فتح الله غولن

فتح الله غولن داعية سياسي تركي، بدأ حياته على منابر المساجد، وتحول إلى شيخ طريقة وقائد جماعة، مزج التصوف بالسياسة، فحارب حزب العدالة والتنمية ذي التوجه الإسلامي، وأيد العسكريين وتحالف مع العلمانيين.

المولد والنشأة
ولد فتح الله غولن يوم 27 أبريل/نيسان 1941 في قرية "كوروجك" بمحافظة أرضروم التركية، في عائلة متدينة.

الدراسة والتكوين
درس القرآن في بيت أهله على والدته رفيعة خانم التي حرصت على تعليمه، ويقول إنها كانت توقظه في الليل لتقرئه القرآن، وأنه حفظه في زمن قياسي.

التحق بمدرسة دينية في طفولته، وكان يتردد على الدائرة الصوفية (التكية) ليتلقى تربية روحية إلى ‏جانب العلوم الدينية التي بدأ يتلقاها من علماء معروفين.

درس النحو والبلاغة والعقائد والفقه وأصوله على عثمان بكتاش، ولم يهمل دراسة العلوم الوضعية ‏والفلسفية، التي عمق مطالعاتها ودراستها بعدئذ.

الوظائف والمسؤوليات
عمل إماما في جامع (أُوجْ شرفلي) بمدينة أدرنة التي مكث فيها سنتين ونصف السنة، ثم بدأ عمله الدعوي في أزمير بجامع "كستانه بازاري" وفي مدرسة تحفيظ القرآن التابعة للجامع.

التوجه الفكري
يعتبر غولن من أتباع التصوف، ويصنف صوفيا في أفكاره ودعوته، وقد تأثر في توجهاته المعلنة ببديع الزمان سعيد النورسي، صاحب "رسائل النور" الذي لم يلتقه.

ورغم ذلك البعد، فإنه يضع الإسلام والقومية والليبرالية في كفة واحدة، ويرى أن الإسلام ليس أيديولوجية سياسية أو نظام حكم أو شكلاً من أشكال السلطة.

خلال النصف الثاني من القرن العشرين كان أحد الرواد الذين شكلوا الجيل الثاني من الحركة النورسية بعد تفرقها، فأنشأ ما سمي لاحقا بـ"جماعة الخدمة" التي تعتبر أحد أهم وأقوى فرق الجماعة الأم.

يقوم المنهج الفكري لـ"جماعة الخدمة" (التي تأسست أوائل 1970) على كتب غولن وكتب النورسي، إضافة إلى أوراد الذكر والأدعية المختلفة، ويعيب عليها بعض المتابعين ضعف التركيز على القرآن الكريم وعلومه.

التجربة الدعوية والسياسية
بدأ غولن نشاطه الدعوي مبكرا، وانطلق واعظا يلقي الخطب في جوامع غرب الأناضول، ويلقي المحاضرات، وينعش الندوات العلمية والدينية والاجتماعية والفلسفية والفكرية، في مناطق كثيرة من تركيا.

عرف بتبحره في العلوم الإسلامية المختلفة، وبراعته في الخطابة، إضافة إلى غزارة إنتاجه العلمي، حيث ألف نحو ستين كتابا، ترجمت إلى 39 لغة منها العربية والإنجليزية والفرنسية والصينية والألمانية والألبانية.

أسس غولن "جماعة الخدمة" فكانت في البداية واجهة تربوية ودعوية، لكنها ما لبثت أن تمددت وتعددت أذرعها لتشمل التجارة والاقتصاد، والصحافة والإعلام، والتعليم، ومختلف مناحي الحياة، داخل تركيا وخارجها، في العالم الإسلامي وخارجه.

عرف نشاط الحركة تطورا كبيرا بعد انقلاب 1980، فاستفادت من دعم الدولة لتبدأ رحلتها في إنشاء المدارس، والمؤسسات الاقتصادية والهيئات الإعلامية، وأنشأت وقف الصحافيين والكتاب الأتراك ليصبح الجهة الممثلة للجماعة بشكل شبه رسمي.

