شعار قسم مدونات

لعنة الموارد.. النفط نعمة أم نقمة؟

blogs آبار النفط

منذ عام 1973 الذي حدثت به صدمة أسعـار النفط وحتى الآن أصبحت اقتصاديات الطاقة التقليدية تلعب دوراً محورياً في تشكيل اقتصادات دول عديدة. كمـا قـامت تلك الصدمة بإعادة تشكيل وجه العلاقات السياسية الدولية وجعلت من دول الشرق الأوسط والدول النفطية الأخرى مركزاً رئيسياً مهماً. ومع ظهور الدول النفطية الجديدة في السبعينـات ظهر مصطلح (الدول الريعية) كدلالة على الدول التي تعتمد اعتماداً كاملاً أو غالباً على الموارد الغير متجددة او القابلة للنضوب كالنفط والفحم والغاز. وفي التسعينـات وبالتحديد عام 1993 برز مفهوم آخر يتمثـل في مصطلح (لعنة الموارد الوفيرة) انتشـر بعد أن استحدثه الباحث البريطاني ريتشارد اوتي، وظهر العديد من الاقتصاديين الذين قاموا باستخدام هذا المصطلح وتطبيق مئات الدراسات عليه، مثل الاقتصادي الأمريكي جيفري ساتشس، واندرو وارنر، وغايلفاوسون، والإنجليزي مايكـل روس.

 

وبحسب ما ذكر مايكل روس في كتاب نقمة النفط، ففي الخمسينات والستينات من القرن العشرين كان الخبراء الاقتصاديين يعتقدون أن الثروة النفطية ستشكل موردا هاما للثراء والتنمية لجميع الدول، فهي بطبيعة الحال تمتلك رأس المال وتستطيع استثمار إيراداتها من النفط والغاز في استثمارات البنية التحتية وإنشاء المدارس والمستشفيات والطرق ودفع عجلة التنمية إلى مستوى متقدم، كما ينبغي أن يطال ذلك التأثير ارتفاع مستوى دخل الفرد وتقليل نسب البطالة وغيرها. وبقي هذا المفهوم التقليدي صحيحاً في الستينات واوائل السبعينات من القرن الماضي، ولكن في السبعينات تحديداً حدث خطآ ما في الدول النفطية، فما الذي يعنيه مصطلح لعنة الموارد وهل النفط نعمة لهذه الدول وشعوبها أم هو نقمة عليها؟

 

يفترض مايكل روس وجود علاقة عكسية بين الوفرة النفطية في بلد ما والديمقراطية فيها؛ والسبب في ذلك يعود إلى أن بعض الحكومات تتواطأ مع شركات النفط العالمية من أجل التكتم على صفقاتها ومعاملاتها التجارية، وتؤدي هذه السرية في العائدات إلى مشكلات عديدة وتمنح للحكومة مجالاً لتبديد عائدات النفط واقتسامها بشكل غير منصف؛ ويشرح المؤلف ايضاً الفرق بين الدول الديموقراطية والدول الريعية في ذلك، فالدول الديموقراطية والتي تعتمد بشكل رئيسي على الضرائب لا تستطيع إخفاء هذه الايرادات لأنها تفرض الضرائب على الشعب وهو ما يمنح الأمر شكلاً واقعياً أكثر.

  undefined

  

أما بالنسبة للدول الريعية فهي تستطيع إخفاء العائدات النفطية الضخمة بكل سهولة. ففي الكاميرون على سبيل المثال تم التوصل إلى أن ٤٦٪؜ فقط من العائدات النفطية بين عامي ١٩٧٧ و٢٠٠٦ تم تحويلها للميزانية؛ ولا توجد بيانات أخرى توضح الآليات التي تم اتباعها لصرف الـ ٥٤٪؜ المتبقية، وهو ما يعني أن أكثر من نصف العائدات قد تم صرفها بطريقة مجهولة. وفي إندونيسيا استخدم الرئيس الاندونيسي سوهارتو شركة النفط الوطنية (بترامينيا) من أجل توزيع مساعدات مالية سرية على مؤيديه من الشعب، وذلك قبل الإطاحة به عام ١٩٨٨. وكانت هذه الشركة تتحكم بثلث ميزانية الحكومة، وكانت ايضاً محمية من قبل الحكومة ولا تكشف تحركاتها المالية للعلن.

 

يستشهد مايكل كورس أيضاً على نظريته التي ذكرها بشكل تحليلي مفصل في كتاب نقمة النفط على ثورات الربيع العربي في الشرق الأوسط كدلالة عليها، ويقول في ذلك: "في شهر كانون الثاني / يناير عام ۲۰۱۱، اندلعت احتجاجات مؤيدة للديمقراطية في أنحاء الشرق الأوسط كافة، وكان لدى الشرق الأوسط على مدى عقود من الزمن ديمقراطية أقل من أي منطقة أخرى في العالم، ونفط أكثر من أي منطقة أخرى في العالم أيضا، ليس هذا من قبيل المصادفة، فلطالما استخدم الحكام المتمولون من بيع النفط أموالهم النفطية (البترودولار) لترسيخ أنفسهم في السلطة وللحيلولة دون حدوث إصلاحات ديمقراطية، وعلى الرغم من أن المحتجين نزلوا إلى الشوارع في كل بلد عربي تقريباً، فقد وجدوا أنه من الأسهل بمكان الإطاحة بالحكام في البلاد الفقيرة بالنفط، مثل تونس ومصر، من الإطاحة بحكام البلاد الغنية بالنفط، مثل ليبيا والبحرين والجزائر والمملكة العربية السعودية.

 

لم يكن النفط دوماً عائقاً يحول دون حدوث الديمقراطية، حتى سبعينيات القرن العشرين، كانت الدول المنتجة للنفط ديمقراطية – أو غير ديمقراطية – مثلها في ذلك مثل الدول غير المنتجة للنفط، لكن منذ أواخر السبعينيات حتى أواخر التسعينيات، اجتاحت موجة من الديمقراطية العالم حاملة معها نسائم الحرية إلى كل بلدان هذا الكوكب تقريبا – ماعدا البلدان الغنية بالنفط في الشرق الأوسط وإفريقيا والاتحاد السوفياتي السابق، منذ عام ۱۹۸۰ حتى سنة ۲۰۱۱، ازدادت الفجوة الديمقراطية بين الدول المنتجة للنفط والدول غير المنتجة للنفط عمقاً واتساعاً ".

 

واخيراً؛ قد تحمل النظرية التي تبناها روس وغيره من الباحثين والخبراء الاقتصاديين الكثير من الصحة. خصوصا عند التركيز على نسبة اعتماد هذه الدول على الإيرادات النفطية مع معرفة أن هذه الإيرادات متذبذبة وغير مستقرة وتخضع للعديد من المؤثرات وغير دائمة، والجدير بالذكر آن بعض دول الخليج العربي قد أظهرت تحسناً ملحوظاً في تقليل نسبة اعتمادها على النفط في السنوات الأخيرة وهو ما يعطي مؤشراً واضحاً على جهود التنويع الاقتصادي المبذولة من حكومات هذه الدول.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.