إنذار تركي لسوريا (2-2)
" تركيا تدرك جيدا أن مصر لا غنى عنها في نهوض العالم العربي أو قعوده, وإذا كان للعالم العربي أبواب عدة، فالذي لا شك فيه أن مصر هي بابه الأكبر " |
أضاف: لقد شهد العالم متغيرات كثيرة خلال العقدين الأخيرين، وكان سقوط جدار برلين علامة فارقة في ذلك. لكن الأوضاع في العالم العربي ظلت بعيدة عن التحولات التي شهدها العالم، بالأخص ما تعلق منها بالحريات العامة. وحين تلاحقت الثورات في العالم العربي منذ بداية العام الحالي، فإن ذلك كان إيذانا ببدء عصر الشعوب وانتهاء زمن الاستبداد، وكان ذلك هو الدرس الذي تعين على الجميع استيعابه، ولئن بدا أن البعض لم يتسلموا رسالته في الوقت الراهن، إلا أن ذلك لن يغير من الأمر شيئا، لأن عجلة التاريخ إذا دارت فسوف يتعذر إعادة عقارب ساعته إلى الوراء، حيث لن يصح إلا الصحيح في نهاية المطاف.
قلت: هل استشعرت تركيا أن مصر في العهد السابق تعاملت معها بدرجات من التردد والحذر؟
قال: هذا صحيح، وإن كان ذلك لم يؤثر على مجالات التعاون الاقتصادي. كما أننا حين عرضنا إلغاء تأشيرات الدخول بين البلدين أسوة ببعض الدول العربية الأخرى، فإن الفكرة قوبلت ببعض التحفظ، مما دفعنا إلى طرح بدائل أخرى تيسر على أصحاب المصالح في مصر دخول تركيا وقتما يشاؤون. وفي كل الأحوال فإننا ظللنا نتفهم الموقف المصري ونقدر وجهة النظر التي يعبر عنها. وبعد قيام الثورة واستعادة الشعب قراره وإرادته فإننا نرى أن مصر صوبت مسيرتها واختارت الطريق الصحيح للتقدم والنهضة، الأمر الذي يفتح أمام العالم العربي طريق الأمل والتفاؤل.
" أردوغان: أخشى أن ينتهي الأمر بإشعال نار الحرب الأهلية بين العلويين والسنة، ذلك لأن النخب العلوية تهيمن على مواقع مهمة في السلطة وفي قيادة الجيش والأجهزة الأمنية، وأن يتجه غضب الجماهير إلى تلك النخب بصفتها المذهبية " |
* سألته: ماذا كان الرد السوري؟
** قال: ظللنا نسمع وعودا ولا نرى لها حضورا على الأرض.
* قلت: الرئيس عبد الله جول قال إنه فقد الأمل في إصلاح النظام السوري.
** قال: ليس هذا رأيه وحده للأسف، ولكنني أيضا أشاركه هذا الشعور باليأس.
* قلت: هل يمكن أن يكون هناك إمكانية لإنقاذ الموقف بعد قتل نحو ثلاثة آلاف مواطن سوري، فضلا عن إصابة واعتقال آلاف آخرين.
** قال: لن نكف عن السعي والتحرك ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، فسوريا بالنسبة لتركيا ليست بلدا عاديا، ولكنها جار نشترك معه في حدود بطول 910 آلاف كيلومتر، وبيننا وشائج ومصالح مشتركة يتعذر تجاهلها، وإلى جانب أن رهاننا الحقيقي والنهائي على الشعب السوري، إلا أننا ندرك جيدا أن استقرار الوضع هناك جزء من أمننا القومي، لا نستطيع أن نتجاهل استحقاقاته، لذلك فإننا لا نخفي قلقنا على سوريا وخوفنا من سيناريوهات مستقبلها.
** قال: أخشى أن ينتهي الأمر بإشعال نار الحرب الأهلية بين العلويين والسنة -ذلك لأننا نعلم أن النخب العلوية تهيمن على مواقع مهمة في السلطة وفي قيادة الجيش والأجهزة الأمنية- وأن يتجه غضب الجماهير إلى تلك النخب ليس فقط باعتبارها أداة السلطة في ممارسة القمع، ولكن أيضا بصفتها المذهبية. وللأسف فإن النظام يلعب الآن بتلك الورقة الخطرة، لأن بعض المعلومات المتسربة تشير إلى أن نسبة قليلة ممن يوصفون بـ"الشبيحة" ينتمون إلى الطائفة العلوية، وهو ما يعمق الفجوة بينهم وبين الأغلبية السنية، ويثير ضغائن لا علاقة لها بالانتماء المذهبي، وإنما زرعها وغذاها الصراع السياسي الذي اتسم بقصر النظر، حتى بدا أن السلطة فيه مستعدة لإشعال حريق كبير في البلد لكي تستمر.
