لوحات مسلسل "دارك".. هل المعرفة لعنة الجنس البشري؟

رسائل فلسفية في لوحات مسلسل "دارك" الثري بالخيال العلمي الفريد والرؤى الفنية

يستعرض مسلسل "دارك" فكرة السفر عبر الزمن وطبيعة النفس البشرية (مواقع التواصل)

اعتبره النقاد واحدا من أغرب مسلسلات الخيال العلمي وأكثرها نجاحا، فالمسلسل الألماني "الظلام" (Dark) -الذي أنتجته شبكة نتفليكس، وشارك في ابتكاره باران بو أودار وجانتجي فرايز- حصد ملايين المشاهدات عبر العالم بقوة سردياته المحكمة وحبكته، ليس فقط العلمية، بل الفنية والفلسفية أيضا.

فقد جاء المسلسل محملا بالألغاز والدلالات التي عززت فكرة المصير التعس الذي ينتظر الإنسانية في ظل الاكتشافات العلمية المتواترة، وخرج عن الإطار المألوف لأعمال الخيال العلمي بعد أن نجح في تخريب العديد من المفاهيم والاستعارات المتعلقة بفكرة السفر عبر الزمن.

وعلى الرغم من أن المسلسل يدور في الأصل حول فكرة السفر عبر الزمن والعوالم الموازية فإنه وقبل كل شيء يستعرض طبيعة النفس البشرية التي جبلت عليها من يوم آدم إلى أن ينتهي الأمر، حتى أن صناع العمل أطلقوا اسمي "آدم" و"حواء" على بطلي المسلسل الرئيسيين.

كذلك أسند صناع العمل جزءا كبيرا من الرسائل النفسية في المسلسل للوحات فنية لتلعب هي هذا الدور لا البشر، وقد حظيت لوحات بعينها بتركيز الكاميرات وظهرت في سياقات مشؤومة تؤكد النهاية المؤسفة التي تنتظر الجنس البشري.

ويرى النقاد أن الدلالات الواضحة لضم هذه الأعمال بالتحديد إلى المسلسل هي تأكيد المغزى العام للعمل الذي يسلط الضوء على طبائع البشر ونفوسهم.

أصل الشرور

وعلى رأس تلك اللوحات ظهرت لوحة "سقوط الملعونين" (The Fall of the Damned)، وهي لوحة زيتية ضخمة للفنان الفلمنكي بيتر بول روبنز من القرن الـ17 (تقريبا عام 1620).

وتصور هذه اللوحة كتلة من جثث جيش الشيطان المهزوم يتم إلقاؤها في الهاوية بعد معركتهم مع رئيس الملائكة ميخائيل.

لوحة "سقوط الملعونين" للفنان الفلمنكي بيتر بول روبنز (مواقع التواصل)

كانت اللوحة معلقة في المقر السري لجماعة "المسافرين عبر الزمن" (بالألمانية: Sic Mundus) في مدينة ويندن بقيادة "آدم" الذي هو نفسه جوناس كانوالد لكن الأكبر سنا، والذي يقرر عام 2053 بعد نهاية العالم في عام 2020 أن يرسل أتباعه عبر الزمان والمكان، بحيث يحدث كل شيء كما كان مقدرا له، ليمحو الزمن بأسره فلا تكون هناك نسخ متعددة ومتشابكة من الواقع.

رؤية آدم لتحقيق النهاية من خلال تدمير الوقت/الزمن تتشابه مع وصف المعركة بين القديس ميخائيل والملائكة المتمردين في سفر الرؤيا، وهو آخر أسفار الكتاب المقدس في معظم تقاليد المسيحية.

ويصف سفر الرؤيا المعركة النهائية بين الخير والشر في نهاية العالم، ومن هنا تم تبني عبارة "نهاية العالم" للإشارة إلى نهاية الزمان باللغة الإنجليزية.

مشهد من مسلسل "دارك" يتضمن لوحة "سقوط الملعونين" (مواقع التواصل)

لعنة التفاحة الأبدية

في عالم موازٍ لذلك الذي ظهرت فيه لوحة سقوط الملعونين تقف حواء -التي هي في الأصل مارثا- في نفس الحقبة الزمنية، لكنها تنظر إلى لوحتين مختلفتين هما "آدم" و"حواء" رسمتا عام 1528 بيد الرسام الألماني لوكاس كراناش الأكبر.

صور كراناش الأكبر الشخصيتين على خلفية مظلمة واقفتين على أرض بالكاد مرئية، وتحمل كلتا الشخصيتين فرعين صغيرين يغطيان أعضاءهما التناسلية، حواء تحمل التفاحة التقليدية وتأتي إليها الحية من فوق شجرة معرفة الخير والشر، ويظهر آدم وهو يحك فروة رأسه.

يرتكب كل من آدم وحواء أعمالا فظيعة من أجل الحصول على ما يريدان في المسلسل، لكنهما أيضا في الوقت عينه يضحيان بنفسيهما في النهاية حتى تنحل العقدة التي تسببت في وجود نسخ مختلفة للواقع، فهما في المسلسل -كما في القصة التوراتية- أخطآ بأكلهما من الشجرة لكنهما ليسا سيئين، لأن تضحيتهما من أجل إنقاذ العالم كانت مؤلمة وبدافع الحب.

كأنك لم تكن

في نهاية العمل يختار آدم وحواء (جوناس ومارثا) أن يمحوا الخط الزمني والواقع اللذين جمعاهما ونشأت فيهما قصة حبهما المربكة، لأن حبهما هذا يعد بكوارث سوف تقضي في النهاية على الجنس البشري بأسره عبر مصنع الطاقة النووية الذي تبدأ فيه أحداث نهاية العالم.

ويفضلان عوضا عن ذلك حل العقدة الزمنية، وأن تكون للواقع نسخة واحدة وحيدة لا وجود فيها لحبهما، لكنها تعد بعالم أقل رعبا ووطأة، فيختار الثنائي في النهاية التلاشي التام كأنهما لم يكونا موجودين على الإطلاق، لأن الواقع بدون حبهما أفضل من وقائع عدة متشابكة وكارثية لكن يتمتعان فيها بحب خالد لا ينتهي.

المصدر : الجزيرة