تقييمات الإخوان.. خروج خجول عن التحفظ

28 صفحة أثارت جدل وتلقتها بعض وسائل الإعلام باهتمام ينم عن انتظار وترقب وخروج هذه التقييمات عن المألوف من جماعة مثل الإخوان المسلمين. أعلن المكتب العام في مقدمة ورقات التقييم التي أصدرها أنها نتاج لجهد عام كامل وتعالج موضوعات أساسية في حياة الجماعة منذ نشأتها وإلى الآن. جاء التقييم في أربع ورقات الأولى عن غياب الأولويات لدى الجماعة والثانية بعنوان العلاقة مع الدولة والثالثة بعنوان الممارسة الحزبية ورابعا الثورة.

 

إعلان

تحت كل عنوان سبع صفحات ليكون المجموع 28 صفحة، وهذه أول ملاحظة عن الإصدار تصطدم بها قبل القراءة.. الحجم. فكل عنوان من العناوين ساحة كبرى للنقاش والبحث والتدقيق وإيراد الأمثلة ووجهات النظر والأخذ والرد وخصوصا عندما يتعلق الأمر بكيان كجماعة الإخوان المسلمين أكبر كيان سياسي معارض للدولة في مصر وبمدى زمني يقترب من القرن بخطوات سريعة وخصوصا أن هذه المائة عام لم تخلو من كون الإخوان طرف في الصراع على مصر وفيها إلا قليلا.. فكيف يتم تقييم كل هذه الفترة ولو حتى في بعض جوانبها دون كلها في هذا الحجم متناهي الصغر؟ ربما يرد مصدروا التقييم أنه يعالج بالأساس فترة الست سنوات الأولى من عمر الثورة المصرية كما صرحوا في مقدمة الإصدار، ولكن الحقيقة أن هذه تعتبر زلة لأن عناصر التقييم كلها تنطبق على فترة حكم مبارك بالأساس كما يظهر من سياقها ولا يمكن أن تتعلق فقط بسنوات الثورة فذكر هذه النقطة ربما لتبرير الحجم الضئيل غير مقنع. كل عنوان من العناوين التي حوتها التقييمات يتعلق بظاهرة متعلقة بمسار الجماعة منذ التأسيس الثاني على الأقل بعد الخروج من المعتقلات بداية من عام 74، بل إن الجزئية المتعلقة بالعلاقة بالدولة يمكن ردها إلى العلاقة مع نظام عبد الناصر كذلك فكيف يمكن إقناع المتلقي أن هذا التقييم لما بعد الثورة فقط؟

 

إن السبب الرئيسي لصغر حجم هذا التقييم أو الإصدار هو السمة الأساسية لدى جماعة الإخوان المسلمين والتي بقت مع الجناح الثوري الجديد الذي أصدر التقييمات وهي التحفظ
إعلان

ما نعرضه هو جهد استمر لما يزيد عن العام عبر تنظيم عشرات الورش في الداخل والخارج قامت به شخصيات ومراكز متخصصة بتكليف من اللجنة الإدارية السابقة وهو ما سيصدره تباعا المكتب العام للإخوان المسلمين.. هكذا وصفت التقييمات في المقدمة.. ليست خلاصة الجهد وإنما الجهد بتمامه فكيف يكون جهد عام من متخصصين متمثلا في 28 صفحة؟ وإذا كانت هذه الخلاصة بينما تريد الجماعة الاحتفاظ بالتفاصيل للتداول الداخلي تنظيميا فلماذا لم يذكر هذا صراحة حتى توضع الأمور في نصابها الصحيح؟ الواقع أن حجم التقييمات وإن كان عنصرا شكليا إلا أنه لافت وله دلالات عديدة.. فهو لا يتوافق مع تقييم مسار الجماعة لا على مدار عمرها ولا فترة حكم مبارك ولا حتى سنوات الثورة القصيرة.

 

يبدو أن السبب الرئيسي لصغر حجم الإصدار هو السمة الأساسية لدى جماعة الإخوان المسلمين والتي بقت مع الجناح الثوري الجديد الذي أصدر التقييمات وهي التحفظ. فمازال ذكر التفاصيل وسبر الأغوار والعمق في التحليل والنقد الأصولي للظواهر دون اعتبار كبير لخواطر الأشخاص وغياب الأمثلة الواقعية باعتبارها من أسرار الجماعة أقول كل مظاهر التحفظ هذه مازالت بادية بوضوح في التقييمات رغم كل ما حدث. وهذا يعني أن الصفات التي زرعتها الملاحقة الأمنية المتواصلة للجماعة قد طغت على المؤسسة كذلك رغم محاولتها الثورية المتحفظة الأخيرة. كما أن دعوية الجماعة طغت على إصدار المفترض أنه سياسي اجتماعي إستراتيجي يتطلب مساحة كبيرة لاحتواء تعقيد السياسة الشديد حيث تتداخل عوامل لا حد لها بالسلب والإيجاب والدفع والإعاقة ولكن الإصدار حرر للأسف بأسلوب المطويات الدعوية المركزة وهو ما خصم من تأثيره الكثير عند خروجه للعلن. وهذه ليست المرة الأولى التي تفرض الدعوية نفسها على الإصدارات السياسية للجماعة فالواقع أنها صبغت برنامج حزب الحرية والعدالة التابع للجماعة من قبل وأثارت انتقادات عديدة في حينه.

 

إن محتوى التقييم حقيقة لم يأت بجديد يذكر وإنما هو يعتبر تجميع لما يكتبه شباب الجماعة الناشط على وسائل التواصل الاجتماعي بداية من السنوات الأخيرة لعصر مبارك والتي مثلت البداية لعصر التدوين ولكن ما يميزه بلا شك هو مؤسسيته ورسميته حيث هذه هي المرة الأولى التي يصدر تقييم كهذا للعلن من إدارة منتخبة لجماعة الإخوان المسلمين وهذه خطوة مفصلية على الطريق الصحيح وخروج على التحفظ المعتاد وإن كان خجولا. فالظاهر أن الجماعة مترددة الخطوات في الإقدام على إتاحة حياتها لفحص الخارج ونقده. إن الملاحظات على الشكل أمرها هين ويمكن تفاديها في الإصدارات القادمة كما بشرت مقدمة التقييمات إذا صدقت النية في وضع الماضي تحت مجهر البحث ووضع النتائج لبنات في بناء مستقبل يليق بتضحيات الشعب المصري وآماله التي يعبر عنها الإخوان باعتبارهم القطاع الأكبر في نخبته. يجب أن يدرك الإخوان المسلمون أن الواقع لا يدع مجالا لترف الخجل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.



إعلان