أصحاب الوزن الزائد.. مادة خصبة للسخرية والتنمر في السينما والمسرح

مشاهد عديدة حفلت بها الأفلام المصرية للسخرية من أصحاب الوزن الزائد.

الممثلة ويزو تظهر في معظم مسرحيات "مسرح مصر" كمادة للسخرية من وزنها الزائد (مواقع التواصل)

القاهرة- "يا ابن المفجوعة، يا عجل، يا تخين، يا بنت المبطرخة"، سباب وعبارات نابية استهدفت أصحاب الوزن الزائد في الأفلام المصرية سواء أكان الشخص البدين رجلا أم امرأة أو حتى طفلا صغيرا.

والبدين كما قدمته السينما المصرية في أفلامها العديدة شخص أكول وشره، وبطيء الحركة والفهم، لا يتوقف عن هز بطنه الكبير أو مداعبته لينتزع الضحكات من الجمهور، وهو شخص محروم من الحب والصداقة ولا يمكن أن يجد شريكا لحياته إلا إذا تخلص نهائيا من وزنه الزائد.

ورغم كونه محل سخرية وتنمر ممن حوله، فإن البدين في الأفلام المصرية يتقبل ذلك ببساطة، كأن سمنته سبب كاف لتقبل الإهانة.

سخرية وتنمر

لم تناقش السينما المصرية قضية السمنة بشكل خاص في أفلامها الكثيرة إلا ما ندر، ولكن عبر تاريخها لم تخل الأفلام المصرية من صورة نمطية ساذجة للشخص البدين الذي يظهر فقط لتلقي التعليقات الساخرة والتنمر على وزنه الزائد.

مشاهد عديدة حفلت بها الأفلام المصرية للسخرية من أصحاب الوزن الزائد، ورغم الفارق الزمني بين إنتاجها فإنها اتسمت بالصورة النمطية نفسها عن الشخص البدين سواء أكان رجلا أم امرأة.

وعبر تاريخها، ظهرت شخصيات عديدة في السينما المصرية اتسمت بالوزن الزائد واستغلها صناع الأفلام مثل حسن أتلة وجورج سيدهم ويونس شلبي ومحمد رضا وعلاء ولي الدين وشيكو، ومن الممثلات إحسان الجزايرلي، وليلى حمدي، وأنجيل آرام، ومها أحمد، ونورا السباعي، وويزو، وشيماء سيف.

الأطفال أيضا ضحايا

لم يسلم الأطفال البدناء من الاستغلال في الأفلام التي تسخر من أصحاب الوزن الزائد، وبدأت تظهر شخصية الطفل البدين الذي يأكل بشراهة ويتصرف ببلاهة تجعله دائما محط سخرية وتنمر من حوله.

ومن أشهر الأطفال البدناء الذين استُغلّوا في هذه المشاهد طارق عصام الطفل "اللي أكل الجبنة" في فيلم "أبو علي".

ولعل مشهده الأبرز في فيلم "اللمبي 8 جيجا"، وهو يأكل بشراهة ويقدمه والده كنجم غناء بعبارته الشهيرة "يلا يا ياسر سمع عمو"، ليبدأ ترديد كلمات غير مفهومة، ويصبح محل سخرية وتنمر من والده وصديقه.

ولا يتوقف الأمر في الأفلام المصرية عند التنمر والسخرية من الأطفال البدناء ولكن يتطور إلى الإيذاء الجسدي.

ودائما ما يكون الصفع من نصيب الطفل البدين؛ فيصفع اللمبي ابن صديقه في "اللمبي 8 جيجا"، وتصفع الممثلة ياسمين عبد العزيز ابن صديقتها في الطائرة في فيلم "الآنسة مامي"، والأمر نفسه يقوم به النجم محمـد هنيدي عندما يصفع ابن زبونة والدته البدين في فيلم "وش إجرام"، في حين يلطخ النجم كريم عبد العزيز وجه الطفل بالجبن في فيلم "أبو علي".

فقدوا وزنهم وفقدوا أدوارهم

وكما كانت البدانة هي المدخل الملكي لبعض الممثلات للظهور في الأفلام المصرية فقد كان التخلص من السمنة والوصول إلى جسد مثالي يعني أنهن فقدن رونقهن وميزتهن التي كانت تجذب المخرجين والمنتجين إليهن، كما حدث مع الممثلتين مها أحمد ونورا السباعي، في حين فتحت السينما أبوابها لشخصيات بديلة مثل ويزو وشيماء سيف.

واشتهرت الممثلة مها أحمد باسم "بكبوظة" نظرا لسمنتها وخفة ظلها، وشاركت في العديد من الأفلام في أدوار ثانوية اعتمادا على وزنها الزائد.

 

فنجدها في فيلم "الباشا تلميذ" تجسد شخصية الطالبة الجامعية "مايا" التي لا تجد من يحبها بسبب وزنها، وتطارد اللواء العجوز (حسن حسني) الذي يسخر من وزنها طوال الفيلم، وهكذا في العديد من أفلامها مثل "كلم ماما"، و"لخمة راس"، و"بحبك وبموت فيك"، و"ابقى قابلني".

