يلعبها 125 مليون شخص.. كيف يمكن لفورت نايت أن تحدث تأثيرا عالميا؟

صدرت لعبة الفيديو “فورتنايت باتل رويال” قبل عام واحد وبالتحديد في سبتمبر/أيلول 2017. مذَّاك، حصدت اللعبة إعجاب 125 مليون لاعب نشط حتى يونيو/حزيران، و1.2 مليار دولار للشركة المطورة، وهي شركة “إبيك جيمز”. كما ذُكر اسم اللعبة في 200 حالة طلاق في أميركا، والعديد من المضايقات أيضا، حيث هدد رجل يبلغ 45 عاما من العمر صبيا يبلغ من العمر 11 عاما، بالقتل بعدما خسر أمامه في اللعبة. وسواء أحببتها أم لا، يطرح السؤال نفسه: كيف صنعت الشركة لعبة بهذا التأثير الاجتماعي والاقتصادي والنفسي الهائلين؟

     

“فورتنايت” هي مزيج من عناصر مأخوذة من ألعاب حديثة ذائعة الصيت مثل “ماينكرافت” و”بابجي” و”بلاير أوفر ووتش”، واللعبة بسيطة بشكل مخادع؛ حيث يوضع ما يصل إلى 100 لاعب في بيئة آخذة بالتقلص، والهدف هو أن يظل الشخص الأخير (أو الفريق الأخير) على قيد الحياة. الأمر يشبه كثيرا فيلم “ألعاب الجوع”. ويقترن نجاح “فورتنايت” بثلاثة مبادئ: الإتاحة، وقدرة الفرد على أن يكون جزءا من مجموعة، والإمتاع البصري.

إعلان

     

الإتاحة

اللعبة مجانية تماما، وقد أصبحت اعتبارا من أغسطس/آب 2018 متوفرة على كافة المنصات والأجهزة، من الهواتف المحمولة إلى أجهزة الكمبيوتر الشخصية وأجهزة ماك. أما قواعد اللعبة فسهلة للغاية: ابق على قيد الحياة، وإذا ما تحرك شيء ما، فقم بقتله. لا تستغرق اللعبة سوى دقائق معدودة للغاية فمتوسَّطها هو عشرون دقيقة لكل مرة. ظهر نموذج الألعاب المجانية أواخر التسعينيات حيث قاد الإنترنت تحولا اجتماعيا وثقافيا في الطريقة التي ننظر فيها إلى الترفيه ونستخدمه. الآن ينحو الناس إلى الاستثمار أكثر في مكتبة متطورة للمحتوى يمكن الوصول إليها في أي وقت، عوض المحتوى الثابت المحدود.

إعلان

     

   

يُوصف هذا التحول بأنه انتقال من تقديم “منتج” إلى تقديم “خدمة”. كان صناع الألعاب، كما دأبوا دوما، من السبَّاقين إلى ابتكار أنماط جديدة، فقدموا للمستخدمين محتوى قابلا للتحميل برسوم مالية. وأصبح المحتوى القابل للتحميل واسع الانتشار مع توفر الاتصالات ذات النطاق العريض وإصدار الهواتف الذكية. لاحقا، أطلق المطورون ألعاب فريميوم، وهي ألعاب مجانية لكنك تدفع المال مقابل الحصول على مزايا احتكارية. لكنّ تحويل اللاعبين إلى مشترين مهمة صعبة للغاية؛ فمعدّل تحويل 2٪ من اللاعبين مثلا أمر صعب.

 

إعلان

لكن تمكّنت “فورتنايت” من تحقيق معدل تحويل مذهل يبلغ 68.8٪، مع معدل إنفاق منتظم يبلغ 85 دولارا، ومتوسط ​​الإنفاق هو 850 “V-bucks”، وهي عملة “فورتنايت” داخل اللعبة. إنها خدعة كلاسيكية في علم النفس ومعروفة بخدعة الملاهي والبنوك: حيث إن تبديل المال الحقيقي بشيء مثل دولار ديزني أو عملة افتراضية يهون ألم فراقك المال الذي اكتسبته بشق الأنفس. وتنشط شركة إيبيك للغاية هنا، حيث تقوم بالإنصات إلى قاعدة اللاعبين وتحديث المحتوى باستمرار لجمع المزيد من عملة “V-” باكز من جيوب اللاعبين.

  

الجانب الاجتماعي
إعلان

هذا يؤدي إلى المبدأ الثاني: فقد بُنيت “فورتنايت” لتكون اجتماعية. عندما تدفع المال، فأنت في الغالب تشتري مواد تجميلية مثل الملابس الجديدة أو الرقصات والحركات. لا تقتصر هذه العناصر على توفير مزايا اللعب، بل تتعلق باللاعبين الراغبين في التعبير عن أنفسهم. وتساعد الإتاحة هنا مجددا؛ فبما أن اللعبة مجانية وعلى كل منصة رئيسية، يمكن للمستخدمين اللعب مع الأصدقاء سواء على الهاتف أو وحدة التحكم أو الكمبيوتر، ما يكفي من الوقت يمر في اللعب ويولّد إحساسا بالاستثمار النفسي، حيث يصبح إحساس الشخص بهويته مرتبطا باللعبة.

