فتح الله غولن داعية صوفي متهم بمحاولة انقلاب على أردوغان

فتح الله غولن داعية وسياسي تركي، بدأ حياته على منابر المساجد، وتحول إلى شيخ طريقة وقائد جماعة، مزج التصوف بالسياسة، فحارب حزب العدالة والتنمية ذا التوجه الإسلامي، وأيد العسكريين وتحالف مع العلمانيين، حتى اتهم بالتخطيط لمحاولة انقلاب على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عام 2016.

المولد والنشأة

ولد فتح الله غولن يوم 27 أبريل/نيسان 1941 في قرية "كوروجك" التابعة لقضاء حسن قلعة بمحافظة أرضروم التركية، في عائلة متدينة.

تعلّم القرآن على يد والدته رفيعة وهو في الرابعة من عمره، ويقول إنها كانت توقظه في الليل لتقرئه القرآن، وأنه حفظه في زمن قياسي.

وتأثر بمجلس العلم الذي كان والده رامز أفندي يقيمه للعلماء والمتصوفة المعروفين آنذاك في المنطقة. وعلى يدي والده تعلم اللغة العربية والفارسية.

الدراسة والتكوين

التحق بمدرسة دينية في طفولته، وكان يتردد على الدائرة الصوفية (التكية) ليتلقى تربية روحية إلى ‏جانب العلوم الدينية التي بدأ يتلقاها من علماء معروفين.

درس النحو والبلاغة والعقائد والفقه وأصوله على عثمان بكتاش، ولم يهمل دراسة العلوم الوضعية ‏والفلسفية، التي عمق مطالعاتها ودراستها بعدئذ.

الوظائف والمسؤوليات

عمل إماما، عندما بلغ العشرين من عمره، في جامع (أُوجْ شرفلي) بمدينة أدرنة، التي مكث فيها سنتين ونصف السنة، ثم بدأ عمله الدعوي في إزمير بجامع "كستانه بازاري"، وفي مدرسة تحفيظ القرآن التابعة للجامع.

التوجه الفكري

يُصنف غولن صوفيا في أفكاره ودعوته، وقد تأثر في توجهاته المعلنة ببديع الزمان سعيد النورسي، صاحب "رسائل النور".

إعلان

لكنه يضع الإسلام والقومية والليبرالية في كفة واحدة، ويرى أن الإسلام ليس أيديولوجية سياسية أو نظام حكم أو شكلاً من أشكال السلطة. ويصر غولن على وصف جماعته بأنها "فوق السياسة".

خلال النصف الثاني من القرن العشرين كان أحد الرواد الذين شكلوا الجيل الثاني من الحركة النورسية بعد تفرقها، فأنشأ ما سمي لاحقا بـ"جماعة الخدمة" التي تعتبر أحد أهم وأقوى فرق الجماعة الأم.

يقوم المنهج الفكري لـ"جماعة الخدمة" (التي تأسست أوائل 1970) على كتب غولن والنورسي، إضافة إلى أوراد الذكر والأدعية المختلفة، ويعيب عليها بعض المتابعين ضعف التركيز على القرآن الكريم وعلومه.

التجربة الدعوية والسياسية

بدأ غولن نشاطه الدعوي مبكرا، وانطلق واعظا يلقي الخطب في جوامع غرب الأناضول، ويلقي المحاضرات، وينعش الندوات العلمية والدينية والاجتماعية والفلسفية والفكرية، في مناطق كثيرة من تركيا.

عرف بتبحره في العلوم الإسلامية المختلفة، وبراعته في الخطابة، إضافة إلى غزارة إنتاجه العلمي، إذ ألف نحو 60 كتابا، ترجمت إلى 39 لغة، منها العربية والإنجليزية والفرنسية والصينية والألمانية والألبانية.

أسس غولن "جماعة الخدمة" فكانت في البداية واجهة تربوية ودعوية، لكنها ما لبثت أن تمددت وتعددت أذرعها لتشمل التجارة والاقتصاد والصحافة والإعلام والتعليم، ومختلف مناحي الحياة، داخل تركيا وخارجها، في العالم الإسلامي وخارجه.

عرف نشاط الحركة تطورا كبيرا بعد انقلاب 1980، فاستفادت من دعم الدولة لتبدأ رحلتها في إنشاء المدارس والمؤسسات الاقتصادية والهيئات الإعلامية، وأنشأت وقف الصحافيين والكتاب الأتراك ليصبح الجهة الممثلة للجماعة بشكل شبه رسمي.

وعلى الرغم من عدم انخراط غولن في الحياة السياسية بشكل مباشر وإصراره على وصف جماعته بأنها "فوق السياسة"، فقد كانت له مواقف سياسية في أكثر من مناسبة.

إعلان

فقد أيد انقلاب 1980 ومدح قياداته العسكرية، كما اجتمع بانتظام مع شخصيات سياسية بارزة في مختلف الأنظمة، كما أشاد بمصطفى أتاتورك، واتهم الحركات الإسلامية بالفهم الخاطئ له ولسياساته وفكره.

ومع أن حركته دأبت على نفي الطموح السياسي عن نفسها، وتأكيد عدم اهتمامها بالعمل السياسي الحزبي، فإنها سعت باستمرار للوصول إلى المناصب العليا في مختلف المؤسسات، وتحالفت مع جميع الأحزاب التركية.