** قال: على المستوى الرسمي لم تتأثر علاقاتنا بطهران، علما بأن العلاقات الاقتصادية تحتل حيزا كبيرا في مبادلات البلدين، فإيران تعد المصدر الأول للغاز الذي تتلقاه تركيا، كما أن التبادل التجاري بين البلدين يصل إلى 10 مليارات دولار، وثمة اتفاق بين بلدينا على الارتفاع به إلى 15 مليار دولار في عام 2015.
" أردوغان ناصحا الإيرانيين: لا تدللوا النظام السوري حتى لا يذهب إلى أبعد مما ذهب إليه ويأخذكم معه، ولكن انصحوه قبل فوات الأوان وحين لا ينفع الندم " |
أضاف، إنه من ناحية ثانية فإن التراشق الإعلامي الحاصل يظل في الحدود المحتملة، ثم إنه لم يتحول إلى موقف رسمي أو خطاب عبرت عنه الحكومة.
* قلت: هل لاحظت تحولا نسبيا في لغة رئيس الجمهورية الإيرانية إزاء سوريا؟
** قال: نعم لاحظته، وأحسب أن لتركيا دورا في تصويب الخطاب الإيراني، لأن بين بلدينا اتصالات ومشاورات مستمرة، أوضحنا لهم خلالها العواقب الوخيمة التي يمكن أن تحدث لسوريا في ظل استمرار السياسات القمعية الراهنة، ودعوناهم إلى المراهنة على الشعب السوري والثقة في مواقفه، وقلنا لهم صراحة لا تدللوا النظام السوري حتى لا يذهب إلى أبعد مما ذهب إليه ويأخذكم معه، ولكن انصحوه قبل فوات الأوان وحين لا ينفع الندم. وما تحدث به الرئيس أحمدي نجاد كان من قبيل النصح الذي دعونا إليه.
ختم أردوغان إجابته بقوله إن وزير الخارجية أحمد داود أوغلو سيزور طهران قريبا لمواصلة التشاور حول الوضع السوري، وبعده بقليل سأقوم بزيارة طهران ولقاء مسؤوليها، لحسم بعض الأمور العالقة وتعزيز مجالات التعاون بين البلدين.
** قال: القذافي لم يستوعب جيدا ما حدث للرئيسين مبارك وزين العابدين بن علي، ومصالحنا كانت -ولا تزال- مع الشعب الليبي بصرف النظر عن نظامه، وحين كان علينا أن نختار بين الوقوف مع النظام وبين مساندة الشعب الليبي فإننا حسمنا خيارنا إلى جانب الشعب.
** قال: سأختصر ردي في نقطتين، الأولى إننا ضد التدخل الدولي في ليبيا. والثانية إننا نعتبر أنه لا حق للدول الغربية في النفط الليبي ولكنه ملك خالص لشعبها. وأضيف أن فرنسا حاولت أن تقوم بدور منفرد في ليبيا بدعوى مساندة الثورة، وأصبح لها وجودها على الأرض هناك، لكن هذا المسعى لم ينجح، خصوصا بعد تدخل حلف الناتو، حتى مؤتمر باريس الذي دعت إليه الحكومة الفرنسية لم يحقق النجاح الذي كان مقدرا له.
* قلت: حلف الناتو يجسد التدخل الدولي، ثم إن تركيا اشتركت في مساندة الثورة؟
** قال: كانت هناك مشكلة أحدثها نظام العقيد حين أصر على مهاجمة الذين عارضوا نظامه، واستخدم في ذلك الأسلحة الثقيلة التي عرضت حياة المدنيين للخطر. وتمثلت المشكلة في أن الثوار كانوا مخيرين بين التعرض للإبادة من جانب قوات القذافي وبين الاستعانة بقوات حلف الناتو، وكأنه كان اختيارا بين شرين، شر أكبر تمثل في التعرض للإبادة وشر أصغر تمثل في الاستعانة بغطاء الحلف، وقد اختار الليبيون الشر الأصغر.
** قال: كانت لنا عقود سابقة سنستأنف العمل في تنفيذها، وخطوط الطيران بين بلدينا سوف تستأنف عملها خلال أسبوع، وإذا ما استقرت الأوضاع تماما في ليبيا ستعود العلاقات إلى حالتها الطبيعية، لأن وجودنا لم يكن طارئا، فلا هو مرتبط بتوقيت معين ولا بنظام معين.
" الدعوة إلى تصفير المشاكل لا تعني أننا سنعيش بلا مشاكل, ولكنها تعني تهدئتها أولا بأول، لأننا لا نستطيع أن نستمر في التنمية أو التقدم بينما المشاكل تلاحقنا وتحيط بنا من كل صوب " |
في رده قال إن الدعوة إلى إنهاء المشاكل لا تعنى أننا سنعيش بلا مشاكل، ولكنها تعني تهدئتها أولا بأول، لأننا لا نستطيع أن نستمر في التنمية أو التقدم بينما المشاكل تلاحقنا وتحيط بنا من كل صوب. بالتالي فهذه الدعوة ليست إجراء وقتيا ينصب على مرحلة بذاتها، ولكنها سياسة مستمرة نلتزم بها لتأمين مسيرتنا وعلاقاتنا مع جيراننا ومع العالم.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.