كوبيليا.. معالجة عصرية لباليه من القرن الـ19 يحارب الزيف والحياة الاستهلاكية

كوبيليا عالم من السحر يعيش المشاهد خلاله حالة التضاد بين الجمال الحقيقي وجوهر النفس البشرية (مواقع التواصل)

بين بساطة الحياة الإنسانية بأدق تفاصيلها وتأثير ثقافة الاستهلاك والرأسمالية على البشر، جاءت المعالجة الدرامية بشكل معاصر لعرض الباليه "كوبيليا" (Coppelia)، الذي عرض للمرة الأولى في نهاية القرن الـ19، لكن هذه المرة من خلال عمل سينمائي يحمل الاسم نفسه، وهو إنتاج هولندي إنجليزي ألماني بليجيكي مشترك، وعرض الفيلم في أكثر من مهرجان عالمي ودولي، منها مهرجان آنيسي لأفلام الرسوم المتحركة في فرنسا 2021 والدورة الخامسة لمهرجان الجونة السينمائي في مصر.

معالجة معاصرة

اختار مخرج الفيلم جيف تيودور المعروف باهتمامه بتحويل العروض المسرحية الراقصة إلى السينما، إلى جانب ستيفن دي بيول، وهو مؤسس ستوديو رسوم متحركة، والمخرج بن تيسور، قصة "رجل الرمال" لإرنست هوفمان -التي تحولت إلى باليه "كوبيليا"- من أجل تقديمها بصورة معاصرة.

والقصة عن أحد الأشخاص الذي يصنع دمية ويرغب في أن يهبها الحياة، ولكن الفيلم اهتم بتقديم معالجة معاصرة تكشف القبح الذي يعيشه الإنسان، بعد أن وقع فريسة استغلال القوى الرأسمالية والاستهلاك، ووقع الأغلبية ضحية عمليات التجميل التي انتشرت في السنوات الأخيرة فطغت على المشاعر الإنسانية بعد أن باتت المادة هي المتحكمة في البشر.

موسيقى كلاسيكية معاصرة

جاء التعبير عن الرؤية الفنية من خلال الدمج بين الرسوم المتحركة بالتقنية ثلاثية الأبعاد، وبين راقصين من دول عديدة وسيلتهم في التعبير الرقص دون أي حوار أو كلمات، وهو ما ألقى العبء على الإيطالي موريزيو مالانياني صانع موسيقى الفيلم، والذي جمع بين الموسيقى الكلاسيكية والمعاصرة أيضا لتتماشى مع حالة العمل، ما بين أجواء وحالة السعادة والبهجة والحب التي تنقلها الموسيقى، وبين لحظات اليأس والترقب والخوف الشديد والإحباط، لتصبح الموسيقى من الأبطال الرئيسية للعمل الذي قرر صناعه ألا يحتوي على أي جمل حوارية.

كما استغل مخرجو الفيلم مهاراتهم في الرسوم المتحركة لبناء مدينة مليئة بالألوان المبهجة تعبر عن حالة البساطة والسعادة والحب التي يعيشها المواطنون، وبالأخص البطلة "سوان" والبطل "فرانس"، لكن تتبدل الأحوال حين يظهر طبيب التجميل الشهير كوبيليوس الذي يرغب في أن يسحب الروح من سكان المدينة من أجل الإنسانة الآلية المثالية التي ابتكرها والتي تدعى كوبيليا، فيظهر بسيارته الفاخرة والمبنى الضخم الذي لا يشبه المدينة في بساطتها وسحرها، وهو المبنى الذي يستخدمه في عمليات التجميل التي يقوم بها.

الجمال الزائف

عالم من السحر خلال 80 دقيقة مدة الفيلم، حيث يعيش المشاهد حالة التضاد بين الجمال الحقيقي وجوهر النفس البشرية، وبين تشوه المدينة بفعل ثقافة الاستهلاك التي تبدأ من الإعلان عن عمليات التجميل والوصول إلى الكمال وأكسير الحياة، حتى يقع الأغلبية في فخ هذا الطبيب، الذي يغير من ملامحهم كما يشاء وينجح في الاستيلاء على ما يميز أرواحهم من أجل أن يهبها لدميته التي صنعها "كوبيليا"، فتتبدل الأحوال وتقل المشاعر الإنسانية لصالح حالة الزيف التي يصنعها هذا الطبيب، لكن حين يقرر أن يوقع فرانس في خطته تبدأ سوان في إعلان حربها عليه لإنقاذ حبيبها، خاصة بعد أن تتغير معالم الجمال التي كانت تميز بلدتها وحل القبح بدلا منها.

التعبير عن الرؤية الفنية جاء عبر الدمج بين الرسوم المتحركة وراقصين من دول عديدة (مواقع التواصل)

البهاق

اختيار بطلة الفيلم ميكايلا دي برنس، وهي راقصة باليه أميركية سمراء مصابة بمرض البهاق الذي يظهر بوضوح على رقبتها لم يلجأ صناع الفيلم إلى إخفائه بأدوات التجميل، أضاف كثيرا لفكرة الفيلم التي تؤكد على تنوع الجمال البشري حتى مع الاختلاف، وقد نجحت ميكايلا في تقديم مشاهدها الراقصة بخفة وبراعة بجانب ملامح وجهها المعبرة.

باليه سينمائي

نجح صناع فيلم "كوبيليا" في تقديم حالة الفجوة بين الحياة الطبيعية الساحرة والقبح الذي تعيشه البشرية الآن بفضل الثقافة الاستهلاكية وانتشار عمليات التجميل التي سيطرت على البشر من خلال لوحات استعراضية لباليه راقص في تجربة غير تقليدية على شاشة السينما.

المصدر : الجزيرة