غيّبه تنظيم الدولة.. المسرح ينشط من جديد في الأنبار العراقية بعد توقفه لسنوات

عرض لأحد المسرحيات في الأنبار (الجزيرة)

بدأت الحركة المسرحية في محافظة الأنبار غربي العراق معاودة نشاطها بعد توقف دام لسنوات بسبب الأوضاع الأمنية التي شهدتها المحافظة خلال الأعوام الماضية وخاصة بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية عليها بين عامي 2014 و2017.

ويقدم فنانون مسرحيون في الأنبار عروضا فنية تصنف ضمن مسرح الشارع، في محاولة للفت الأنظار إلى دور المسرح في توجيه الفكر المجتمعي بعيدا عن العنف.

علي سليمان الدليمي ذكر أنه يتم حاليا في محافظ الأنبار إنشاء قاعة مسرح تسع 1200 شخص (الجزيرة نت)

إعادة المسارح

ويشير علي سليمان الدليمي مستشار محافظ الأنبار للشؤون الثقافية إلى أن المحافظة تمتلك الكثير من القامات الثقافية، سواء كانت في مجال الشعر والأدب والرواية والقصة وكذلك في الفنون المتعددة كالفن التشكيلي بكل أنواعه والموسيقى والمسرح.

ويؤكد للجزيرة نت أنهم في الإدارة المحلية يعملون جاهدين لتنشيط الحراك الثقافي والفني في المحافظة من خلال إقامة المهرجانات والمؤتمرات، ودعم الدوائر والنقابات والجمعيات الثقافية.

ويضيف أن حكومة الأنبار المحلية أقامت مهرجانين سنويين في المحافظة "مهرجان الأنبار القطري للمسرح" الأول والثاني، وكذلك رعاية ودعم مهرجان الأنبار الأول للمسرح المفتوح والذي أقامته نقابة الفنانين في الأنبار، حيث تم تقديم عروض في كافة أقضية المحافظة.

وينوه الدليمي إلى أن مبنى المسرح في الأنبار سحقته آلة الخراب والدمار مثلما سحقت الكثير من معالم المحافظة، لكن يجري حاليا إنشاء قاعة مسرح تسع 1200 شخص ومع كافة ملحقاتها، وبلغت نسبة إنجازها أكثر من 80%، وهناك قاعات مشابهة لها سوف تنشأ في بداية العام المقبل في كل أقضية المحافظة.

أحمد يعتبر المسرح الأنباري من المسارح المتقدمة في العراق (الجزيرة نت)

عروض محلية وعربية

بدوره يقول حاتم عبد أحمد معاون مدير قصر الثقافة والفنون في الأنبار إن وزارة الثقافة افتتحت قصر الثقافة والفنون في المحافظة و4 بيوت ثقافية، وكذلك أنشأت 6 مراكز ثقافية لتشغلها البيوت الثقافية في عموم أقضية المحافظة، كما قامت الوزارة برعاية المهرجانات الثقافية الشاملة لجميع الفنون الفنية والأدبية.

ويبيّن أحمد للجزيرة نت أن المسرح الأنباري يعد من المسارح المتقدمة في المحافظات العراقية، إذ شارك في أغلب المهرجانات المحلية التي أقامتها دائرة السينما والمسرح التابعة لوزارة الثقافة، وأيضا مهرجانات وزارة التربية وحصل على نتائج متقدمة في مجالات التأليف والإخراج والتمثيل.

ويشير إلى المنتدى المسرحي الجاد في الأنبار الذي تأسس عام 2008؛ حيث يمثّل المحافظة في المهرجانات المحلية والدولية، ذاكرا أنه في 2019 أقام المنتدى المسرحي الجاد مهرجان الفلوجة المسرحي الأول بمشاركة 9 فرق مسرحية من داخل المحافظة، وكانت المظاهرة الثقافية الفنية الأولى في الأنبار.

ويضيف أحمد أنه في العام الحالي 2021 أقام المنتدى المسرحي الجاد مهرجان الأنبار المسرحي الأول، بمشاركة 11 فرقة مسرحية من الوسط والجنوب والمحافظات الشمالية، ويستعد المنتدى للمشاركة في مهرجان المونودراما في لبنان بمسرحية "صهيل" تأليف سعد هدابي وإخراج عكاب حمدي وذلك في نهاية ديسمبر/كانون الأول الجاري، ومشاركة في تونس بنفس المسرحية في بداية 2022.

ويؤكد أن الدعم المقدم سواء من الحكومة المحلية أو من قبل وزارة الثقافة لم يرتقِ إلى مستوى الحراك الثقافي الحاصل بجهود ذاتية للمبدعين من فنانين وأدباء ومثقفين، لافتا إلى أن الأنبار تمتلك طاقات إبداعية كثيرة تصل إلى العالمية.