ومع معاناتها من آلام في الركبة والمفاصل بسبب وزنها الزائد قررت مها أحمد قبل سنوات فقدان وزنها والوصول إلى جسم مثالي، ولكنها فوجئت بابتعاد صنّاع السينما عنها.

"لما كنت بكبوظة كنت بشتغل كويس"، بهذه الكلمات لخصت مها أحمد أزمتها بعد فقدان وزنها، واشتكت في بث مباشر على صفحتها بفيسبوك في مايو/أيار 2021 من ابتعاد المنتجين عنها، وقالت إنها ظلت أكثر من 3 سنوات بلا عمل لأنها فقدت ميزتها التي كانت تجذب إليها صنّاع السينما وهي سمنتها.

 

الأمر نفسه تكرر مع الممثلة نورا السباعي التي اشتهرت بسبب ضخامتها، واختارها صناع السينما للمشاركة في كثير من الأعمال استغلالا لوزنها الزائد.

ظهرت السباعي في أدوار شاكيرا مصر الراقصة الضخمة الباحثة عن الشهرة في فيلم "بحبك وأنا كمان"، ومدام نيمار التي تتعرض للتنمر والسخرية من حجم ملابسها في فيلم "أبو العربي"، وفيحاء أخت محمد هنيدي في فيلم "أمير البحار"، وجلنار ابنة اللواء التي تريد الزواج بالضابط الشاب في فيلم "الباشا تلميذ".

وبعد تعرضها لحادث محرج أثناء تصوير فيلم "أمير البحار" قررت السباعي إنقاص وزنها، وبالفعل نجحت في ذلك وظهرت بمظهر رشيق حتى بدت كشخصية أخرى، لتفاجأ بعزوف المنتجين عن الاستعانة بها، بعد فقدانها مصدر جاذبيتها لديهم.

البدانة تفتح الأبواب

وفي المقابل بدأ صنّاع السينما البحث عن البديل، وتزامن تخلص مها أحمد ونورا السباعي من البدانة مع ظهور ممثلات أخريات من أصحاب الوزن الثقيل، فُتحت لهن أبواب الشهرة من باب الوزن الزائد، ومن أشهرهن دينا محسن الشهيرة  بـ"ويزو" وشيماء سيف.

وبعد أن لفتت ويزو الأنظار عام 2013 في الموسم الأول لـ"تياترو مصر" (مسرح مصر لاحقا) بسبب وزنها الزائد، بدأ صناع السينما التقاطها لتكون الشخصية البدينة الجديدة، فظهرت في العديد من الأفلام مثل "جوازة ميري" و"جيران السعد"، و"كلب بلدي"، و"فص ملح وداخ"، و"عسل أبيض"، و"جحيم في الهند".

وفي 2018 حصلت ويزو على بطولة في فيلم "ويزو سكول" ولكنه واجه مشكلات مع الرقابة وفشلت الشركة المنتجة في تسويقه وعرضه، وأعلنت ويزو لاحقا ندمها على خوض هذه التجربة، لتعود لتقديم الأدوار الصغيرة.

وعلى المنوال ذاته جاءت شهرة شيماء سيف وهي ممثلة أخرى من صاحبات الوزن الثقيل، وجدت طريقها للشهرة عن طريق استغلال المنتجين لوزنها.

مناقشة جدية ولكن

ولم يكتف صناع السينما المصرية باستغلال البدناء من الممثلين بل اتجه بعضهم إلى زيادة وزن البطل عن طريق الماكياج والخدع السينمائية كما في فيلم "حبيبي نائما" لمي عز الدين، وفيلم "إكس لارج" لأحمد حلمي، وهما فيلمان استهدفا مناقشة قضية السمنة ومشكلات أصحاب الوزن الكبير ولكنهما مع ذلك طغى عليهما التنمر والسخرية.

ففي "حبيبي نائما" توصف البدينات بالأفيال، وتأكل البطلة نسمة كميات هائلة من الطعام، ويسخر البطل من حجم ملابسها، ولا تصبح جميلة في عين من تحبه إلا عن طريق السحر، قبل أن ينتصر الفيلم على استحياء لأخلاق البطلة وطيبتها وتتزوج من تحب، بعد أن أشبعها سخرية من وزنها الزائد.

 

وفيلم "إكس لارج" ربما يكون استثناء في مناقشة قضايا البدين الإنسانية والاجتماعية بشكل مؤثر، فقد ألقى الضوء على طيبة قلب البدين وإخلاصه في العمل والحب، بجانب خفة ظله.

ولكن الفيلم يكرر النمطية نفسها للبدين الأكول الذي يتعرض للتنمر ولا يجد حرجا في مبادلة السباب والتنمر مع خاله البدين الذي يصفه بالعجل، فيرد عليه بتسميته فرس النهر.

المصدر : الجزيرة