هضبة الأناضول.. امتازت بتنوع الثقافات والأديان واللغات ومنها ظهر مؤسس الدولة العثمانية
الأناضول أو وسط آسيا، منطقة جغرافية تمثل معظم مساحة الجمهورية التركية باستثناء هضبة أرمينيا. تتميز الأناضول بتنوع التضاريس وتباين المناظر الطبيعية، أما ثقافيا وسياسيا فقد تعاقبت عليها الإمبراطوريات عبر التاريخ وتحدثت عدة لغات، وعاشت فيها أديان وأعراق مختلفة.
الموقع
تغطي منطقة الأناضول معظم أراضي تركيا، يحدها من الشمال البحر الأسود ومن الجنوب الشرقي جبال طوروس والبحر الأبيض المتوسط، ومن الغرب بحري إيجة ومرمرة، وتقدر مساحتها بحوالي 500 ألف كيلومتر مربع.
وأبرز تضاريسها هضبة تعلوها الجبال ومجموعة من البحيرات، ومناخها متنوع، ففي المناطق الساحلية مناخ متوسط حار وجاف في فصل الصيف ومعتدل ورطب في فصل الشتاء، بينما يسود في الهضبة الرئيسية المناخ الحار في فصل الصيف والبارد في فصل الشتاء.
وتنقسم الأناضول إلى عدة أقاليم هي:
- إقليم بحر مرمرة.
- إقليم بحر إيجة.
- إقليم البحر الأبيض المتوسط.
- إقليم البحر الأسود.
- إقليم وسط الأناضول.
- إقليم الأناضول الشرقي.
- إقليم شمال شرق الأناضول.
التركيبة السكانية
يتنوع السكان في منطقة الأناضول ويشكل الأتراك النسبة الكبرى منهم، حيث تبلغ نسبتهم 85.7%، بالإضافة إلى الأقليات الكردية والشركسية والأرمن.
ويسكن مدن الأناضول 60%، ويقطن 30% في الريف، وتشكل نسبة البدو 10%.
وحسب هيئة الإحصاء التركية، فقد بلغ تعداد السكان حوالي 83 مليون نسمة في عام 2020، منقسمين إلى 50.1% من الذكور و49.9% من الإناث.
وتعيش في الأناضول إضافة للعرق التركي الذي يشكل غالبية السكان، أعراق أخرى مثل الأكراد والقوقاز والعرب والفرس والأذريين.
التاريخ
ظهر مسمى الأناضول لأول مرة في القرن الرابع الميلادي من قبل أحد حكام بيزنطة (المدينة اليونانية القديمة التي قامت على ضفاف بحر البوسفور)، وينقسم مسمى الأناضول في اللغة التركية إلى قسمين: الأول: (Ana) ومعناه الأم والثاني: (Dolu) أي الكامل.
وعرفت المنطقة بأسماء عديدة بحسب سكانها، فسماها الحيثيون (آسيا الوسطى) وضموها إلى ملكهم في أواسط القرن الرابع عشر قبل الميلاد، بينما أطلق عليها الإغريق (أناتولي)، وهي كلمة يونانية تعني الأرض التي تشرق منها الشمس، وسماها البيزنطيون -الدولة المسيحية التي اتخذت من القسطنطينية عاصمة لها- "أنطوليكون" (الشرقي) وهي الأراضي الواقعة شرق أوروبا.
وتعاقب على العيش في الأناضول عدة ممالك وحضارات منها الإمبراطورية الأكادية، والإمبراطورية الآشورية، والمملكة الحيثية، والمملكة الآشورية الحديثة، والمملكة الحيثية الجديدة، وقد احتلت المملكة اليونانية الأناضول تحت حكم الإسكندر الأكبر والإمبراطورية الرومانية، ثم حكمتها الإمبراطورية العثمانية.
تحدث شعب الأناضول قديمًا لغات عديدة ترجع إلى أصول اللغتين الهندية والأوروبية، وتكلموا كذلك اللغات الحيثية واللوية والليدية.
وفي آواخر القرن الحادي عشر بدأ التحدث باللغة التركية، وذلك تحت حكم الإمبراطورية السلجوقية مرورا بحكم الإمبراطورية العثمانية بين أواخر القرن الثالث عشر وأوائل القرن العشرين.
ورغم ذلك بقيت الأقليات في الأناضول تتحدث بلغات مختلفة عن التركية، تشمل الكردية والآرامية الجديدة والأرمنية والعربية واللازية والجورجية واليونانية.
وكان من الشعوب القديمة الأخرى في المنطقة: الغلاطيون والحوريون والآشوريون والهاتيون والكيميريون والأيونيون والدوريون واليونانيون الأيوليكيون.
الاقتصاد
تشكل الأراضي الزراعية في منطقة الأناضول ما يقارب 28 مليون هكتار من المساحة الجغرافية الإجمالية للمنطقة، ويعتبر إنتاج القمح في مقدمة المحاصيل الزراعية، وتليه مجموعة من أنواع الحبوب مثل الذرة والشعير، كما تشتهر المنطقة بإنتاج العديد من أنواع الفواكه والخضروات مثل التين والتفاح والزيتون والعنب.
