شعار قسم مدونات

من المستفيد من تهاوي أسعار النفط؟

blogs آبار النفط

ببساطة، سأبدأ الحديث عن انهيار أسعار النفط بالقول: إن كل من اشترى النفط الأمريكي من خلال الفوركس من سعر 25، 17، 11، 5 دولار؛ ضاعت واحترقت أمواله بتهاوي السعر إلى 37 سالب أقل من صفر للبرميل، ويعزي ذلك أنه كلما هبط النفط يتقلص رأس ماله حتى يصل إلى الصفر ويستمر هبوطه بالسالب ليتمرجن الحساب (يفلس) بشكل نهائي، مع أن الرقم أقل من صفر ليس له قيمة في الواقع فلا يمكن أن أشتري بقيمة سالب -أي أنه ليس من المعقول أن يعطيني بائع النفط مال مقابل شرائي لنفطه، لأنه ببساطه لن يبيع بأقل من صفر-، بيد أن سوق الفوركس لا يعترف بذلك حيث يمكنك أن تشتري أو تبيع من السالب، ويمكن للسالب أن يواصل هبوطه وتخسر إن اشتريت أو تربح إن بعت.

عن طريق الفوركس لا يمكن أن يخزن المستثمرون براميل النفط إذا ما انخفضت أسعارها حتى يبيعونها اليوم التالي عندما يعود السعر إلى سابق عهده، بل هم يتعاملون مع رافعة مالية من خلالها يزيد ويتضاعف رأس المال مع زيادة سعر النفط، وينخفض حتى بـ100 سالب تحت الصفر، وقد يستمر إلا ما لا نهاية وهكذا يحدث الإفلاس والعكس عند ارتفاعه، وهذا ينطبق أيضا مع شراء وبيع العملات وبقية المعادن كالذهب والأسهم كالداوجونز مقابل الدولار.

البعض يقول أن أمريكا خسرت أو ستنهار؟

سأجيب بكل بساطة، كيف لأحد أن يبيع شيء ينتجه بخسارة، هو ليس مجبر على البيع أو على الإنتاج طالما كانت تكلفة إنتاجه أكثر من بيعه. والنفط ليس مادة غذائية أو دواء سيتلف إذا لم يتم استهلاكه، بإمكانه البقاء في الخزانات حتى قيام الساعة أو التوقف عن إنتاجها وتخزينها كما أسلفت سابقا. أما عن رأي الخبراء فيقولون إن هذا بفعل انهيار الطلب وتضخم الإمدادات وضعف القدرة على التخزين، نظرا لأزمة تفشي فيروس كورونا المستجد وانعكاساتها على السوق. وظلت أسعار النفط في حالة أزمة حتى بعد إعلان منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) ومنتجين آخرين عن اتفاق لخفض الإنتاج 10 ملايين برميل يوميا.

ووفقا لوكالة بلومبرغ قالت إن تراجع الأسعار قد يزيد من احتمال أن يضطر المنتجون في تكساس قريبا إلى دفع المال للعملاء للتخلص من براميل النفط التي بحوزتهم، على غرار خام وايومنغ الذي عرض بسعر سالب 19 سنت الشهر الماضي. وقال آندي ليبو، رئيس شركة ليبو أويل أسوشيتس في هيوستن: "لم أر قط تحول خام تكساس إلى سعر سلبي"، لكنه حدث من قبل. وقد تستمر العروض في الانخفاض إذا استمرت العقود الآجلة بالتدهور بالنسبة لخام غرب تكساس، الوسيط القياسي، إذ فقدت العقود ثلاثة أرباع قيمتها هذا العام، في الانهيار.

إن الحقيقة تكمن في أن أمريكا قد نجحت في إيهام العالم وبالأخص السعودية وروسيا (أكبر مصدري النفط) بهذه الزراعات وبأنها قد غرقت بالنفط، مع أن الأمور تجري لصالحها إذ سيذهب إلى مخزونها في حال اشترته بهذا السعر البخس وسيزيد احتياطها، وفي حال امتلأت صهاريجها كما تزعم؛ ستتوقف عن الاستيراد وعن الإنتاج حتى، وستبيعه لاحقا فور انتهاء الأزمة بالسعر الذي ستقرره 50 و60 وحتى 100 دولار للبرميل، وليس خفي على الجميع أن واشنطن هي المؤثر الأكبر على أوبك.

إن الخاسر الحالي هو الذي يبيعه -روسيا والسعودية وغيرها من الدول المنتجة-، والكاسب هو المستهلك وعلى رأس ذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي تصدر النفط متى كان مرتفعا، وتشتريه متى ما كان منخفضا لتخزنه في كهوف هائلة تحت سطح الأرض. إن اللعبة تكمن في سوق الفوركس الذي يعد أكبر سوق تجاري في العالم ويتحكم بهذا السوق كبار رؤوس الأموال الغربية ويبلغ حجم التداول فيه يوميا 4 ترليون دولار.. وكبار البنوك التي تتعامل مع هذه الأسواق مقراتها في لندن ونيويورك.

يمكننا الاستنتاج إلى أن هذه البنوك هي المستفيدة من الوهلة الأولى لانخفاض أسعار النفط تدريجيا في الوقت الذي كان معظم المحللين والمستثمرين في سوق الفوركس يتوقعون كل يوم ارتفاعه ونهاية انخفاضه معززين دخولهم بصفقات شراء جنونية، لكنه وصل إلى السالب أقل من دولار للنفط الأمريكي، مقابل 4 دولار للنفط الخام القادم من روسيا والسعودية، وفي الحقيقة هذا شيء لا يكاد يتقبله العقل والمنطق وكأن ثمة لعبة كبيرة في الأفق.

صحيح، هناك حرب مستعرة واتهامات متبادلة بين روسيا والسعودية وأزمة نفطية لم يسبق لها في التاريخ، لكن مما لا شك فيه إن التلاعب بأسعار النفط ليس له علاقة أبدا بالعرض والطلب كما يظن البعض، وإنما السياسة هي من تحرك الخيوط.. حدثت سابقا حروب عالمية وأزمات أسوأ من "كورونا" ولم يهبط النفط إلى هذا القدر في تلك الأيام التي لم يكن يوجد حينها بعد سوق اسمه "الفوركس".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.