ماذا تعرف عن إسرائيل؟

إسرائيل دولة استعمارية إمبريالية، أي أنها دولة تتغذى على حدود وثقافات دول الجوار (الجزيرة)

 

منذ عام 1948 والعرب في حيرة من أمرهم حيال ذلك الكيان الإمبريالي الغاشم، الذي أتى في ذيل الاستعمار البريطاني وخلفه في استعماره لفلسطين، متسترا بالدين كديباجة يمرر من خلالها أفكاره السامة، فأخذ بعض العرب القضية على محمل الدين، ظنا أن إسرائيل كيان ديني، والحقيقة كانت غير ذلك.

حقيقة إسرائيل

عام 1899 أثناء الاجتماع الصهيوني الثاني لثيودور هرتزل مع أغنياء ومثقفي اليهود، نشب خلاف حاد بين بعض المثقفين اليهود حول البيان الذي سيصدر عن المؤتمر؛ ما إذا كان عليهم أن يكتبوا "وطن قومي لليهود" أم "دولة يهودية" للإدلال على الطابع الديني، فأجابهم هرتزل بأن يكتبوا "وطن قومي لليهود"، وسيفهمه العامة من اليهود بأنها دولة يهودية. فسعي هرتزل لم يكن سعيا دينيا في الأساس؛ بل قوميا بامتياز، فبدأ باللجوء إلى القوى الاستعمارية الكبرى معتمدا على المال والجاه لرجال الأعمال اليهود كعائلة روثشيلد، حيث سعى لكسب عطف الدولة العثمانية، وحين أخفق بدأ يستميل عطف فرنسا فإيطاليا ثم أخيرا بريطانيا.

إعلان

فالصهيونية تنظر لليهود كقوم وليس كأصحاب ديانة، فتطعم نظرتها تلك بتوجهات عنصرية وقومية ترى في اليهودي إنسانا أعلى، كما كان ينظر أدولف هتلر للألماني على أنه أعلى من البشر كلهم. ولمّا نتأت إسرائيل من رحم بريطانيا؛ كانت أن اعتمدت على سواعد غير يهودية، فلو كانت كيانا دينيا لاكتفت بسواعد اليهود، لكنها على سواعد أمم أخرى اعتمدت لتقوم، وقد كان ضمن صفوف عصاباتها "الهاغانا والبلماخ والأرغون" بريطانيون مسيحيون متعصبون لليمين والعنصر الأبيض ومناهضون لكل ما هو عربي وإسلامي.

وكذلك لو كانت كيانا دينيا؛ لالتزمت بتعاليم كتابها الذي يقول "لا تقتل"، ولكنها أبعد ما تكون عما دعت إليه الديانة السماوية اليهودية، ولو كانت دولة دينية لكان عليها أن تكتفي بعناصرها اليهود، ولكن إسرائيل ديموغرافيا تضم في داخلها العديد من العناصر، فبجانب يهود الأشكناز الأوروبيين -الذين يرون في أنفسهم العُلي والرقي- ويهود السفارديم الشرقيين؛ يوجد عرب فلسطين، وهم من المسلمين والمسيحيين الذين ظلوا في أراضيهم منذ حرب 1948، وحصلوا على الجنسية الإسرائيلية، ويمثلون نحو 20% من المجتمع الإسرائيلي، ومنهم أعضاء داخل الكنيست الإسرائيلي، وكان من ضمنهم الأديب والمفكر عزمي أنطوان بشارة، وكذلك يوجد عنصر الفلاشا، وهم من ذوي البشرة السمراء الذين أتوا من أفريقيا، وقد قال عنهم الدكتور عبد الوهاب المسيري -في إحدى لقاءاته الحوارية- إنهم ليسوا يهودا فقط، بل منهم المسلم والمسيحي والملحد كذلك.

 

إعلان

كيان استعماري علماني

الخلاصة التي قد نستنتجها من ذلك العرض الموجز، أن إسرائيل ليست بكيان ديني، فأسسها التي قامت عليها هي الفكر الصهيوني، والصهيونية لم تكن يوما عقيدة دينية، بل هي عقيدة سياسية قومية تأثرت وأثرت في الأفكار الأوروبية القومية التي ظهرت منذ عصر الحداثة في القرن الـ17 إلى القرن الـ20، ولذلك نرى كمَّ التشابه بين الأفكار الرومانسية والصهيونية من حيث وطن العودة والعود الأبدي والترابط العضوي، كذلك الشبه بين الصهيونية والقومية الألمانية لراتزل وكارل ريتر، فإسرائيل عبارة عن معسكر مسلح يتعمد استقطاب العناصر المشتتة من كل مكان لتدعيم سطوته وقوته العسكرية هناك. فالعناصر الديمغرافية -التي تتكون منها إسرائيل وتحمل جنسيتها- لم تكن يوما قاصرة على اليهود فقط، بل إنك سترى أن الحكومة الإسرائيلية تمارس القمع على كل عناصر مجتمعها ابتداء بيهود الفلاشا وانتهاء بيهود الحريديم المتعصبين دينيا، فإذا حدث تعارض بين أي عنصر -سواء كان يساريا أو أصوليا- داخل إسرائيل مع الحكومة؛ فإنك سترى الحكومة تمارس كل أساليب القمع الممكنة، ولنا في حكومة "نتنياهو" العبرة والذكرى، وذلك أكبر دليل على أن إسرائيل ليست بدولة دينية أساسا، فهي تقمع رجال الدين "الحريديم" هناك أثناء أعيادهم وممارساتهم المعتادة.

