لاكروا: مدينة البصرة.. مياه مالحة وملوّثة وغضب من السلطة
وفي تقرير لمراسلتها الخاصة في المحافظة نويي بنيد، قالت الصحيفة إن هذا الوضع دفع سكان هذه المدينة، التي يبلغ مستوى الفقر فيها ضعف مستواه في بقية العراق، إلى التظاهر والاحتجاج منذ أربعة أشهر على نقص الخدمات العامة وسيطرة بغداد على موارد محافظتهم من المياه والنفط.
بيع المواشي
وأوردت المراسلة كمثال على ما أصاب أهل هذه المحافظة من ضيق وشظف عيش، قصة عباس عبد الصالح، إذ كان بإمكانه بهكتاراته الأربعة وقطيعه المكون من ثلاثين شاة وبضع بقرات أن يكسب ما يبلغ 25 مليون دينار في السنة، أي حوالي 20 ألف يورو.
لكن ها هو عباس اليوم ينظر بأسى إلى أرضه المتشققة التي جففتها الأملاح ولم يعد يرى فيها سوى بعض الحشائش الضارة، ويعلق بصوت مبحوح قائلا "في الماضي، كان كل شيء هنا أخضر يانعا، كنت أزرع الخضروات والعلف للحيوانات وكذا التمر والتفاح".
ويضيف عبد الصالح "لكن هذا العام فقدت كل شيء. ولم يعد أي شيء ينمو هنا، لدي ثلاثة أطفال عليّ إطعامهم، مما يضطرني لبيع ما لدي من مواش"، وحتى لسقي هذه المواشي لا يجد عبد الصالح أمامه بدا من أن يستخدم قنينات الماء لملء الأحواض الضرورية لذلك، وفقا للمراسلة.
تراجع تدفق المياه
يقع نهر شط العرب الذي يروي الأراضي الزراعية في محافظة البصرة عند التقاء نهري دجلة والفرات، لكن الملوحة -وفقا للمراسلة- زادت فيه عشرين ضعف أعلى متوسط ينبغي أن لا تتجاوزه، وهو ما يعتبر رقما قياسيا.
وتنسب نويي بنيد لدارسة أعدتها جامعة البصرة قولها إن تدفق الماء إلى النهرين تناقص خلال نصف القرن الأخير بنسبة 40%، وهو ما يعتبر هبوطا هائلا تسبب في ارتفاع نسبة المياه المالحة التي تنساب من الخليج العربي إلى مجرى شط العرب، الأمر الذي نتجت عنه كارثة بيئية، فاقمتها الزيادة في عدد السكان وبالتالي في استهلاك المياه.
وينضاف لهذه الظاهرة، حسب الكاتبة، تراجع المعروض من المياه بسبب وجود 56 سدا سوريا وعراقيا وإيرانيا وتركيا شيدت من منبع النهريْن إلى أن يصلا إلى مصبهما في البصرة.
تنظيم تقاسم المياه
وتنقل في هذا الصدد عن المهندس الزراعي بمديرية الزراعة في البصرة علي سالم قوله إن المشكلة نابعة كذلك من سوء إدارة الموارد المائية من قبل الحكام الذين تعاقبوا على العراق، إذ إن "نهري دجلة والفرات يعبران ثماني محافظات عراقية قبل أن يصلا إلى البصرة، ويتم استغلال مياههما دون اعتبار لنا في البصرة".
وأكد علي سالم أن الأمر يتطلب أن تقوم الحكومة في بغداد بتنظيم تقاسم المياه بشكل عادل كي تأخذ كل محافظة حصتها من المياه.
ولفت المهندس إلى أن هذه العوامل التي فاقمها فصول صيف أكثر جفافا بشكل متزايد، بعثت اليأس في نفوس المزارعين في جنوب العراق، مما أدى إلى هجر أربعة آلاف منهم، منذ بداية العام الحالي، أراضيهم الزراعية.
وحفزت الأزمة الزراعية والصحية، حسب المراسلة، احتجاجات في هذه المحافظة، قمعتها السلطات وقتل فيها 23 شخصا وجرح زهاء 100.
ولفتت الكاتبة إلى أن المظاهرات التي شهدتها البصرة أظهرت لأول مرة حركة لمواطنين يعربون علنا عن معاداتهم للنخبة السياسية الشيعية التي تدعي أنها تمثلهم، على حد تعبيرها.
ونقلت في هذا الإطار عن سمير جليم المالكي، أحد منظمي هذه الحركة، قوله "إنهم يستحوذون على مياهنا ونفطنا ويريدون أن نظل صامتين"، مضيفا أن "الأحزاب السياسية الإسلامية الفاسدة لا تهتم بمن هم مثلنا من الأشخاص"، على حد قوله.