيه البناؤون نظام الأقواس والقباب الرخامية، فله 3 قباب، تكسر بياضها بضع خطوط من الرخام الأسود.

shutterstock_9706894 Jama Masjid entrance, Delhi, India
مدخل المسجد الجامع في دلهي بالهند (شترستوك)

اللعب الحر للخيال

إذا جاز لنا استخدام تعبير الفيلسوف الألماني الشهير إيمانويل كانط "اللعب الحر للمخيلة"، فإن الحصن الأحمر (المعروف أيضًا باسم "لال قيلة" (Lal Qila)، الذي تم بناؤه في القرن السابع عشر بأمر من شاه جيهان، يعد مثالا بارزًا على استخدام معطيات الواقع المتاحة والذهاب بها إلى أقصى حدود الخيال. فقد سُميَّ الحصن بهذا الاسم بسبب الاستخدام المكثف للحجر الرملي الأحمر في بنائه مما يعطيه لونًا أحمر مميزًا.

والحصن عبارة عن تحفة معمارية مغولية تمزج بين الأنماط المعمارية الهندية والفارسية والأوروبية، ثرية وغنية بالأنماط والأشكال والألوان. ويعد من أجمل المباني الإسلامية في بلاد الهند وفارس، ويمتد على مساحة أكثر من كيلومترين مربعين ويحوطه سور ضخم يبلغ ارتفاعه 18 مترًا.

GettyImages-93173831 The Red Fort durring the daytime in Delhi, India
الحصن الأحمر في دلهي الهند ( غيتي)

يضم الحصن عديدا من المباني ذات الأهمية التاريخية والمعمارية مثل قاعة الجمهور العام (الديوان العام)، التي استخدمها الإمبراطور لمخاطبة الجمهور بينما كانت قاعة الجمهور الخاص (الديوان الخاص) غرفة خاصة للاجتماعات مع كبار المسؤولين.

وقد ذهب المغول بخيالهم الإبداعي في بناء الحصن إلى أن جعلوه مركز إدارة سياسيا للإمبراطورية، ومركز تعبد أيضا، حيث تم بناء "مسجد موتي" بداخله، وهو مسجد مذهل من الرخام الأبيض.

ويمكن القول إن العمارة المغولية إن كانت تتسم بالعظمة والبهاء والأناقة، فهذا لأنها صهرت جماليات العمارة الإسلامية والفارسية والهندية، فأنتجت هياكل ومباني روحانية وعملية في آن واحد.

وهذه الهياكل ليست فقط روائع معمارية تراثية أو تاريخية، بل هي شاهدة على عظمة الوجود الإسلامي، بالغ القدم، في الهند، وإبداع العقل البشري وحرفية اليد العاملة.

المصدر : الجزيرة