باحث: تركيا تتدخل لوضع سقف لأكراد سوريا
أجرى المقابلة: أحمد الزاويتي ومحمد العلي
ورأى -في مقابلة تمحورت حول آفاق الخلاف الأميركي التركي حول سوريا- أن خطوط أنقرة الحمراء في سوريا تغيرت مرارا، لكنها لن تألو جهدا للتدخل "لوضع حد وسقف للحقوق السياسية التي يمكن أن ينالها الكرد في سوريا المستقبل".
وفي قراءته للتطورات العسكرية الجارية حاليا في شمال سوريا، قال أحمد علي -وهو رئيس تحرير مجلة الحوار الكردي العربي- أن الاتصال بين الكانتونات الكردية الثلاثة (الجزيرة، عين العرب-كوباني، عفرين) بات "وشيكا وممكنا عبر الريف الشمالي لكل من الباب ومنبج".
في ما يلي نص المقابلة
لا شك. التفاهم الروسي الأميركي غير مستقبل سوريا برمته، وقد ينسحب ذلك على المنطقة أيضا. يبدو لي أن تركيا سارعت للتراجع أمام روسيا لقطع الطريق على مسألة في غاية الخطورة بالنسبة لأمنها القومي، وهي تتلخص في الدعم الروسي الأميركي المشترك لقوات سوريا الديمقراطية، وبالتالي للجناح الكردي المهيمن عليها، وهذا ما لم يحدث قط في التاريخ المعاصر. لا أتوقع أي تصعيد من قبل حزب العدالة والتنمية ورئيسه أردوغان ضد أميركا، فقد خسرت حكومة حزب العدالة الشوط الأكبر من معركتها، ولا بد من أن تعيد حساباتها، وأن تخفض من سقف أحلامها الإقليمية، إزاء ما قد ينتج عن التفاهم الأميركي الروسي الذي هو أهم من أي تفاهم آخر سواء مع تركيا أو غيرها، بل تركيا أكثر إستراتيجية من مستقبل العلاقات التركية الأميركية، سواء على صعيد المنطقة أو العالم.
لا أستطيع تحديد الخطوط الحمر من وجهة نظر أنقرة، فدقة الخطوط تخص مراكز القرار في تركيا، لكن ما يستشف من التصريحات المتكررة للسلطات التركية أنها لن تسمح بنشوء وضع مشابه لما حدث في العراق، بمعنى لن تسمح بتكوين كيان فدرالي كردي حسب الدستور وعلى أرض الواقع. بصيغة أكثر إسهابا كانت تركيا طوال عهدها الجمهوري تبدي حساسية عالية تجاه المتغيرات في الساحة السورية عموما وما يخص أكراد سوريا وبلاد الشام على وجه الدقة، فلقد سبق أنها اعترضت على اسم فريق رياضي بمدينة دمشق (فريق كردستان الرياضي) أوائل ثلاثينيات القرن الماضي، وينبغي قياس المسألة الأهم على ذلك.
أما بالنسبة لطبيعة خطوط تركيا الحمراء في سوريا فقد تغيرت وتمت إعادة رسمها مرارا وتكرارا، فقد كانت حمص خطا أحمر وحلب لاحقا، وكذلك تم تعديل هذا الخط بصدد عدد اللاجئين، وبالتالي لم يعد لهذه الخطوط الحمراء أي معنى في جوهرها السياسي، ولكن يمكن القول إن تركيا جادة في التدخل لوضع حد وسقف للحقوق السياسية التي يمكن أن ينالها الكرد في سوريا المستقبل، وأخشى أن تضحي من أجل ذلك بحقوق كل السوريين وتدير الظهر لمعاناتهم وتضحياتهم، وهذا ما استشرفناه وتوقعناه منذ مطلع الانتفاضة الشعبية السورية.
لا أعتقد ذلك من حيث المبدأ، فقوات سوريا الديمقراطية -والتي عمادها قوات الحماية الشعبية- تتبع خطا سياسيا كردستانيا يسراويا (أي مدعي اليسارية) ليس لديه مشروع قومي متبلور، ولا هو بصدد رفع سقف المطالب، لكن تحسن قدراته العسكرية سيزيد من فعاليته السياسية وربما تشبثه بالأرض، وقد يبدي قوة وممانعة أكثر لعملية التبعية للنظام، وفي جميع الأحوال فهو منخرط تماما في الحرب على تنظيم الدولة، بصرف النظر عن طبيعة أسلحته، وسيتابع حربه دون أن يربط جهده العسكري بأجندات سياسية خاصة، وهذا الموقف شبه التطوعي على ما يبدو يقف وراء راحة واطمئنان كل الأطراف الفعالة في الساحة السورية (أميركا، روسيا، إيران، وحتى نظام الحكم في دمشق).