ورغم عدم انخراط غولن في الحياة السياسية بشكل مباشر وإصراره على وصف جماعته بأنها "فوق السياسة"، فقد كانت له مواقف سياسية في أكثر من مناسبة، فقد أيد انقلاب 1980 ومدح قياداته العسكرية، كما اجتمع بانتظام مع شخصيات سياسية بارزة في مختلف الأنظمة، وقد أشاد بمصطفى أتاتورك، واتهم الحركات الإسلامية بالفهم الخاطئ له ولسياساته وفكره.

ومع أن حركته قد دأبت على نفي الطموح السياسي عن نفسها، وتأكيد عدم اهتمامها بالعمل السياسي الحزبي، فإنها سعت باستمرار للوصول إلى المناصب العليا في مختلف المؤسسات، وتحالفت مع جميع الأحزاب التركية.

اتسمت علاقات غولن مع الغرب بالتصالح، انطلاقا من رأيه أن الغرب يقود العالم، ويتحتم على كل من يريد الحضور على الساحة العالمية التصالح والتنسيق معه لا مصادمته، وفي المقابل نظر الغرب إليه بالرضى دائما.

وقد رسخ هذه النظرة في مشروع "حوار الأديان" الذي أطلقه عبر لقاءاته مع القساوسة وبابا الفاتيكان.

 وانسجاما مع ذلك تجنبت "الخدمة" -عبر تاريخها الطويل- انتقاد إسرائيل حتى في أقسى المراحل وأبشع المجازر، بل أكثر من ذلك انتقدت الجماعة رحلة سفينة "ماوي مرمرة" التي اعترضتها قوات الاحتلال الإسرائيلية في عرض المياه الدولية وقتلت تسعة مواطنين أتراك من ركابها.

وهاجمت وسائل إعلام الجماعة السفينة ومنظمي رحلتها التي ادعت أنها "لا تعرفهم"، وحمّلهم غولن المسؤولية في حوار له مع صحيفة وول ستريت جورنال لأنهم "لم يأخذوا الإذن من إسرائيل، إذ التحرك من دون إذن السلطة تمرد".

عرفت علاقة جماعة غولن بحزب العدالة والتنمية التركي تطورا مفصليا في ديسمبر/كانون الأول 2013، إثر اتهام الحكومة لأفراد في الجماعة بالوقوف خلف عمليات تنصت غير قانونية، واختلاق تسجيلات صوتية. ووصفت الحكومة الجماعة بالكيان الموازي، وألغت جواز سفر غولن المقيم في الولايات المتحدة، وشنت حملة دبلوماسية لإغلاق مدارس الجماعة خارج تركيا، ووضعت آليات تمويلها تحت رقابة الدولة.

بالمقابل، اتهم غولن حزب العدالة والتنمية الحاكم بجر البلاد نحو الاستبداد، وأضاف في مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز يوم 3 فبراير/شباط 2015 أن الحزب يمارس القمع بحق المجتمع المدني، موضحا أن الحزب بإجراءاته جعل حلم الأتراك بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يتبدد.

وشنت أجهزة الأمن التركية من جهتها حملة اعتقالات في صفوف رجال شرطة اتهموا بالقيام بعمليات تنصت غير شرعي.

اتهم المسؤولون الأتراك غولن وجماعته بالتورط في محاولة انقلاب 15 يوليو/تموز 2016 الفاشلة. لكن غولن ندد في بيان مقتضب "بأشد العبارات" بمحاولة الانقلاب، ونفى تورطه أو جماعته في الانقلاب الذي جرى، وعلق على ذلك بقوله "من المسيء كثيرا بالنسبة لي كشخص عانى من انقلابات عسكرية عديدة في العقود الخمسة الماضية، أن أتهم بأنني على أي ارتباط كان بمثل هذه المحاولة"، مضيفا "أنفي بصورة قاطعة مثل هذه الاتهامات".

المؤلفات
ألف فتح الله غولن حوالي ستين كتابا أغلبها حول التصوف في الإسلام ومعنى التدين، والتحديات التي تواجه الإسلام، كما ألف في السيرة النبوية كتابا سماه "النور الخالد: الدراسة العلمية للسيرة النبوية"‏ وقد حصل على العديد من الجوائز عن كتبه تلك.

المصدر : الجزيرة

إعلان