شعار قسم مدونات

"غوانتنامو قصّتي".. من سجن قندهار إلى غوانتنامو

blogs - guantanamo
كتب المحقق تقريراً بكل هذا الكلام وأردف بتكرار السؤال: ألا يوجد طرف آخر محتمل؟ قلت له: هذا ما ساقني إليه التحليل ولا يمكنني افتراض جهة أخرى. أعادوني إلى الخيمة بعد انتهاء الجلسة التي يمكن تسميتها بالتحقيق في مقتل شاه مسعود.

تقدم اليل وطائر الليل لم يزل جاثماً على إفريز النافذة يغني طوراً وتارةً يغني لجمال الليل العربي، مستني كفٌ حنون وسمعت صوتا لطيفا يسألني "سامي! لمَ تراك تجلس مستيقظاً؟ هل من شيء؟" كانت تلك زوجتي التي حرمني منها الزبانية سنوات طويلة.

هل هي مصادفة أم أنهم تعمدوا اختيار ذكرى مرور أربعة أشهر على أحداث الحادي عشر من سبتمبر ليقوموا بنقل من ظنوهم مسؤولين عن تلك الهجمات؟

– "لا شيئ فقط أشعر بالراحة أنني في بيتي مع أسرتي وأحاول تسجيل ما مضى من أيام قاسيات كلها انقضى بعون الله".
– "لكني لا أراك تكتب! إن منحك الله القدرة على تذكر تلك الأيام الصعبة فيتعين عليك تسجيل كل لحظة فيها"
– "معك كل الحق زوجتي العزيزة"

وغابت ثم آبت تحمل أقلاما وأوراقا، وضعتها جميعا ثم جلست إلى جانبي تنظر إليّ مرة ومرة إلى الطائر، "هذا هو رفيقي هذه الليلة انهضي وخذي قسطاً من النوم. هيا."

ونهضت بينما أخذت قلما وجعلت أكتب: كان التحقيق في مرحلة الوعد المزعوم مقتصراً على أسئلة تتناول أشخاصاً وطلبات تعاون على غرار ما أوضحت، كنت في كل مرحلة أقول لهم إنني متعاون تماماً فيما أعرف، مؤكداً أن رغبتي هي العودة إلى أهلي. وقد ظلوا يقولون لي في كل مرة إنها وشيكة، لكنهم كانوا يُلحُّون على أنّ تعاوني لا يزال غير كاف. وفي الفترة الأخيرة تركزت أجوبتي على التكرار بأني لا أدري، إذ كانت أكثر الأسئلة تتناول أشخاصاً أو وقائع مجهولة.

خلال الأشهر الستة التي قضيناها في قندهار، نقل أغلب المعتقلين إلى غوانتانامو، وكانت أول طائرة أقلّت معتقلين إلى ذلك المكان السيء السمعة قد أقلعت يوم الحادي عشر من يناير.

هل هي مصادفة أم أنهم تعمدوا اختيار ذكرى مرور أربعة أشهر على أحداث الحادي عشر من سبتمبر ليقوموا بنقل من ظنوهم مسؤولين عن تلك الهجمات؟ لا أدري! فهم وحدهم يملكون الإجابة، والمستقبل قد يكشف ذلك.

كانوا يأخذون في كل فوج زهاء عشرين معتقلاً، ويفصلون بين الفوج والآخر بنحو يومين إلى ثلاثة، وعلمنا فيما بعد أن أفواج المعتقلين تسببت في زحمة السجن المؤقت بغوانتانامو، مما اضطرهم لبناء سجن "دلتا"، فكانوا كلما بنوا وحدة سجون جديدة هناك أخذوا يملؤونها من قندهار. وهكذا خلال خمسة أشهر كان ثمانون في المئة من المعتقلين في قندهار قد نقلوا إلى غوانتانامو.

كنا بين الفينة والأخرى نلتقي بمعتقلين جدد تباينت قضاياهم. التقيت بمجموعة من الأفغان جيء بهم بتهمة الانتماء لحركة طالبان والتهيئة لعمل عسكري. والحقيقة كما أثبتتها التحقيقات التي هيَّأت لإطلاق سراحهم، أنهم تجمّعوا في مسجد لبحث قضايا اجتماعية تخصهم. فأبلغ عنهم أحد الأفغان، فأحاط الأمريكيون بالمسجد واعتقلوهم ليُخلى سبيلهم لاحقاً بعد تحقيق وتعذيب وتنكيل.
 

وفي إحدى المرات جيء بمجموعة تتبع لزعيم الحرب الأفغاني الأوزبكي الجنرال عبد الرشيد دستم، وقد أحضروهم بأزيائهم العسكرية ومنعوا الاتصال بهم، ليتبين لاحقاً أن هؤلاء دخلوا في معركة مع قوات زعيم الحرب الجنرال فهيم للسيطرة على مصنع للأسمنت في الشمال، وأن القوات الأمريكية تدخلت واعتقلتهم لفك الاشتباك!

في اليوم الثالث عشر من شهر يونيو بدأ نقل البقية إلى غوانتانامو، ويبدو أنه صدر قرار بنقل الجميع وإغلاق معسكر قندهار نهائياً.

على هذه الشاكلة كانوا يأتون بمجموعات من الأفغان بين الفينة والأخرى، ليطلقوا سراحهم لاحقاً. لكن المعتقلين العرب وذوي الجنسيات الأخرى غير الأفغانية لم يطلق سراح أي منهم، فالخطأ في اعتقالهم لم يكن وارداً على ما يبدو في أذهان السلطات الأمريكية حينئذ. ومع نهاية شهر مايو،لم يبق من المعتقلين في قندهار إلا ما بين عشرة إلى عشرين في المئة، فكنتَ لا تجد في الخيمة الواحدة أكثر من سبعة أشخاص.

في اليوم الثالث عشر من شهر يونيو بدأ نقل البقية إلى غوانتانامو، ويبدو أنه صدر قرار بنقل الجميع وإغلاق معسكر قندهار نهائياً، فنظموا رحلات بمعدل رحلة واحدة كل يومين. كانوا ينادون على رقم المعتقل المرحل، وينقل إلى خيمة أخرى عند صلاة الظهر، ويبقى هناك إلى ما بعد صلاة العشاء فينقل إلى طائرة تُقـلُّه إلى غوانتانامو.

استدعوني في منتصف نهار يومٍ شديد القيظ، فيه يظن الإنسان أن الشمس مُسلطة على رأسه وحده! خرجت من الخيمة مع عدد من المعتقلين، وقبل أن ننطلق أوثقونا بالحبال وأجلسونا على الأرض جثِـياًّ على ركبنا، وغطوا رؤوسنا في ذلك الحر في انتظار تجميع بقية المعتقلين من الخيم الأخرى، ثم جمعونا في صف واحد.

سيق ذلك العدد إلى خيمة النقل، كنا مقيَّدي الأيدي والأرجل، ويربط بين صفوفنا حبل يشد بعضنا إلى بعض. خرجنا من الحوش الأول إلى حوش آخر، وبين كل سورين خيامٌ للحراسة وأبراجٌ عالية لمراقبة خيام المعتقلين. وفي السور الثالث أدخلونا في إحدى الخيام، وبقينا مقيدي الأيدي في انتظار الترحيل، يحرسنا العسكر وكلابهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.