المناطق ذات الغالبية السكانية الكردية التي أشرت إليها كانت مترابطة تاريخيا إبان الحكم العثماني، ولم تكن بهذه الصيغة لا إداريا ولا اجتماعيا، ولقد بدلت عملية تشكل دولة سوريا المعاصرة الكثير من التوزيع الديمغرافي والاجتماعي في أغلب المناطق داخل الدولة بما فيه المناطق الشمالية، وإذا افترضنا أن هذه السلطة الموازية والمستظلة بقوات سوريا الديمقراطية ستستمر، فإن احتمال اتصال هذه المناطق وارد، كما أن احتمال أن تضم مناطق ذات غالبية عربية وأخرى تركمانية وارد أيضا، سواء في سياق الحرب على تنظيم الدولة أو غيرها من المبررات.
أما بالنسبة لمنبج المدينة فهي لا تغير كثيرا في هذا المشروع الجغرافي السياسي، بل يبدو لي أنها معركة تخص قضية أكثر أهمية بالنسبة للمعادلة السورية. الاتصال بين الكانتونات الثلاثة بات وشيكا وممكنا عبر الريف الشمالي لكل من الباب ومنبج، وهو ريف فيه ثقل سكاني كردي كبير، مع حسن علاقات مع الجوارين العربي والتركماني. وحتى لو تشكل تواصل جغرافي افترض بأن تركيا لديها ما يكفي من المشاكل الداخلية والخارجية بحيث لن تتدخل عسكريا في الشأن السوري، خاصة أنها لم تتدخل عندما كانت تمتلك من القوة ومبررات التدخل أكثر مما في هذا الوقت. علما بأن تركيا باتت تنخرط هذه الأيام في التفاهمات الإقليمية والدولية بشكل ملموس، لدرجة أن أجنداتها في سوريا تقترب من أجندات التحالف الدولي ومشروع التسوية السياسية للمسألة السورية.
نعم هذا ممكن، ولكن يبدو أن الخلاف الأميركي حول الملف السوري لم يكن بسبب موقف إدارة أوباما فقط أو شخصه، وإنما لها أبعاد مركبة، ويمكن إحالته إلى الخلاف بين البنتاغون و"سي.آي.أي" من جهة، إدارة الحزب الديمقراطي ومنظورها للأزمة والكونغرس من جهة أخرى، فالموقف الأميركي القادم سيخضع لنفس العلاقات الخلافية المركبة، ولا أتوقع تغييرا جوهريا في سياسة الإدارة الأميركية القادمة، إلا في حال فوز ترامب، واختياره لطاقم جمهوري ذي رؤية سياسية وأيديولوجية راديكالية خاصة بمنطقة الشرق الأوسط والعالم، يبدو لي أن المشكلة ليست أميركية فحسب بل ترتبط بالنظام العالمي السائد، وهو نظام تميع وأصبح ذا طابع محافظ في السنوات الأخيرة.
هو يستند إلى سلوك حزبي تعبوي موضوعي لرفع معنويات أنصاره ومؤازريه، كما أن قوة حلفائه ودعمهم قد تساهم في تحقيق هذه الأمنية التي لم تعد صعبة ولا مستحيلة في جانبه العملي والتطبيقي، أما من الناحية السياسية فأعتقد أن الموضوع أصعب، وإن كان سيندرج في سياق الحرب على الإرهاب. كما يبدو لي أن ربط الكانتونات الثلاثة يؤدي بصيغة ما -وفي سياق موارب- وظيفة المنطقة العازلة التي طلبتها تركيا سابقا، ليس من منظور السيد صالح مسلم وحلفائه فقط، ولكن لأنه في الواقع ستكون لها وظيفة واضحة تتلخص بمواجهة "تنظيم الدولة" حصرا، وليس لمواجهة المتغيرات السياسية على الأرض كما تريد أنقرة، وكما تخطط للمنطقة العازلة.