كيف تتم إعادة جدولة الديون؟

المؤسسات النقدية تلزم الدول المدينة بنهج سياسات اقتصادية انكماشية تقضي برفع الضرائب على الأفراد والشركات (رويترز)

إعادة جدولة الديون هي عملية يتم بمقتضاها تغيير بنود الدين المتعلقة بسعر الفائدة، أو بآجال استحقاق الدفعات عبر تمديد فترة السداد أو بهما معا.

وتتم إعادة الجدولة باتفاق وتراض بين الدائن والمدين، وبناء على طلب المدين عادة الذي يواجه صعوبات في السداد والوفاء بالتزاماته المالية تجاه الدائن في آجال استحقاقها.

محطات تاريخية
انتهج نادي باريس منذ اندلاع أزمة الدين في العالم مع مطلع الثمانينيات من القرن الماضي عدة أنماط من إعادة الجدولة، وتضمن كل نمط بنودا مختلفة حاولت التكيف مع الوضع الاقتصادي والمالي لكل بلد على حدة:

إعلان

ـ البنود التقليدية: وهي الشروط التي تم وفقها إعادة جدولة ديون الدول طوال عقد الثمانينيات من القرن الماضي، ولم تكن هنالك قواعد ثابتة تحكم هذه الشروط، فقد ترك الأمر للدائنين الذين قرروا في كل حالة تمديد فترة السداد لمدد زمنية متفاوتة (من 9 إلى 15 سنة) مع منح فترة سماح أو لا حسب كل حالة.

ـ بنود هيوستن (1990): وتقضي بإعادة جدولة الديون على مدة تصل إلى 15 سنة أو أكثر، مع الاستفادة من فترة سماح لمدة سنتين أو أكثر، واحتساب الفائدة وفقا للأسعار السائدة في السوق على ألا تزيد على الأسعار الأصلية للديون.

إعلان

واشترط في تطبيق هذه البنود ألا يزيد الدخل الفردي في الدولة المدينة على 2995 دولارا، وأن يكون حجم المديونية مرتفعا.

ـ بنود نابولي (1994): وتقضي بإلغاء جزء من الديون الموجودة في ذمة البلدان الفقيرة (67% كحد أقصى)، وإعادة جدولة الجزء المتبقي على مدة 23 سنة مع منح فترة سماح لمدة ست سنوات، بالإضافة إلى تعديل أسعار الفائدة وفقا لأسعار السوق على ألا تزيد على الأسعار الأصلية للديون التي تعاد جدولتها.

ـ بنود كولونيا (1999) : نصت على إلغاء 90% من الديون الموجودة في ذمة البلدان الأكثر فقرا في العالم، وإعادة جدولة الجزء المتبقي حسب بنود نابولي.

وقد قام صندوق النقد الدولي بحصر قائمة البلدان المؤهلة للاستفادة من هذه البنود، وحددها في 41 بلدا تعد من البلدان الأكثر فقرا في العالم.

مكاسب وتكاليف
تحقق عملية إعادة الجدولة مكاسب بالنسبة للمدين والدائن معا، فهي من جهة تمكن المدين من خفض قيمة خدمة الدين (بفضل انخفاض سعر الفائدة أو تمديد فترة السداد أو هما معا) إلى مستويات قابلة للتحمل، ومن جهة أخرى تتيح للدائن فرصة استعادة أصل دينه فضلا عن بعض الفائدة.

غير أن إعادة جدولة ديون الدول (الديون السيادية) -وبخلاف ديون الأفراد والشركات- تكون بالضرورة مصحوبة بشروط قاسية تكون لها تداعيات اقتصادية واجتماعية خطيرة، ومرد ذلك أن أهم الدائنين الدوليين (البلدان المنضوية تحت لواء نادي باريس) يشترطون الموافقة المبدئية للمؤسسات المالية الدولية (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) على إعادة الجدولة.

إعلان

ومن المعروف أن هذه المؤسسات تلزم الدول المدينة بنهج سياسات اقتصادية انكماشية تقضي بخفض النفقات في الميزانية العامة ورفع الضرائب على الأفراد والشركات (الضريبة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة)، مما يعمق مشكل المديونية بسبب تراجع النمو الناجم عن تدني مستويات الاستهلاك والاستثمار، وتترتب عليه تكلفة اجتماعية وسياسية عالية، خاصة البطالة والفقر والاحتقان السياسي.

اليونان نموذجا
عندما بدأت أزمة الدين السيادي في اليونان عام 2010، لم يكن صندوق النقد الدولي يرى أن حزمة الإجراءات التي طالب بها الحكومة ستنعكس آثارها سلبيا على نمو الاقتصاد اليوناني بشكل بالغ.

إعلان

وتوقعت المؤسسة المالية الدولية أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لليونان بنحو 5% على مدى فترة 2010/2011، ثم يستقر في العام 2012 وينمو بعد ذلك.

لكن الأمور سارت على غير ما توقعه الصندوق، وانخفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي حتى نهاية 2014 بنسبة 25%، ولأن الاقتصاد اليوناني لم يتعاف بعد -يقول الاقتصادي جيمس غالبريث- فإن نسبة مديونية البلاد والتي كان من المفترض أن تستقر قبل ثلاث سنوات لا تزال مستمرة في الارتفاع.

ولقد نفذت اليونان عدة إصلاحات التزمت بها تحت ضغط الصندوق وبقية الدائنين ونزولا عند إملاءاتهم، وتضمنت هذه الإصلاحات خفض الإنفاق العمومي بشكل حاد، وتقليص الحد الأدنى للأجور، وتخفيض معاشات التقاعد، وخصخصة مجموعة من المنشآت.

ومع أن اليونان نفدت المطلوب منها كاملا فإن النمو لم يكن في الموعد، واستمر الكساد بسبب الآثار الانكماشية للسياسات الاقتصادية التي طبقتها الحكومة بإيعاز من الدائنين، والتي عجزت عن تصحيح الأوضاع وقلب الدورة الاقتصادية.

بالمقابل، دفع اليونانيون -خاصة الفقراء وذوي الدخل المحدود- تكلفة الإصلاح الباهظة من أجورهم ومعاشاتهم وتدني جودة الخدمات التي تقدمها الحكومة لهم، لكن دون أن تثمر تضحياتهم الغاية المنشودة ولا يزال الأفق مظلما.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية

إعلان