أما جغرافيًّا فتتميز المنطقة بوجود أنهار تصب في البحر الأسود وبحر مرمرة، وعدة جبال مثل جبال قره طاغ وجبال أركى طاغ، وفي وسط الأناضول توجد البحيرات المالحة ومن أشهرها بحيرة طوز كولي وبحيرة أغردير كولي.
ويشتهر غرب الأناضول بكثرة الخلجان والجُزر القريبة من السهول الخصبة، وأشهر تلك الجزر هما ساقز ومدللي.
ويعمل أغلب سكان منطقة الأناضول في الزراعة التي تتنوع بين الحقلية مثل زراعة الحبوب والبقوليات والقطن، إضافة إلى زراعة الأشجار المثمرة، ويعتني مزارعو الأناضول بالثروة الحيوانية مثل الأغنام والخيول والجمال والأبقار.
وتشكل الصناعة أساسا مهما في اقتصاد المنطقة، من مصانع السيارات وقطع الغيار وصناعة الإسمنت والصناعات الغذائية وصناعة الأثاث المزدهرة في المنطقة، وتحتوي المنطقة على عدة مصانع للسلاح والصناعات الدفاعية.
وتتميز الأناضول بوجود شبكة مواصلات قادرة على ربط مناطقها بمنافذ التصدير، مما يجعل عجلة الاقتصاد في تقدم مستمر.
وتزخر منطقة الأناضول بثروات طبيعية كالفحم الحجري والنحاس والكروم والكبريت والملح.
وتشكل العمليات التجارية التي تعتمد على الاستيراد والتصدير نسبة كبيرة من الإيرادات المالية العامة، ومن أهم الصادرات التركية إلى دول العالم المواد الاستهلاكية والألبسة والصناعات الجلدية والمعادن الصلبة مثل الحديد والأجهزة الكهربائية.
المعالم
منطقة الأناضول مليئة بالمعالم الأثرية والتاريخية التي ترجع إلى حضارات وأديان متنوعة سكنت المنطقة على حقب زمنية مختلفة، ففي غرب الأناضول تقع مدينة إفسوس، وهي من أعظم المدن الإغريقية القديمة التي أسست في الأناضول ويعود بناؤها إلى القرن العاشر قبل الميلاد.
ومن أبرز معالمها المدينة التاريخية القديمة لإسطنبول التي تشمل العديد من الآثار القديمة العائدة إلى القرن السادس عشر الميلادي، مثل المسجد الأزرق وكنيسة أيا صوفيا.
وفي وسط الأناضول تقع منطقة كبادوكيا وتحتوي على معالم أثرية تعود إلى عصر الإمبراطورية الحيثية، وفي مدينة جوروم تنتشر آثار عاصمة الإمبراطورية الحيثية التي صنّفتها اليونيسكو في قائمة التراث الإنساني العالمي.
أما مدينة أنقرة فتضم عددا من المعالم التاريخية المرتبطة بتاريخ الجمهورية التركية كضريح مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك.
وتشتهر مدينة قونية بخاناتها وحماماتها التاريخية، كما تعرف بمساجدها التاريخية مثل مسجد علاء الدين، الذي بني في العهد السلجوقي، وفيها ضريح جلال الدين الرومي.
وفي جنوب شرق الأناضول يوجد المعبد الأقدم المسمى تل البطن، والذي يبين كيف انتقل الإنسان من مرحلة صيد الحيوانات إلى الزراعة، وكذلك جبل النمرود وتماثيل الرؤوس التي تعود إلى القرن الأول قبل الميلاد وتعتبر من معالم التراث العالمي التابعة لليونسكو في تركيا.
وأمام جبال طوروس وعلى ساحل البحر الأبيض المتوسط يقع المسرح الكبير "أسبيندوس" بالقرب من ولاية أنطاليا التركية، ويصنفه المؤرخون بأنه من أفضل الآثار الرومانية في العالم.
أبرز الأعلام
لعبت دولة السلاجقة دورا كبيرا في الحروب الصليبية وكذلك في الصراع الإسلامي البيزنطي، ومن أشهر قادتها طغرل بك، وألب أرسلان صاحب النصر الكبير في معركة ملاذ كرد، وأرطغرل بن سليمان شاه أبو عثمان بن أرطغرل مؤسس الدولة العثمانية، التي دام حكمها عدة قرون.
وفي منطقة الأناضول برز العديد من علماء المسلمين الذين ألفوا عدة مؤلفات في العقيدة والفقه، ومنهم أبو إسحاق الشيرازي إمام الفقه والأصول والحديث، والإمام الغزالي أحد أشهر علماء المدارس النَّظَّامية، وعبد الملك الجويني أحد أشهر علماء الدولة السلجوقية.