لحظات الناجين الأخيرة في مذبحة رفح

جثامين شهداء المجازر الإسرائيلية لا تتسع لها ثلاجات الموتى (الجزيرة)

محمد عمران-رفح

إعلان

لا تزال تفاصيل مذبحة رفح جنوب قطاع غزة شاخصة أمام أنظار من نجوا من موت كاد أن يقع لولا مشيئة الله التي قدرت تأخر بعضهم لدقائق معدودة قبل الوصول إلى مكان القصف، أو خروج بعضهم قبل لحظات من سقوط الصواريخ، وحتى نجاة البعض لتمكن الطواقم الطبية من إنقاذهم بعد ساعات ظلوا فيها ينزفون تحت الركام.

حكاية الستيني مسلم أبو عواد تجسد جزءا من تفاصيل النجاة من المذبحة، فعودته إلى مكان سكناه شرق رفح خلال ساعات التهدئة قبل إلغائها من إسرائيل الجمعة الماضية كادت أن تفقده حياته، عندما انهالت على منزله القذائف المدفعية بشكل متواصل، ليصاب بجروح غائرة في أنحاء متفرقة من جسده.

عندها اعتقد أنه قاب قوسين أو أدنى من الموت، فنزيف الدم يتواصل دون توقف، وسيارات الإسعاف لم تفلح في الوصول لإنقاذه من شدة القصف، "كنت أشاهد دمي يراق على الأرض، وأستشعر قرب نهاية الأجل لأكثر من ست ساعات"، يقول مسلم للجزيرة نت وهو يرقد على سرير الاستشفاء بمستشفى الكويت في رفح.

إعلان

ويضيف ومعالم الألم تسيطر على تفاصيل وجهه "لو لم أنقل للمستشفى لبقيت أنزف حتى النهاية، لكن الله قدر لي الحياة، أما العشرات ممن شاهدتهم ينزفون في منطقتي فقد انضموا إلى قائمة الشهداء".

‪مسلم أبو عواد ظل ينزف لست ساعات قبل إنقاذه‬ (الجزيرة)

تأخر فنجا
وتتشابه نهاية قصة الشاب فتحي الدباري مع سابقه، لكن الاختلاف يكمن في تفاصيل النجاة من الموت، فتأخره لدقائق معدودة عن العودة إلى مدرسة الأونروا التي قصفها الاحتلال كانت كفيلة ببقائه على قيد الحياة، بخلاف بعض جيرانه الذين قضوا أو أصيبوا.

ويؤكد فتحي -الذي لن يتمكن من السير على قدمه اليسرى قبل عدة أيام- أن المسافة قصيرة بين الحياة والموت في القطاع، فمحاولة البحث عن مكان آمن لا تعني ضمان عدم الاستهداف، مضيفا للجزيرة نت أن هذا ما حدث لأقاربه الذين فروا من أماكن القصف بحثا عن الحياة، ليلاحقهم الموت في مدرسة تابعة لوكالة الغوث الدولية.

وبينما علا صراخ ابنها من الألم وهي تحرك جسده إلى الجهة اليسرى، تدخلت أم فتحي لتخبره بضرورة الصبر والاحتمال، فمصيره أفضل بكثير ممن كانوا إلى جانبه وقد استشهدوا أو فقدوا جزءا من أطرافهم.

‪فتحي الدباري نجا من مجزرة مدرسة وكالة الأونروا‬ (الجزيرة)

وجهان لعملة واحدة
وتروي أم فتحي جزءا من مشاهد الحياة والموت التي اجتمعت في مكان واحد، فخلال وجودها في مدرسة وكالة الغوث التي لجأت إليها كالكثيرين من سكان رفح كان أشقاء جيرانها يحاولون شراء احتياجاتهم من خارج المدرسة، بعضهم كان عائدا للتو، بينما تأخر بعضهم قليلا ليتصادفوا مع لحظة القصف، فينجو من عاد مبكرا ويستشهد من تأخر لبرهة من الوقت.

وتقول في حديثها للجزيرة نت إن واقع الحرب التي عاشتها خلال الأيام السابقة جعلت من الحياة والموت وجهين لعملة واحدة، لأنهما يحدثان في اللحظة ذاتها لأشخاص في المكان نفسه، معتبرة أن قصص الموت التي شاهدتها مروعة وقاسية في تفاصيلها، وتستحق أن توثق لإدانة الاحتلال على جرائمه.

المصدر : الجزيرة

إعلان