شعار قسم مدونات

تعظيم شأن الزواج

blogs - wedding
"وأفاد بسُنّية النكاح أن الاشتغال به أفضل من التخلي لنوافل العبادات ولذا قال في المجمع: ونفضله على التخلي للنوافل واستدل له في البدائع بوجوه: الأول أن السنن مقدمة على النوافل بالإجماع. الثاني: أنه أوعد على ترك السنة، ولا وعيد على ترك النوافل. الثالث: أنه فعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وواظب عليه وثبت عليه بحيث لم يخل عنه بل كان يزيد عليه، ولو كان التخلي للنوافل أفضل لفعله. والرابع: أنه سبب موصل إلى ما هو مفضل على النوافل؛ لأنه سبب لصيانة النفس عن الفاحشة ولصيانة نفسها (الزوجة) عن الهلاك بالنفقة والسكنى واللباس ولحصول الولد المُوَحِّد" البحر الرائق شرح كنز الدقائق – ابن نجيم المصري

ذكرت في التدوينة السابقة وقفات حول غيرة النساء أنني سأبدأ مستعينا بالله سلسلة متعلقة بعوامل نجاح الحياة الزوجية، وأهم هذه العوامل من وجهة نظري هو تعظيم شأن الزواج ووضعه في مكانته اللائقة به، لأن أكثر المشكلات العائلية وأغلب حالات الفراق والطلاق منشؤها من الاستهانة بقدر الزواج ومتطلبات العشرة الزوجية، وإذا كان كثير من الفقهاء قد قدّم الزواج على نوافل العبادات، فإن بعضهم بلغ به الأمر إلى تقديمه على فرض الحج لمن يملك مالا يكفي لأحدهما فقط، وهذا كاف لبيان أهمية ومكانة شأن الزواج عندهم، كما أنهم أكدوا أنه يصبح فرضا على من خاف على نفسه الفتنة والوقوع في الفاحشة.

مما يدلنا على عظمة شأن الزواج، أن الله تبارك وتعالى تكفل بنفسه بعون طالِبِه إذا كان يريد العفاف.

والمتتبع لنصوص الكتاب والسنة ليجد حتما ما يقوده لتعظيم شأن الزواج، وهاكم الأمثلة:
1- في معرض الامتنان قال الله تعالى: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا" فقد خلق الله عز وجل الزوجة من جسد الرجل ولم يخلقها منفصلة عنه، ليتذكر ذلك دائما ويتعامل معها كما يتعامل مع قلبه وعقله، كما تتذكر هي دائما أنها جزء منه، فينبغي أن تكون سكنَه وراحته.

2- خلق الله عز وجل الإنسان ليكون خليفة في الأرض، ولا يتحقق الاستخلاف إلا بالتزاوج والتناسل، فصار الزواج شرطا في تحقيق الغاية من خلق الإنسان.

3- وصف الله عز وجل عقد الزواج بأنه (ميثاق غليظ) كما في سورة النساء آية 21، وهو نفس الوصف الذي ذكره عن الميثاق الذي أخذه على أولي العزم من الرسل كما في سورة الأحزاب آية 7، قال قتادة: (الميثاق الغليظ) هو ما أخذ الله تعالى للنساء على الرجال، فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وقد كان ذلك يؤخذ عند عقدة النكاح.

4- بالزواج يصبح الحرامُ حلالا والحلالُ حراما، فقبل الزواج يغض الرجل بصره عن المرأة ولا يلمسها، وعند الخِطبة يمعن النظر إليها ويتأمل، وبعد الزواج يحل له كل شيء فيها إلا ما حرمه الله عز وجل (الحَيْضة والدُّبر)، كما إنه قبل الزواج يحل له أن يتزوج من أيّ امرأة غير متزوجة، وبعده يحرم عليه الزواج من أمها وابنتها على التأبيد، كما يحرم عليه مؤقتا الزواج من أختها وعمتها وخالتها.

5- سمى الله عز وجل عقد النكاح على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام (كلمة الله – أمان الله) كما في حديثه الطويل في خطبة الوداع "واستوصوا بالنساء خيرا، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله".