اتسمت علاقات غولن مع الغرب بالتصالح، انطلاقا من رأيه أن الغرب يقود العالم، ويتحتم على كل من يريد الحضور على الساحة العالمية التصالح والتنسيق معه لا مصادمته، وفي المقابل نظر إليه الغرب بعين الرضى.

وقد رسّخ هذه النظرة في مشروع "حوار الأديان" الذي أطلقه عبر لقاءاته مع القساوسة وبابا الفاتيكان.

ومنذ عام 1999 سافر غولن إلى الولايات المتحدة الأميركية، وأقام في منطقة جبلية بولاية بنسلفانيا شمال شرق البلاد.

وانسجاما مع ذلك تجنبت "جماعة الخدمة" -عبر تاريخها الطويل- انتقاد إسرائيل، بل إن غولن انتقد رحلة سفينة "مافي مرمرة" التي اتجهت إلى قطاع غزة لكسر الحصار المفروض عليه، واعترضتها إسرائيل في عرض المياه الدولية وقتلت 9 مواطنين أتراك من ركابها عام 2010.

وهاجمت وسائل إعلام الجماعة السفينة ومنظمي رحلتها التي ادعت أنها "لا تعرفهم"، وحمّلهم غولن المسؤولية في حوار له مع صحيفة وول ستريت جورنال لأنهم "لم يأخذوا الإذن من إسرائيل، إذ التحرك من دون إذن السلطة تمرد".

عرفت علاقة جماعة غولن بحزب العدالة والتنمية التركي تطورا مفصليا في ديسمبر/كانون الأول 2013، إثر اتهام الحكومة لأفراد في الجماعة بالوقوف خلف عمليات تنصت غير قانونية، واختلاق تسجيلات صوتية.

ووصفت الحكومة الجماعة بـ"الكيان الموازي"، وألغت جواز سفر غولن، وشنّت حملة دبلوماسية لإغلاق مدارس الجماعة خارج تركيا، ووضعت آليات تمويلها تحت رقابة الدولة.

إعلان

بالمقابل، اتهم غولن حزب العدالة والتنمية الحاكم بجر البلاد نحو الاستبداد، وأضاف في مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز يوم 3 فبراير/شباط 2015 أن الحزب يمارس القمع بحق المجتمع المدني، موضحا أن الحزب بإجراءاته جعل حلم الأتراك بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يتبدد.

وشنت أجهزة الأمن التركية من جهتها حملة اعتقالات في صفوف رجال شرطة اتهموا بالقيام بعمليات تنصت غير شرعي.

وقد اتهم رئيس الوزراء التركي الأسبق أحمد داود أوغلو "الكيان الموازي" بمحاولة الانقلاب على القضاء بتركيا في أبريل/نيسان 2015 عندما صدر قرار محكمة الجزاء الابتدائية الـ32 بإسطنبول بإخلاء سبيل العديد من المتهمين الموقوفين على خلفية تحقيقات "الكيان الموازي".

وكان من بين الذين صدر أمر بإخلاء سبيلهم "هدايت قاراجه" مدير النشر في صحيفة "زمان" المحسوبة على غولن، ومديرين أمنيين آخرين، وذلك رغم وجود قرار من محكمة أخرى يقضي بعكس ذلك، ورغم عدم إرسال المدعين العامين الذين يديرون التحقيقات لملفات القضية.

وفي إطار هذه المعركة، قضت محكمة بكر كوي بمدينة إسطنبول، يوم 1 مايو/أيار 2015 باعتقال القاضي السابق لمحكمة الجزاء الابتدائية الـ32 في المدينة "مصطفى باشر"، الذي سلم نفسه للسلطات الأمنية.

وقد وجهت إليه المحكمة تهما بـ"محاولة الإطاحة بالحكومة التركية، والمساعدة بشكل كامل أو جزئي في عرقلة قيامها بأعمالها"، و"الانتماء لمنظمة مسلحة".

واتهم المسؤولون الأتراك غولن وجماعته بالتورط في محاولة انقلاب 15 يوليو/تموز 2016 الفاشلة. لكن غولن ندد في بيان مقتضب "بأشد العبارات" بمحاولة الانقلاب، ونفى تورطه أو تورط جماعته في هذه المحاولة.

وعلق على ذلك بقوله "من المسيء كثيرا بالنسبة لي كشخص عانى من انقلابات عسكرية عديدة في العقود الخمسة الماضية، أن أتهم بأنني على أي ارتباط كان بمثل هذه المحاولة"، مضيفا "أنفي بصورة قاطعة مثل هذه الاتهامات".

إعلان

المؤلفات

ألف فتح الله غولن حوالي 60 كتابا أغلبها حول التصوف في الإسلام ومعنى التدين، والتحديات التي تواجه الإسلام، كما ألف في السيرة النبوية كتابا سماه "النور الخالد: الدراسة العلمية للسيرة النبوية"‏، وقد حصل على العديد من الجوائز عن كتبه تلك.

الوفاة

توفي غولن يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول 2024 في الولايات المتحدة الأميركية عن عمر ناهز 83 عاما.

وقد مات غولن متأثرا بمشاكل في القلب والأوعية الدموية أثناء تلقيه العلاج في أحد مشافي ولاية بنسلفانيا.

المصدر : الجزيرة + الصحافة التركية

إعلان