شعار قسم مدونات

متلازمة طالب الطب.. هل القراءة عن مرض تسبب الإصابة به؟!

blogs طبيب

غالبا ما يتحدث الممارسون الطبيون عن أن طلاب الطب يعانون من مشاكل قصور الغدة الدرقية ومن الأعراض المتعلقة بالأمراض التي يدرسونها، وهي ظاهرة تحمل اسم "متلازمة طالب الطب" خلال سنوات الدراسة، على طلبة الطب دراسة متلازمات وقوائم بأعراض مرضية نادرة وخبيثة. كلما قرأوا أكثر عن المرض، كلما تعمق إيمانهم بإصابتهم بعرض أو علامة تترافق معه، مثلاً.. يقرأ الطالب عن ورم المخ والذي يترافق مع الصداع، فإذا تصادف أن الطالب يعاني من صداع في تلك الفترة، يَفْترض أنه مصاب بورم في الدماغ. وهذا أمر لا يقتصر على طلبة الطب، إذ أن كل شخص يقرأ في المواضيع الطبية معرض لهذه الحالة فهو نوع من الأبوفنيا (تجربة رؤية الارتباطات بين أشياء لا وجود لها) ولكن وُجد أنها منتشرة بشكل أكبر بين طلبة الطب بحكم دراستهم.

لماذا طلاب الطب؟

أشارت الأبحاث إلى أن كلية الطب تتسبب في أن يعاني الطلاب من قدر كبير من الضغط النفسي بسبب العمل المطلوب، وضغط الاختبارات، والقلق المرتبط بالتجارب السريرية الجديدة والبيئة التنافسية، ويعتقد أن هذا الضغط يؤثر على اكتشاف الأعراض من خلال تعزيز الأحاسيس الجسدية من خلال التنشيط اللاإرادي، وجعل الأفراد أكثر وعياً بحالتهم الجسدية، ولا سيما تعزيز الألم. هناك عامل فريد لطلاب الطب بالخاصة دونا عن غيرهم ألا وهو التعرض السريري والمكثف للمعرفة الطبية، يُعتقد أن هذه المعرفة تؤثر على إدراك الأعراض من خلال التوقعات والمعتقدات المرضية التي تنشأ عنها، مما يؤدي إلى "الانتباه الانتقائي" لأحاسيس ومناطق محددة.

يعتقد أيضًا أن المعرفة تؤثر على تفسير الأعراض، من خلال جعل طلاب الطب يكتشفون مدى ضعف الخط الفاصل بين الصحة والمرض وإعادة التفكير في الأعراض التي تم إهمالها سابقًا وإنعاشها اليوم في قالب مرضي في سياق المعرفة التي تم الحصول عليها حديثا بالدراسة عن الأمراض وتظاهراتها. وبعد ملاحظة بعض الخلل الوظيفي الجسدي غير الضار لدى بعض الطلبة، اقترح باحثون سابقون أن هذا المزيج الفريد من التوتر والمعرفة السريرية يتسبب لدى طلاب الطب لأن يعطوا خوف غير مبرر لأوهامهم، وأن هذا الخوف عادة ما يكون إما على غرار مريض رأوه أو قصة سريرية سمعوها.

العلاقة النفسية العضوية
أصبح الإنترنت وسيلة شائعة جدًا للوصول إلى المعلومات الطبية، عبر مواقع الويب التي تقدم في كثير من الأحيان معلومات غير موثوق بها أو مزعجة، وليس سرا أن هذه المتلازمة صارت أكثر شيوعاً مع شيوع استخدام الإنترنت

تأتي فكرة تظاهر الخلل النفسي بخلل آخر جسدي عضوي، بسبب تظاهر بعض حالات من الأمراض الخطيرة بذلك، وهذا ما يقودنا للحديث عن آفاق أخرى عن ثنائية "نفسية-عضوية" التي يتم الحديث عنها أحيانا بنوع من التحفيز من أشخاص من خارج المجال الطبي لمرضى السرطان، والحديث عن أهمية العامل النفسي والقوة والشجاعة والإيمان وما يرادف ذلك نفسيا ومعنويا في التغلب على مرض عضوي خطير ألا وهو السرطان.

وهذا الحديث السابق لا يعني كما يبدو بظاهره غير علمي وغير أكاديمي، بل مثبتٌ علميا علاقة الجهاز المناعي في أجسادنا -الذي يحارب السرطان- بشعورنا المسبق عن أمل الشفاء وتوقعنا لنتائج المرض. بالإضافة إلى حقيقة أن القلق صانع الأمراض، وكما يشرح العلماء أن القلق يصيب نحو 15 بالمئة من الأفراد في أثناء حياتهم وأعراضه النفسية تتميز بالعصبية والخوف من الأمراض وبخاصة القلب مع إحساس بالترقب المتشائم والقلق والأرق وصعوبة التركيز وسهولة الإثارة العصبية.

وعادة ما يكون القلق النفسي في هيئة أعراض عضوية في أجهزة الجسم المختلفة، فقلق الجهاز الهضمي يتميز بجفاف الحلق وصعوبة البلع وسوء الهضم والحموضة والانتفاخ والإسهال أو الإمساك والمغص والتلبك المعوي، وأن الشعور بالقلق قد يحدث ما يُسمَّى المعدة العصبية، ما يؤدي إلى قروح وتلف عضوي في الأغشية المخاطية للمعدة والأمعاء، وقلق الجهاز القلبي الدوري يأتي في هيئة زيادة في ضربات القلب وآلام في الصدر وبخاصة في الناحية اليسرى وزيادة في ضغط الدم مع إحساس بالدوخة.