      

إعلان

  

عند هذه النقطة، يمكن لـ “فورتنايت” تنشيط المحفزات النفسية، التي تعتمد في الغالب على المشاعر السلبية مثل الخوف من التفويت أو ما يعرف بالـ “FOMO” عن طريق إرسال إشعارات على النظام الأساسي الذي تختاره عندما يبدأ أحد الأصدقاء بالانضمام للعبة، وهو ما يدفع اللاعبين إلى التفاعل مع اللعبة مرة أخرى. وبالطبع، فإن الجانب السلبي لهذا هو الشعور بأنك مضطر للعب حتى في لحظات غير ملائمة. حيث وجد استطلاعا أميركيا أن 35٪ من الطلاب قد تغيبوا عن المدرسة، و20.5٪ من العمال قد فاتهم العمل من أجل لعب “فورتنايت”. وكما ذكرنا سابقا، تم ذكر الإدمان على “فورتنايت” وغيرها من الألعاب عبر الإنترنت في 200 حالة طلاق.

إعلان

  

المتعة البصرية

من المعروف لدى مطوري الألعاب أنه بالنسبة للاعب فإن خسارة مباراة هي لحظة مروعة. لذا إذا كنت ستجعل اللاعب يخسر حاول أن تجعل الفشل ممتعا. وبناء على الاجتماعية تجعل “فورتنايت” الفشل نافذة للمشاهدة والاستمتاع. عندما يتم استبعادك، يمكنك مشاهدة زملائك في الفريق، أو اللاعب الذي أخرجك وهو يستمر في اللعب. هذه بالطبع فرصة رئيسية لمنافسيك لإطلاق العنان في إظهار أحدث وأرقى حركات رقص، وتوفر مواد رائعة لتشاهدها. ومن هذا المبدأ يكسب شخص يُدعى تايلر بيلفنز ما يصل إلى 500 ألف دولار أميركي شهريا من خلال عرض جلسات لعبه في “فورتنايت” على يوتيوب ومواقع بث أخرى ويحظى بشعبية كبيرة حيث من المقرر أن يظهر على الغلاف في عدد أكتوبر/تشرين الأول من مجلة “ESPN” الرياضية.

إعلان

 

يقود أسلوب الكارتون في اللعبة الكثير من هذه المشاهد الممتعة، مما يسمح بمجموعة واسعة من خيارات الموضة؛ مثل شكل أبطال نينجا يطلقون أشعة الليزر، والقتلة الذين لهم رأس تشبه الطماطم يطلقون “قنابل رقص” تجعل الأعداء يرقصون. وهذا يعزز مرة أخرى الإتاحة والتفاعل الاجتماعي، حيث يشعر الجميع بالترحيب، ويجد الجميع شيئا معبرا عن أنفسهم.

       

إعلان
فورتنايت والإدمان

أقرت منظمة الصحة العالمية (WHO) للمرة الأولى مصطلح “اضطراب الألعاب” -وهو اللعب القهري لألعاب الفيديو- بوصفها حالة طبية قابلة للتشخيص. وسيتم إدراج الحالة الجديدة في الطبعة الحادية عشرة من التصنيف الدولي للأمراض الذي تصدره منظمة الصحة العالمية، المقرر صدوره هذا الشهر. يوصف الاضطراب بأنه التالي:

      

إعلان

   

عدم القدرة على التحكم في لعب (الفيديو)، وزيادة الأولوية المعطاة للألعاب على الأنشطة الأخرى إلى الحد الذي يكون للألعاب الأولوية على الاهتمامات والأنشطة اليومية الأخرى، واستمرار اللعب أو زيادته بالرغم من حدوث نتائج سلبية. ولكي نصف الشخص بأنه مدمن ألعاب، يجب أن تستمر هذه الأعراض لمدة 12 شهرا على الأقل. والفائدة من تضمينه كمرض هو أنه سيعطي المهنيين في مجال الصحة العقلية أساسا لوضع العلاج وتحديد المخاطر.

إعلان

 

وقد صدر القرار بعد الانتشار الهائل للعبة الفيديو الجديدة “فورتنايت”. وأدى تركيز الأطفال الشديد على لعبها إلى الكثير من القلق للآباء. ومع ذلك، لا يعتقد الجميع أن إدمان الألعاب يمكن أن يكون حالة طبية حقيقية، حيث تقول الجمعية الأميركية للطب النفسي إن هناك نقصا في الأدلة التي تدعم فكرة أن إدمان الألعاب هو اضطراب عقلي، وأن أعراض الحالة ليست واضحة، وأنه من الضروري إجراء مزيد من البحوث. وتقول جمعية علم النفس والتكنولوجيا، وهي فرع من جمعية علم النفس الأميركية، إن قرار منظمة الصحة العالمية كان نتاج ذعر أخلاقي وليس مبنيا على أساس علمي. وبالبحث المكثف حول تأثير التقنية على حياة الأطفال والشباب فإن ممارسة ألعاب الفيديو أكثر من مجرد سلوك سريري. والسبب الذي يجعل الأطفال يلعبون -ويفرطون في لعب- ألعاب الفيديو لا يتعلق بالتكنولوجيا بقدر تعلقه بتلبية احتياجاتهم الاجتماعية.