6- ربط النبي –صلى الله عليه وسلم- بين الزواج وبين العفة والطهارة، فقال «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج» وما كان سببا في عفة وطهارة الفرد كان سببا في عفة وطهارة المجتمع، ولذلك حذر عليه الصلاة والسلام من عواقب تعسير الزواج، فقال: «إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض»، فالعدول عن هدي الإسلام في هذه المسألة من أعظم أسباب ضياع الأخلاق، والانحطاط إلى درجة البهائم في عدم الصيانة، والمحافظة على الشرف والمروءة والأخلاق، فيجب على المجتمعات المسلمة تيسير أمر الزواج وتذليل عقباته، حتى يكون ذلك حائلا بين الشباب وبين الوقوع في الحرام وركوب الفواحش.

7- ومما يدلنا على عظمة شأن الزواج، أن الله تبارك وتعالى تكفل بنفسه بعون طالِبِه إذا كان يريد العفاف، وذلك مذكور في حديث: «ثلاثة حق على الله عونهم: الغازي في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف».

8- تعظيم شأن الزواج بتعظيم شأن شروطه، كما في قوله عليه الصلاة والسلام: «إن أحق الشروط بالوفاء ما استحللتم به الفروج» وهذا واضح كذلك في جعل المهر فريضة حتى على الأنبياء عند زواجهم.

9- ومما يدل على عظمة شأن الزواج بطلان الزواج المؤقت، وتوصيفه بأنه (زواج متعة أو زنا)، لأنه يخلو تماما من تحقيق مقاصد الشريعة التي من أجلها شُرع الزواج، وبه تصبح المرأة سلعة معروضة لمن يدفع، وكلما دفع أكثر قضى وقتا أكثر، ثم يتركها بعد قضاء حاجته منها.

يكفي في تعظيم شأن الزواج أنه من سنن الأنبياء والمرسلين، فقد قال تعالى "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً"

10- الزواج نفسه بما فيه من قضاء الشهوة في حِلّها عبادة وقُربة يؤجر ويثاب فاعلها، قال النووي في شرح حديث "وفي بُضع أحدكم صدقة": وفي هذا دليل على أن المباحات تصير طاعات بالنّيّات الصادقات، فالجماع يكون عبادة إذا نوى به قضاءَ حق الزوجة ومعاشرتَها بالمعروف الذي أمر الله تعالى به، أو طلبَ ولدٍ صالح أو إعفافَ نفسه أو إعفافَ الزوجة ومنعَهما جميعا من النظر إلى حرام أو الفكر فيه أو الهَمّ به أو غير ذلك من المقاصد الصالحة.

11- يظهر تعظيم شان الزواج في أنه السبيل الوحيد لتحصيل الولد الصالح الذي يدعو لوالديه بعد وفاتيهما، بل إن الوِلدان يرفضون دخول الجنة إلا بعد اصطحاب والديهم، ففي الحديث: «يقال للوِلدان يوم القيامة ادخلوا الجنة. فيقولون يا رب حتى يدخل آباؤنا وأمهاتنا. قال فيأتون. فيقول الله عز وجل: مالي أراهم مُحْبَنْطِئِين؟ (أي مُمْتَنعين) ادخلوا الجنة. فيقولون يا رب آباؤنا وأمهاتنا. فيقول الله عز وجل: ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم»

12- ويكفي في تعظيم شأن الزواج أنه من سنن الأنبياء والمرسلين، فقد قال تعالى "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً" ولما قال أحد الصحابة "وأنا لا أتزوج النساء" قال عليه الصلاة والسلام له "أما أنا فأتزوج النساء، وهذه سُنّتي، فمن رغب عن سنتي فليس مني".

وأختم بهذه الكلمة التي ذكرها علاء الدين الحصكفي الحنفي في كتابه (الدر المختار) حيث قال: ليس لنا عبادة شُرعت من عهد آدم إلى الآن ثم تستمر في الجنة إلا النكاح والإيمان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.