إن إسرائيل دولة استعمارية إمبريالية، أي أنها دولة تتغذى على حدود وثقافات دول الجوار، فإن لم تستطع التوسع على حساب الدول المجاورة -وهذا سر من أسرار بقائها- ستستبدل به التوسع على حساب ثقافات تلك الدول، فتجدها تغتصب هوية الآخرين؛ فتارة تقول إن الكوفية الفلسطينية يهودية الأصل، وتارة أخرى تقول إن الطعام المصري والأردني يهودي الأصل كذلك. وكلها محاولات خائبة، خاصة بعدما حاول الصهاينة تزوير التاريخ وادعاء أن اليهود هم بُناة الأهرام، فالسرقة والاحتيال هما العاملان الرئيسيان لقيام ذلك الكيان، كما اللص الذي يسرق ويتبجح بسرقته، فيكذب مصدقا كذبته، بل أكثر من ذلك، فقد تنبأ أستاذنا عبد الوهاب المسيري بأن ذلك الاحتيال لن يقف عند هذا الحد، بل سيصل إلى عقول العرب، والعرب هنا لا أقصد بهم النخب الحاكمة، وإنما الجماهير، فتجد بعض المنتسبين إلى الجماهير يقبلون بالتطبيع، بل تراهم يلعبون دور اليهود الأوائل أو الآباء المؤسسين، وهم ليسوا يهودا بل مسلمين، ولكنهم يمثلون إسرائيل ودعاياتها أفضل من اليهود الذين في داخل إسرائيل، وهؤلاء أطلق عليهم المفكر المسيري مصطلح "اليهودي الوظيفي"، فهذا الكائن الطفيلي الوظيفي ستجده يصلي معك العشاء، بل لقد تطور الأمر إلى أن يصلي بك العشاء.

فما إسرائيل إلا كيان طُفيلي علماني برغماتي نفعي يعيش على حساب الغير، أي أن سكانه ديمغرافيا ليسوا سوى أهل شتات اجتمعوا داخل معسكر واحد، واليوم بدأت الهجرة العكسية تؤتي ثمارها، خاصة بعدما اتضحت الحقيقة أمام هؤلاء أن إسرائيل ليست تلك "اليوتوبيا" المنشودة، وأنها دولة قمعية شمولية، فبدؤوا يعودون أدراجهم مجددا، حيث بدأت إسرائيل تتآكل ديمغرافيا على نفسها. وإسرائيل ليست سوى ذراع عسكري مسلح في الشرق لصالح قوى الاستعمار في الغرب، فهي ذراع لأميركا، بعدما كانت ذراعا لبريطانيا، ولمّا آلت الأمور لصالح أميركا، صارت إسرائيل في ذيلها، فمن خلال ذلك الذراع المسلح المندس ككيان سرطاني داخل الشرق الأوسط؛ تستطيع أميركا أن تمرر وتمارس هواياتها الاستعمارية المُفضلة؛ "فرق تسد"، فيدب الشقاق حافريه بين العرب، وتضرب إسرائيل أطراف المقاومة ببعضها حتى يرضخ الجميع تحت الحكم الاقتصادي الأميركي، فإسرائيل بالنسبة لأميركا كالعقاب المسلح الذي تسلطه على دول الشرق الأوسط لزيادة التفكيك والتشتيت من الناحية السياسية، لتضمن تبعيتها الاقتصادية لها، حتى لا تقوم لتلك الدول قائمة بعد يوم الناس هذا.

والآن صار واضحا ما هي إسرائيل؛ هي كيان علماني برغماتي نفعي، لا تحكمه ملة ولا دين، وإنما تحكمه المنفعة المادية التي تسعى به إلى ارتكاب أبشع الجرائم من الفصل العنصري والإبادة الجمعية التي نشهدها يوميا، فعلى العرب أن يتيقنوا أن ذلك الكيان لا محالة ساقط، وإن طال الزمان فما النصر إلا حليف لنا.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.



إعلان