مشاهد مسرحية في الأنبار تعرض معاناة الناس وآمالهم (مواقع التواصل)

مرآة الواقع

من جانبه، يرى الممثل المسرحي إياد حسين الجميلي أن المسرح هو مرآة الواقع وهو السحر الذي من خلاله يصنع الجمال ويوصف بأنه أبو الفنون، مستشهدا بقول الكاتب الألماني برخت "أعطني خبزا ومسرحا أعطيك شعبا مثقفا".

ويضيف للجزيرة نت أن المسرح هو أعلى تجليات الحضارة، فالشعوب تتباهى بكثرة مسارحها وعمرانها وروادها، والشعوب العربية مثلها مثل دول العالم أولت المسرح من الاهتمام والرعاية الكبيرة، فعقدت له المهرجانات وفتحت له الكليات والمعاهد من أجل خلق أجيال تدرس المسرح وفق الأسس العلمية وصارت له مؤسسات ترعاه وتقيم له المهرجانات السنوية والجوائز الثمينة.

ويبيّن الجميلي أن العراق كان من ضمن الدول التي اهتمت بالمسرح لكنه تراجع بعد الغزو الأميركي وما لاقاه الناس من حروب وحصار، وهو ما جعل الثقافة تنزوي جانبا، والمسرح مثله مثل أي جانب ثقافي ولكن سرعان ما نهض ليقف في ميدان المواجهة.

ويضيف أنه بعد استقرار الأنبار واستعادة مظاهر الحياة فيها، انبرى مجموعة من فناني المحافظة لإقامة مهرجان للمسرح المفتوح في المنتزهات العامة فتم نقل المسرح بكل متطلباته إلى الناس لعرض معاناتهم وآمالهم.

ويعرب الجميلي عن طموحه بأن تستمر هذه التجربة الرائدة بعد أن قدموا عروضهم في أكثر من 5 مدن، حيث لاقت استحسان الناس، مطالبا السلطات بالالتفات إلى الفن وإعطائه المكانة التي يستحقها.

وعن أبرز أعماله الفنية يقول الجميلي، هي "زمن الباشوات" 2010، ومسرحية "باب ناصي" 2012، ومسلسل "تيتي" 2013، ومسرحية "حلم تعيين" 2020.

الكحلي: أبرز معوقات المسرح الأنباري هي غياب الدعم اللوجستي للفنانين (الجزيرة نت)

معوقات وحلول

ويتحدث المسرحي والمخرج محمد رجب الكحلي عن دور المسرح في توعيه الناس والمجتمع بصورة عامة، ويلفت إلى أن نشأة المسرح العراقي تعود إلى القرن الـ18، حيث بدأ في المدن الكبيرة مثل الموصل وبابل، وأول بدايات المسرح انطلقت من الكنائس وتطور الحال حتى أصبحت حتى في الميادين العامة، ثم دخلت ضمن الأنشطة المدرسية وغيرها لأهمية المسرح في توعية المجتمعات وتثقيفها.

ويبيّن -في حديثه مع الجزيرة نت- وسائل وطرق تعزز من دور المسرح في العراق والأنبار خصوصا، وذلك من خلال تفعيل دور المسرح المدرسي للطلاب، وتفعيل دور الفنانين وإشراكهم في عمل النصب واللوحات والأبنية في المحافظة بالتعاون مع البلديات وتنشيط الحركة الفنية والثقافية، مع إنشاء مسارح وقاعات في جميع الأقضية وإعطاء الفنان قيمته الحقيقية في بناء المجتمع ثقافيا وفنيا.

ويفيد الكحلي -المسؤول عن شعبة المسرح في نقابة الفنانين العراقيين فرع الأنبار- أن آخر مسرحية له عرضت في مهرجان المسرح المفتوح في الأنبار بعنوان "الشباك"، وهي تحكي واقع الشاب الأنباري وما يعانيه من ظروف قاسيه بسبب الجهل والعنف والخراب الذي حل بالمحافظة حتى أثر على تفكير أغلب الشباب بالعزلة والإحساس بالظلم والقهر فكريا ومعنويا.

ويوجز المخرج المسرحي أبرز المعوقات التي تواجه المسرح الأنباري، حيث تتمثل في عدم توفر الدعم اللوجستي والحقيقي من قبل الحكومة للفنانين، وكذلك عدم توفر القاعات المسرحية والمنح المالية لتسهيل أمور الفنانين.

ويلفت إلى أن إقبال الناس على المسارح في الأنبار ضعيف بسبب العادات والتقاليد التي جعلت معظم الناس يتمحورون على أنفسهم بأمور لا قيمه لها في تثقيف وتوعيه المجتمع، بحسب الكحلي.

المصدر : الجزيرة