 

إعلان

لدى الأطفال والمراهقين انجذاب ورغبة عالية للتواصل مع أقرانهم اجتماعيا، وتجربة أشياء جديدة، خاصة الأشياء التي تختلف عن ما تفعله عائلاتهم وهو ما توفره لعبة “فورتنايت”. غالبا ما يكون أولياء الأمور في الوقت الحالي أكثر تقييدا للأطفال ولا يسمحون لهم بالانطلاق في الهواء الطلق، لذا فإن العديد من الأطفال يتجهون إلى الإنترنت ويلعبون. وعند الحديث مع الأولاد المراهقين قال جميعهم إن استخدام ألعاب الفيديو كانت تدور حول قضاء الوقت مع أصدقائهم. ما يعني أنه إذا اجتمعت مجموعة من الأشخاص على الإنترنت للعب لعبة مثل “فورتنايت”، قد يلعب البعض اللعبة لكن البعض الآخر قد يكون هناك فقط للدردشة وقضاء الوقت. من هذا المنظور، من الواضح أن الشباب يستخدمون ألعاب الفيديو استجابة لفقدان أشكال أخرى من اللعب والتواصل الاجتماعي.

    

إعلان

  

كما وصف الأولاد لعبهم كشكل من أشكال الهروب، وأوضحوا أنهم يمكثون على الإنترنت لتجنب القيام بواجبهم المنزلي أو المساعدة في إعداد العشاء أو القيام بالأعمال المنزلية، وقالوا أيضا إنه عندما يتركون اللعبة لا يجدون في العادة شيئا ليفعلوه في المنزل، فلماذا لا يظلّون مستمرين في لعبهم؟ بمرور الوقت، أصبحت ألعاب الفيديو مصممة بشكل جيد ومعقد ومبتكر. إنها ممتعة وكثيرا ما يحقق الأطفال النجاح فيها، خاصة في حالة لعبة مثل “فورتنايت”، لهذا السبب يصبح الأطفال مدمنين لها.

 

إعلان
فقط أقلية من الناس ستصبح مدمنة

الإدمان حالة صحية خطيرة، ولكن لن يتم تشخيص سوى أقلية صغيرة جدا من الناس “باضطراب اللعب” وفقا للأبحاث. فمثلا في الوقت الذي يلعب فيه 160 مليون أميركي بالغ في ألعاب الإنترنت، توصلت دراسة حديثة إلى أن ما بين 0.3٪ و1٪ من الناس قد يتأهّلون لتشخيص حاد لاضطرابات ألعاب الإنترنت. وبالمثل، تتوقع منظمة الصحة العالمية أن نسبة ضئيلة من الناس حول العالم سيتأثرون.من المهم أن تسأل نفسك لماذا قد يرغب الطفل أو المراهق في لعب اللعبة لفترة طويلة؟ هل هو ضجر؟ أم الهروب من الواقع؟ هل يمكن أن يعني أن هناك خطبا ما يحدث للطفل؟ بدلا من التركيز على منع اللعب، يجب التركيز على السبب. والاكتئاب والقلق هما من الأسباب الجديرة بالاعتبار.

    

إعلان
ما يمكن فعله لتجنب الإدمان

من الجوانب المهمة في التعامل مع التكنولوچيا هو التوجيه بالدعم لكي تكون جانبا إيجابيا في الحياة:

     

   

1- شجّع على مزيج من النشاط البدني والنشاط الداخلي عندما يكون طفلك صغيرا. ومن المهم أيضا تقديم نموذج لهذا السلوك نفسه.

 

2- اقض وقتا في التحدث مع طفلك وأحيانا لعب الألعاب معه عبر الإنترنت. يجب ألا نقيم موقف “نحن وهم”. تتيح لك هذه الإستراتيجية فهم طفلك كمستخدم للتكنولوجيا، واتخاذ قرارات أكثر استنارة فيما يتعلق باستخدام التكنولوجيا.

 

3- استخدم مجموعة من الموارد لمساعدتك على فهم ألعاب الأطفال، وتوجه إلى مجموعة من المصادر الموثوقة مدعومة من خبراء وهيئات موثوقة لدراسة أعمق للموضوع.
 
بالعودة إلى اللعبة فإن السؤال الآن، كما هو الحال مع أي لعبة رائجة، هو كم من الوقت يمكن أن يستمر هذا الرواج والانتشار والتأثير. في حين أن ألعابا مثل “بوكيمون جو” غالبا ما يكون لها تأثيرات هائلة، فإن الأرباح تتراجع بسرعة. غير أن شركة تطوير الألعاب “إبيك جيمز” قادرة على مواكبة الزمن، فهي تقدم محتوى جديدا جذابا للغاية، وهو ما يجعلنا لا نتوقع أي نهاية قريبة للعبة المثيرة “فورتنايت”.

  

————————-

ترجمة (الزهراء جمعة)

هذا التقرير مترجم عن: The Conversation ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان


إعلان