دور الصهيونية وهجرة يهود العراق


undefined

محمد جلاء إدريس

لم يكن بإمكان الطائفة اليهودية العريقة أن تترك أرض الرافدين بتلك الصورة الجماعية التى حدثت بعد قيام إسرائيل، لو لم تكن الأحداث الخارجية -التي لم يكن للعراق فيها ناقة ولا جمل- قد وقعت، وأعني بذلك تسرب الفكرة الصهيونية القومية إلى يهود العراق، وإقامة إسرائيل وما تمخض عنها من حرب عربية يهودية.

"
حظرت الحكومة العراقية النشاط الصهيونى ابتداءً من عام 1935، واستبعدت المدرسين المبعوثين من فلسطين ومنعت دخول الصحف الصهيونية إلى العراق

"

التسرب الصهيوني إلى العراق
وهنا يتحتم علينا الإشارة بإيجاز إلى بداية النشاط الصهيونية في العراق، وما نتج عنه من اضطرابات هزت تلك الطائفة الآمنة هزة مدمرة، واقتلعتها فى النهاية من جذورها ملقية بها فى تربة غريبة لم يستطع العديد من أبنائها أن يتأقلموا فيها حتى وقتنا هذا.

فحتى الحرب العالمية الأولى كانت أغلبية يهود العراق معزولة عن الحركة الصهيونية التي ظهرت في أوروبا أواخر القرن 19، ولم تتجاوز العلاقة بينها قراءة الصحف الصهيونية والاطلاع حيث تأسست عام 1920 "اللجنة الصهيونية في وادي الرافدين" التي بدأت تمارس نشاطاتها الصهيونية التي لم تلق التأييد من رؤساء الطائفة في بغداد.

وتوالى تأسيس الجمعيات الصهيونية مثل "جماعة فتية يهودا" عام 1920، وجمعية "الإخوان العبريون" عام 1929، وشهدت العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين العديد من الجمعيات الصهيونية الأخرى مثل "مكابي" و"القوة" و"ناشرو اللغة العبرية". ومن أبرز النشطاء الصهاينة في العراق: بنيامين إلياهو بنيامين، وعبد الله شينة، ونسيم سليمان، ورحمايم فتحي، ويهوشع بطاط.

وقد حظرت الحكومة العراقية النشاط الصهيوني ابتداءً من عام 1935، واستبعدت المدرسين المبعوثين من فلسطين ومنعت دخول الصحف الصهيونية إلى العراق. ثم تفاقمت الأوضاع لتنتهي باضطرابات عام 1941 التي راح ضحيتها بعض اليهود.

وتمخضت هذه الأحداث عن قيام تنظيمات يهودية صهيونية مسلحة تمارس نشاطها على أرض العراق مثل "منظمة الإنقاذ"، و"الاتحاد والتقدم"، ثم وصل إلى العراق في مارس/ آذار 1942 شاؤول أبيجور بهدف تشكيل تنظيم سري صهيوني مسلح عرف باسم "الحركة" وذلك لتهجير يهود العراق إلى فلسطين تمهيداً لإعلان الدولة اليهودية، وكان له عدة فروع في أنحاء العراق.

كما تكدست الأسلحة لدى هذه المنظمات الصهيونية حتى تم نقلها إلى المعابد اليهودية، وقد اكتشفتها الشرطة العراقية، ومع ذلك لم يلحق أي أذى بأفراد الطائفة.

هجرة يهود العراق
وقد كان لإعلان قرار تقسيم فلسطين يوم 29/11/1947 أثره على العلاقات بين أفراد الطائفة اليهودية في العراق وسائر السكان، وكان لهزيمة قوات العراق في حرب 1948 أثرها كذلك على الطائفة، فتم طرد اليهود من وظائفهم الحكومية، وأعدم أحد كبار التجار اليهود (شفيق عدس) بتهمة الاتصال بالحركة الصهيونية وبإسرائيل وذلك في سبتمبر/ أيلول 1948.

وفي 9/3/1950 صدق البرلمان العراقي على قانون يقضي بالسماح لكل يهود العراق بالهجرة -إن أرادوا- بشرط التنازل عن الجنسية العراقية وعن كافة ممتلكاتهم.

وفي عيد الفصح اليهودي عام 1950 كان الخروج من العراق والذي حمل اسم عملية "عزرا ونحميا"، ولم يبق من اليهود سوى خمسة آلاف فقط من بين 120 ألفاً تقريباً.

ويمكن تحديد عوامل الجذب والطرد للطائفة اليهودية العراقية فيما يلي:

"
الأحداث التى مر بها العراق خلال العقدين الأخيرين، والحروب التى انهكته، أدت ببعض اليهود إلى الهجرة إلى أوروبا وأمريكا والاستقرار هناك

"

أولاً- عوامل الطرد
تمثلت في ارتباط اليهود بالقوى الاستعمارية في البلاد العربية حتى يتمتعوا بالامتيازات الأجنبية، وتدهور الأحوال الاقتصادية في العراق بعامة مما أثر على أحوال اليهود، وكذلك الممارسات العربية الخاطئة تجاه اليهود العرب والتي اتسمت أحياناً بالتعصب.

هذا فضلاً عن عدم الوعي بالأبعاد الحقيقية للصراع مما أسفر عن العديد من القوانين المضادة لليهود، ناهيك عن دور المنظمات الصهيونية في إشاعة التوتر بين اليهود، وهو الدور الذي سماه "ألفريد ليلينتال" بخطة "خوّف واستنفر" أو "ادفع للأمام ثم اسحب" وذلك عن طريق إرهاب أفراد الطائفة بالتفجيرات في الأحياء والمعابد.

ثانياً- عوامل الجذب
تمثلت فى حرص القائمين على الصهيونية على إعطاء دعوتهم قالباً دينياً عقدياً لكسب تعاطف وتأييد المتدينين من اليهود، بالإضافة إلى الإغراء الصهيوني بالحياة الأفضل في إسرائيل.

كما كان لقانون العودة الذي أصدرته إسرائيل يوم 5/7/1950  -والذي يعطي كل يهودي في العالم حق الهجرة إلى إسرائيل وتسهيل هجرته- أثره في تشجيع اليهود على الهجرة، كما كان لقانون الجنسية الذي أصدرته إسرائيل عام 1950 -والذي يمنح كل يهود العالم الجنسية الإسرائيلية سواء قبلوا ذلك أم رفضوه- أثره كذلك في تشجيع اليهود على الهجرة.

ولقد ذكرت صحيفة يهودية أن القلة التي بقيت في العراق، تشعر بالأمان، وأن ما يقرب من 600 أسرة يهودية موجودة في البلاد تعمل في مجال التجارة والتصدير، وهم يعاملون كسائر المواطنين.

ولا شك أن الأحداث التي مر بها العراق خلال العقدين الأخيرين والحروب التي أنهكته، أدت ببعض اليهود إلى الهجرة إلى أوروبا وأميركا والاستقرار بهما. وليس ثمة معلومات دقيقة عمن تبقى في العراق حتى الآن.
 ________________
باحث متخصص في الأديان 
المصادر

المصدر : غير معروف