شيوع المتلازمة

بالطبع هي ليست متلازمة مفروزة على أساس دول عالم ثالث ودول متقدمة، وإنما هي ظاهرة واردة للانتشار في الوسط الطبي الجامعي أينما وقع، كون المخاوف واحدة وظروف تعزيزها واحدة والمعرفة الطبية التي يتلقاها الطلبة الطبيون وإن اختلفت فهي تلتقي في الغالب، لكن من وجهة نظر أخرى واحدة من العوامل التي تهول شيوع المتلازمة هي أن القلق الصحي لدى طلاب الطب يبدو أكثر وضوحًا للأطباء-المعلمين من طلاب الطب مقارنة بطلاب كليات أخرى، لأن طلاب الطب لديهم درجة أعلى من الاتصال مع المعلمين في كثير من المواضع، ومن المحتمل أن يتم ذكر القلق في المحادثة العادية.

بالإضافة إلى أن طلاب الطب الذين يعانون من مشاكل قصور الغدة الدرقية العابرة مثل الطلاب الآخرين لكنهم قد يتشاورون مع الأطباء، وهنا يكون الطلاب الآخرون -غير طلبة الطب- أكثر غموضًا بشأن الأمراض المشتبه فيها، ويذكروا "شيئًا خطيرًا" أو "سرطان" ما يجعل الأمر يبدو أن مبالغة لديهم أكثر من كونه ظاهرة أو متلازمة، بينما قد يكون طلاب الطب أكثر تحديدًا في تشخيصاتهم الذاتية لتبدو أكثر على أنها متلازمة خاصة بهم. وعامل آخر هامشي قليلا لكنه يؤخذ بعين الاعتبار وهو أن طلاب الطب ربما أظهروا دائمًا هذه المخاوف الصحية لإمكانية إتاحة ذلك أكثر من غيرهم من طلاب الكليات الأخرى، وإظهار ذلك الوهم المرضي يعني لهم نوعا من البقاء الدائم في الاتصال مع مجالهم الطبي الذي يدرسونه.

علاقة المتلازمة بالإنترنت

أصبح الإنترنت وسيلة شائعة جدًا للوصول إلى المعلومات الطبية، عبر مواقع الويب التي تقدم في كثير من الأحيان معلومات غير موثوق بها أو مزعجة، وليس سرا أن هذه المتلازمة صارت أكثر شيوعاً مع شيوع استخدام الإنترنت، فالفئة المهتمة بالقراءة الطبية تتحرى على الإنترنت أو مواقع التواصل الاجتماعي فئة كبيرة للغاية، بالإضافة إلى أن الإنترنت بتمتع بعامل خطورة خاص، فالبحث النوعي عن مرض معين يزيد المتلازمة في الغالب نتيجة قلة المعلومات الأكاديمية، فالحصول على معلومات سطحية يجعل قولبتها على أوهام طلبة الطب أكثر إقناعا بالنسبة لهم.

undefined

الظاهرة التي يسعى بها الجمهور لتشخيص أنفسهم عبر الإنترنت، والتي توصف بالمصطلح العلمي "cyberchondria" هي عبارة عن تصاعد لا أساس له من المخاوف بشأن الأعراض الشائعة بناءً على مراجعة نتائج البحث والأدب الطبي على الإنترنت ومقالات في المواقع الإلكترونية الشعبية. المصطلح الذي استخدم في عام 2001 في مقال في صحيفة The Independent في المملكة المتحدة لوصف "الاستخدام المفرط لمواقع الصحة على الإنترنت لإذكاء القلق الصحي"، يعد مصدر قلق متزايد حاليا بين العديد من ممارسي الرعاية الصحية حيث يمكن للمرضى الآن إجراء أي بحث حول جميع أعراض المرض النادر أو المرض أو الحالة، وإظهار حالة من القلق الطبي حتى دون وجوده مسبقا قبل البحث، أي أن الإنترنت بنفسه كان المتسبب بالوهم المرضي.

مع كل ما يمكن أن تصور به هذه الظاهرة إلا أن أي فكرة يتحتم على الأطباء من خلالها أن يأخذوا متلازمة طالب الطب في عين الاعتبار عند تقييم المرضى -الذين هم هنا طلاب الطب- لا تدعمها حاليا سوى نطاق أدبي طبي أكثر مما أن يكون إحصائيا ووبائيا يشير إلى "متلازمة" بالمعنى الحرفي للكلمة، لكن في الجهة الأخرى يقع أمر مثير للمشاكل عن شيوع المتلازمة فعلا، فعدم التردد للفحص الطبي هو ما يجعل البيانات الإحصائية ضعيفة لأن العديد من الأطباء -أو طلبة الطب- يترددون بالفعل في أن يصبحوا مرضى بأنفسهم! من السخرية بمكان أن تصبح دراسة الطب ذات تأثير سلبي على صحة الطالب، لكن أغلب الظن أن متلازمة طالب الطب تتفاقم مع نظام الحياة التي يعيشها من قلة النوم، التوتر، وإساءة استخدام المواد المنبهة تجعل من طالب الطب النموذجي في خطر من الأمراض النفسية ومنها متلازمةٌ سُمِّيت باسمه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.