"إيميلي في باريس".. الحلم الأميركي الذي يزدهر في فرنسا

تعتمد حبكة مسلسل "إيميلي في باريس" على التناقض الكبير ما بين طريقة العيش والتفكير الأميركية والفرنسية.

يقدم مسلسل "إيميلي في باريس" الصورتين الذهنيتين السائدتين للثقافة الأميركية والفرنسية (مواقع التواصل)

منذ أيام قليلة أعلنت نتفليكس عن تجديد المسلسل الأميركي "إيميلي في باريس" (Emily in Paris) لموسمين ثالث ورابع، بعد النجاح الكبير الذي حققه العمل في موسميه الأول والثاني، وهي خطوة جريئة للغاية من نتفليكس ولم تتكرر كثيرا، فالمنصة الشهيرة تجدد حتى أهم أعمالها وأنجحها إلى موسم واحد ثم تعيد تجديده بعد عرضه وهكذا.

ولكن الضجة حول "إيميلي في باريس" ليست دوما إيجابية فقط، فالمسلسل الذي أطلق نجومية بطلته ليلي كولينز وحقق ملايين المشاهدات، مكروه في البلد الذي تحمل اسمه "باريس"، ومع عرضه الموسم الثاني تصاعد العديد من الانتقادات للعمل كتكرار للموسم الأول من دون أي جديد سوى استغلال النجاح.

إعلان

 

إيميلي الأميركية الغبية في مدينة النور

تعتمد حبكة مسلسل "إيميلي في باريس" على التناقض الكبير بين طريقة العيش والتفكير الأميركية والفرنسية، وذلك عبر إيميلي ابنة شيكاغو التي تنتقل إلى باريس بمحض صدفة لتعمل في فرع شركتها الفرنسي، وبسبب الاختلافات الثقافية وعدم قدرتها على التحدث بالفرنسية تحدث العديد من المفارقات التي من المفترض أنها كوميدية.

تدشن إيميلي في باريس حسابا على إنستغرام، تستعرض فيه تفاصيل حياتها الجديدة في مدينة النور، وسريعا ما يتابعها الكثيرون، وتتحول إلى مؤثرة شهيرة، تستخدم حسابها للترويج لنفسها وعملها وأصدقائها، وتبدأ في اكتساب احترام زملائها الجدد في العمل بطرقها وأفكارها المختلفة عن التقاليد الفرنسية العتيقة في عالم التسويق.

إعلان

يقدم المسلسل الصورتين الذهنيتين السائدتين للثقافة الأميركية والفرنسية، فإيميلي من وجهة نظر سكان باريس هي أميركية غبية فجة الذوق عديمة اللياقة، تحاول فرض أساليب المكاسب والأرباح والكدح المستمر على طرقهم الفرنسية الكلاسيكية المغايرة.

بينما يستعرض المسلسل باريس من وجهة نظر ضيقة للغاية، فهي مدينة الكرواسون وبرج إيفل والعلاقات العاطفية المعقدة والأناقة وبيوت الموضة.

وفي النهاية، في محاولة لإيجاد إيميلي مكانا لنفسها في المدينة الجديدة، وعبر المفارقات، لم يقدم المسلسل إلا "الكليشيه" أو الصورة النمطية عن كلا المجتمعين الأميركي أو الفرنسي.

الموسم الثاني

في الموسم الثاني من إيميلي في باريس، يقل هذا الصراع الثقافي ما بين إيميلي وأهل المدينة، لكنه الأساس الحقيقي للمسلسل، وبالتالي ظهرت شخصية المديرة الأميركية "مادلين" التي تحضر إلى باريس لتتابع العمل، ويبدأ صدامها مع سيلفي المديرة الفرنسية، وأساليب العمل في الشركة، كما لو أن الموسم الأول يعاد من جديد، لكن هذه المرة مع امرأة أكبر في العمر تفتقر إلى الكثير من الجاذبية التي تمتعت بها إيميلي في الموسم الأول، مما يجعل الصراع يبدو بصورة أكثر فجاجة والشخصية الأميركية أكثر قبحا.

وحافظ المسلسل كذلك على ذات العلاقات من الموسم الأول، ومثلث الحب المستحيل ما بين إيميلي وجابرييل وكامي، ليفتح مجالا للنقاش حول طبيعة العلاقات الرومانسية المتباينة بين المجتمعين الفرنسي والأميركي، ولكن ذلك جعل هذا الموسم صدى مكررا من الموسم الأول.

إعلان

إيميلي وغيرها من البطلات التقليديات

يشبه المسلسل في الأساس الأفلام والمسلسلات الأميركية الرومانسية الكوميدية التي شاهدناها آلاف المرات، والتي تحمل رسائل حول العزيمة الأميركية، وقوة اتباع الشغف والصدق مع الذات والبحث عن الحب والرومانسية، لصنع شخصية ملهمة لكن خفيفة الظل يتقبلها الجمهور ويحمل لها خليطا من الإعجاب والتعاطف، تثبت في النهاية بالطبع أن الشخصية الأميركية قادرة على الفوز في كل تحدي.

وهو متأثر بعدة أعمال أميركية مثل "الشيطان يلبس برادا" (The Devil Wears Prada)، إذ تتشابه "إيميلي في باريس" مع "الشيطان يلبس برادا" في بناء الحبكة الأساسية وبعض الشخصيات، وفيه تلتحق المرأة الشابة أندريا بالعمل في إحدى مجلات الأزياء، وتتعرض لضغط غربتها عن باقي الموظفين وأسلوب حياتهم وتفكيرهم، فتبدأ في محاكاتهم، وفي ذات الوقت تبهرهم بتصميمها وذكائها وأمانتها، فتترقى بالتدريج لتجد أنها تفقد روحها متحولة إلى شخص آخر لا تحبه. ألا يتشابه ذلك قليلًا مع قصة إيميلي ورحلة عملها في باريس؟

ميريل ستريب في فيلم الشيطان يرتدي برادا (مواقع التواصل)

لا يتوقف الأمر هنا، بل إن شخصية المديرة القوية التي تتناقض مع البطلة ثم تُعجب بها، هي متطابقة في كل من الفيلم والمسلسل.

ويتشابه مسلسل "الجنس والمدينة" مع إيميلي في باريس في الشخصية الرئيسية، فكاري برادشو بطلة المسلسل الأميركية بدأت حياتها وافدة ساذجة إلى نيويورك من مدينة صغيرة، قبل أن تبتلعها مدينة الموضة الأميركية لتتماهى معها منجذبة إلى كل جديد في الأزياء، وتحيا حياة عاطفية متخبطة، متشابهة في ذلك مع إيميلي التي تنطلق في باريس تاركة خلفها مدينتها التقليدية منجذبة إلى حس الموضة الفرنسي الذي تحاول تقليده، والحياة المثيرة عكس ما عاشته سابقا، تتحلل في البداية من ارتباطها بحبيبها، ثم تصل في النهاية إلى قرار بأن باريس أصبحت موطنها الجديد.

ويظهر تماهيها مع الحياة الباريسية عندما تزورها مديرتها الأميركية التي تبدو فجة متناقضة مع الحياة الراقية التي تعلمتها في مدينة النور، وينتهي الموسم بوضع إيميلي أمام الاختيار بين الثقافة الفرنسية أو الأميركية ومعها المشاهدين، في انتظار ما قد تحمله لنا المواسم القادم.

المصدر : الجزيرة

إعلان